الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
إتفاقية الإطار الستراتيجي
بقلم : د. عدنان الظاهر
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

   عقد العراق قبل أيام (أو جدّد) إتفاقية مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بإسم (الإطار الستراتيجي) دون تحديد لأمد فاعليتها ولا الأسباب الموجبة لذلك. هذا ما صرّح به رئيس مجلس الوزراء العراقي السيد محمد شياع السوداني علماً أنَّ حكومة السيد السوداني لم تعرض هذه الإتفاقية على مجلس النواب العراقي للحصول على موافقته كما تقتضي الأصول والسياقات الدستورية المعروفة. فعلام هذه الإتفاقية وما مبرراتها خاصة وقد أكدَّ مسؤولون عراقيون في قمة هرم الحكومة أنْ لا خطرَ على العراق من داعش وغير داعش من منظمات إرهابية عانى منها العراق سابقاً ما عانى. هل يعرف الشعب العراقي مغزى وحقيقة وأبعاد التحالف الستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية ؟ وهل تنسى شعوب الأرض جرائم وحماقات وحروب الولايات المتحدة الأمريكية [أمريكا مختصراً] وتنصلاتها وخروجاتها من الكثير مّما تعاقدت عليه من معاهدات وتعهدات ومواثيق دولية بعضها موثّق لدى مجلس الأمن الدولي ؟ وهل يجهل العرب أنَّ أمريكا هي إسرائيل وأنَّ إسرائيل هي أمريكا {أنا أنطونيو وأنطونيو أنا} ؟ أقول لهؤلاء المحسوبين على العرب أنَّ ملّف الشرق الأوسط الأمني هو شراكة ستراتيجية بين أمريكا وإسرائيل بل وأغلب مفرداته أُنيطت بإسرائيل. دأب المسؤولون الأمريكان على القول إنَّ المساس بأمن إسرائيل هو مساس بالأمن القومي الأمريكي فهل يعي مسؤولو العرب معنى ذلك أم أنهم يعرفونه ويُقرّونه كحقيقة لا ريبَ فيها ولا مُناص منها وأنَّ أي تحالف لهم مع أمريكا يعني تحالفهم مع إسرائيل وهذا ما كشفته وقائع الرد الإيراني على جريمتها الأخيرة في قصف قنصليتها في دمشق وقتل عدد من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني. فيا شعوب العرب ! لقد وضعكم حكّامكم ملوكاً وأُمراء ورؤساء وشيوخاً تحت خيمة ورحمة إسرائيل أمنياً وعسكرياً وإقتصادياً وها هم [قادة العرب] ماضون في تنفيذ هذه المؤامرة حرفيّاً بلهاثهم راكضين مُسرعين صوب التطبيع مع إسرائيل بضغوط وإغراءات وتهديدات وابتزاز من قبل الرئيس الأمريكي بايدن (وقبله ترامب) بحجج ومعاذير شتى على رأسها التخويف من (خطر إيراني) مزعوم مما يستلزم إقامة تحالف واسع النطاق يضم في عضويته كافة بلدان الشرق الأوسط بما فيها إسرائل بقيادة أمريكا وحلفائها أعضاء حلف الناتو وخاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا. عرفت المنطقة أحلافاً من هذا النوع لكنها فشلت أو أُفشلت منها حلف بغداد الذي ضم في عضويته العراق الملكي وتركيا وإيران الشاه ثم باكستان تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية. قام هذا الحلف أوائل العام 1955 واستمر حتى إنسحاب العراق منه إثر قيام ثورة 14 تموز 1958.

   بالنسبة للعراق فإنَّ معاهدة التنسيق المشترك أو الإطار التنسيقي الستراتيجي تعني فيما تعنيه ما يلي :

   1- إبتعاد العراق عن إيران تدريجياً وبصبر طويل ومراوغات وألاعيب دبلوماسية مع تطمين الجوانب الإقتصادية المنوّعة لإيران تصديراً وإستيراداً وضمان استمرارها حتى أجلٍ مُسمّى !

   2- الهدف الثاني الذي لا يقل خطورة عن الهدف الأول بل قد يتجاوزه حتى يصل إلى إحتمال حصول تصادم قوات الحشد الشعبي وفصائل المقاومة العراقية مع الجيش العراق الذي يرتبط بتحالفات ستراتيجية مع أمريكا الأمر الذي سيجعلها شريكاً في هذا النزاع أي دخولها في حرب مع الجيش العراقي ضد الفصائل والحشد الشعبي مما قد يستدعي إيران للدخول في حرب مع أمريكا.

