الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
هل نعيد للشاشة الفضية بريقها؟
بقلم : عبد الكريم البليخ
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

هناك مشكلة اسمها الفيديو في العالم العربي.. ومشكلة أكبر هي التلفزيون!. إذا لم يكن بالإمكان السيطرة على استخدامات الفيديو ـ ما دامت العقلية التجارية هي التي تُغرق الأسواق بمختلف الأعمال التي تتسلق الموجة، وتُداعب كل رغبة، وهذه العقلية ليست تعبيراً عن تحوّلات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بقدر ما هي اصطياد لما يَجذب الناس، ويضمن التسويق العريض ـ

فإنّ المسألة تختلف بالنسبة للتلفزيون لأنه الجهة الرسمية التي عليها حماية أذواق الناس، والحفاظ على تراث المجتمع، وعدم السماح للأنماط التخريبية بخدش تركيبته والإخلال بقيمه، وغزو ثقافته.. لذلك فإنّه من المخجل أن ينساق التليفزيون إلى عرضه هذه الأفلام المنحرفة السيئة لعقول الناشئة، والمدمّرة لمُثله ومَبادئه، وبدلاً من التصدّي لها ومواجهتها بحزم وصلابة، فإن أغلب المسؤولين عن تلك المشاريع القائمة عززوا من مكانتها، وفرضوا هيمنتها على عقل المتلقي العربي بصورة خاصة، وجعلته طيّع أمرها، وبقدر ما تأمر تطاع وتنفذ مشاريعها الرخيصة، والخاسر من كل ذلك المشاهد العربي القابع أمام الشاشة، سواء أكانت لجهة التلفزيون أم السينما، وغيرها!. فرويداً رويداً تتحوّل أجهزة التليفزيون العربية إلى أداة تمكّن الاتجاه التجاري من ترويج أفلامه ومسلسلاته وإنتاجه بوعي وبدون وعي، بقصد وبدون قصد لما تطرحه هذه المواد المسجلة من تأثيرات وانعكاسات تمسّ جذور المجتمع، وتؤثّر على معتقدات الناس.

هل ظهور الطبقة الجديدة التي تنادي بالانفتاح الاقتصادي على العالم الغربي، وترويج بضائعه، والتعلق بمخلفاته والتي تعتنق انتهازية المصالح، هو السبب في هذا التغريب الذي تمارسه معظم هذه الأفلام والمسلسلات بتشويهها لأصالة المجتمع، وطعنها لممارسات الشرفاء بتركيزها على إبرازها النماذج المنحرفة وتبرير سقوطها؟.

وما دامت أدوات الإنتاج تحت تصرف من يملكها فلا غرابة في ظهور تلك الأفلام التي تعكس اهتمامات وسطحية أصحابها، وتغريرها لعقول الناس بما تطرحه من أفكار ساذجة، وما تروّجه من مصطلحات وألفاظ مبتذلة، سرعان ما تلتصق بقاع المجتمع، وتصبح جزءاً من كيانه، حيث تمتزج به، ما دام كل من يملك رأسمال معيناً يمكنه إنتاج الأفلام وتسويقها.. وليس مهمّاً إذا كانت تؤرخ لحياة الراقصات، أو ملوك الجريمة، أو تجّار الشنطة، أو تستغل صعود نجم ما لتفصّل على مقاسه مجموعة من الأفلام تنقصها الموضوعية واللمسات الواقعية!.

لقد أصبحت مؤسسات ثقافية مثال: دور السينما، المسرح، التلفزيون والفيديو في خطر بعد أن تحوّلت إلى مجرد أداة توصيل تروّج بضاعة متخلفة تسعى لتوظيف قدرتها المالية في إنتاج أعمال مربحة، وتساعدها في هذه المهمّة تلك الأجهزة الرسمية عندما تقوم بشراء هذه الأفلام، وتعمد إلى تبنيها وعرضها! فليست كل مادة مسجلة تستحق العرض والبث، وإهدار ساعات الإرسال عليها، وإفساح المجال لنشر أفكارها الهابطة على الناس!.

إنَّ مشكلة الإرسال التلفزيوني الطويل تجعل محطّات التليفزيون العربية تضطر أحياناً إلى شراء المسلسلات والأفلام التي سبق، وأن اعترضت على صلاحيتها لسطحية مضمونها وضعف معالجتها، كما أن تولي شخصيات غير واعية لمناصب مسؤولة أدى إلى اختلال المنظور الذي تُقيَّم من خلاله هذه الأعمال، بحيث أصبح الحكم يجري بتمريرها دون الانتباه إلى مدى ما تتصف به من ضحالة وتفاهة، وتساهم في تخلّف الشباب واعتناقهم لأفكار مسمومة تزيد من حيرتهم وتُذكي تخديرهم!. وعلى تلفزيونات الوطن العربي الاحتفاظ بدورها التثقيفي الهام، وعدم السقوط في بؤرة ما تتسابق عليه شركات الفيديو ومراكز توزيعها.

إنَّ جزءاً كبيراً من حماية التيار الفنّي الصادق بيد الأجهزة الرسمية التي كلما فرضت وجودها على معادلة الانتشار، وأظهرت قوتها، وتفتح آفاقاً لبزوغ الفن الطليعي الملتزم، فإنها تعيد بناء ذوق الإنسان العربي ووعيه المفقود، أمّا إذا ما ترك المجال مفتوحاً للمصادفة، ولقانون السوق، فإنّ قيم الناس ستصبح في تقهقر، وتذبذب ستظل تحت رحمة شبّاك العرض!.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 01-04-2024     عدد القراء :  405       عدد التعليقات : 0