   3- سيكون العراق كاملاً إمتداداً وعُمقاً حيوياً للمملكة الأردنية والبحرين والإمارات العربية المتحدة بحكم كون هذه الأقطار بين حليف لإسرائيل (الأردن / معاهدة وادي عَرَبة) أو مطبّع معها (البحرين والإمارات) وستلتحق السعودية بهما تطبيعاً وسيكونُ العراق كتحصيل حاصل مُطبّعاً أو مؤهّلاً للتطبيع مع إسرائيل وواقعاً تحت مظّلتها ورحمتها بحكم كونه مرتبطاً بمعاهدة أمن ستراتيجي مع أمريكا راعية ومظلّة وحامية حمى الجميع والجزءُ بعضٌ من الكُل والكل يساوي مجموع الأجزاء حسبما تعلّمنا من دروس الجبر والحساب.

   هل تعي حكومة السيد محمد شياع السوداني خطورة ما أقدمت عليه وما تمخّضت عنه زيارة الأستاذ السوداني والوفد المرافق له لواشنطن الأخيرة وما وقّع من معاهدات لم تُعرضْ على ولم تضمن موافقة مجلس النواب العراقي والرأي العراقي العام ؟

   مِمَ يخاف العراق اليوم وهل أمنه الوطني حقاً في خطر الأمر الذي يستدعي عقد تحالف مصيري مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عدّوة الشعوب وعدوة السلم والأمن الدوليين ؟ علاقات العراق مع جيرانه علاقات طبيعية يستورد منها ويُصدِّر لها بحريّة وعلى أوسع نطاق ولا مشاكل حدود معها بإستثناء الكويت ! نعم، مِمَ يخشى العراق [حكومة العراق الحالية] حتى يطلب من يحميه ؟

   4- حسب ما تسرّب من معلومات، ستبيع أمريكا العراقَ طائرات لم يُحدد عددها ولا خصائصها ولا نوعها أهيَ طائرات مدنية أو طائرات مقاتلة مجهول موديلها أم طائرات تدريب مع فرق عسكرية للتدريب والصيانة ؟

   5- كذلك تسرّب أنَّ حكومة الولايات المتحدة ستمنح العراق مساعدة مالية قدرها 500 مليون دولاراً أمريكياً ... مساعدة مالية ... لماذا !؟ هل العراق فقير حتى يستجدي مساعدات وملياراته تُنهب عَلَناً وتحت سمع وبصر الجميع ؟ لا تهب أمريكا أموالها هكذا لوجه الله أبداً وهي تُخفي نواياها بذكاء وخبث شديدين وأكيد ستربح أمريكا ما هو أكبر وأكثر مما وهبت العراق خاصة أثمان ما ستبيعه من طائرات وملحقاتها ومخصصات المدربين الأمريكان سواء في أمريكا أو في العراق فضلاً عمّا ستتطلبه هذه الطائرات من إجراءات الصيانة والتحديث وما تحتاجه من أدوات إحتياطية وعُدّة وعتاد. إستقراء الحاضر يقول إنَّ العراق الحالي لا أعداءَ خارجيين له لا قريبين من حدوده ولا بعيدين عنها ولا في تقديراته ومخططاته القريبة والبعيدة المدى الدخول في حرب مع أيٍّ كان وهو قادر على سحق أعدائه الداخليين المعروفين وقد سحقهم بالفعل.

   6- الخُلاصة : العراق اليوم وبعد إرتباطه الستراتيجي مع أمريكا سيكون عراقاً آخرَ لم يعرفه العراق في مجمل تأريخه المعاصر: عراق متناسق مع حلفاء وأصدقاء إسرائيل وامتداد جغرافي وأمني وعسكري واقتصادي لهم {إستيراد الكهرباء من الأردن ومقايضة الماء مقابل النفط والغاز مع تركيا والقادم مجهول} والكل تحت خيمة وحماية أمريكا وإسرائيل وباقي حلفاء أمريكا في حلف الناتو وغيرهم من خارج هذا الحلف.

   فيا عراقيون : تأهبّوا لمواجهة هذا الواقع الكارثي الجديد !!

  كتب بتأريخ :  الجمعة 19-04-2024     عدد القراء :  315       عدد التعليقات : 0