الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
سخط نستثمره وضفاف نسعى إليها
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

في ظل استمرار أزمة البلاد متمثلة، من بين مظاهر أخرى، في تفاقم الصراع على تقاسم النفوذ والحفاظ على الامتيازات، تتعاظم أمام الشيوعيين وسائر قوى اليسار والديمقراطية فرص استثمار السخط الناجم عن هذه الأزمة، عبر ادراك حقيقة أن كل أزمة تخلق امكانية تحويلها الى فرصة للاسهام في التغيير.
وتشير لوحة الصراع، من بين حقائق أخرى، الى أن القوى القديمة الجديدة التي تتصارع لتسلم الحكم عاجزة عن الوفاء بوعودها طالما أن المنهجية التي ستسود، مرة أخرى، هي، على ما يبدو حتى الآن، منهجية المحاصصات، أم المصائب، وهو ما يتجلى، جوهرياً، حتى وإن اختلفت الأشكال وتباينت الصيغ. وتؤكد كل المؤشرات على أن القوى المتنفذة غير قادرة على تقديم حلول جذرية للمعضلات المستعصية التي تعمق معاناة الملايين ومآسيهم. وبالتالي فانه من المتوقع أن نشهد تطوراً لحركة السخط واتساعاً لشعبيتها وتنوعاً في تجلياتها.
وفي هذا السياق يتعين علينا ملاحظة أن قوى متنفذة لجأت الى اقتباس الكثير من محتوى المشروع الديمقراطي الحقيقي، وهو ما يؤكد، بحد ذاته، إفلاس مشاريعها هي بالذات من ناحية، ويكشف، من ناحية أخرى، على ما ينطوي عليه المشروع التغييري الديمقراطي من جاذبية وإلهام للناس المحرومين والمسحوقين. ولا غرابة، والحال هذه، أن تسعى القوى المتنفذة الى إفراغ مشروع التغيير من محتواه ما لم تأخذ القوى الديمقراطية زمام المبادرة وتنهض، بروح الجرأة والاقتحام، بهذه المهمة الجليلة، مهمة تحويل السخط من موقف سلبي يكتفي بالتعبير عن الجزع والشكوى، بل والاستسلام لقدرية محبِطة، الى موقف ايجابي عبر استقطاب أصوات ضحايا المعاناة المريرة وهم بالملايين، وتوجيه الاحتجاج في مسارات مثمرة تسهم في تحقيق مطامح الناس وتحفيزهم على السعي الى تغيير ميزان القوى السياسي والاجتماعي، دون قلق من محدودية هذا التغيير مادام يحمل آفاقاً تعد بمزيد من التقدم.
ولا مبالغة في القول إن الواقع القائم يوفر لنا فرصة لا تعوَّض في خلق حركة شعبية عبر النضالات اليومية والارتقاء بمستوى الوعي السياسي والاجتماعي. ومن هنا لابد من استثمارها الى أقصى الحدود وبأفضل الأشكال. وعلينا أن نتذكر تجربة ما وراء انتخابات مجالس المحافظات وفرص نجاحنا في التعرف على هموم الناس وتعبئتهم في كفاح مطلبي وفي حركة واعية منظمة.
ويتعين علينا أن لا ننسى حقيقة أنه لا يمكن تصور بناء عراق ديمقراطي بدون دور فاعل ومؤثر للقوى الديمقراطية، والشيوعيين بالذات. غير أن هذا الدور لا يتوقف فقط عند حدود النضال من داخل البرلمان، على أهميته الفائقة، وإنما يتجاوزه الى حيث الناس وحركة الحياة الحقيقية.
ولابد أن نرى بعين فاحصة ونظرة عميقة ما انطوت عليه تجربة الانتخابات الأخيرة من دروس مريرة. لقد خسرنا شوطاً .. هذه حقيقة لا نخشى من الاعتراف بها. ولكن الحقيقة الأسطع أن أمامنا أشواطاً جديدة، وجديدة دائماً، وأن لدينا إمكانيات هائلة لم تستثمر بعد. ولابد، بالتالي، من إعادة النظر بأساليب عملنا، عبر تقييم متوازن لحصيلة تجربتنا، حتى نستعد لمرحلة جديدة تضعنا، حقاً، في قلب حركة الناس، سياجنا الحقيقي.
وفي هذا الاطار ينبغي أن يكف البعض منا عن أوهامهم حول التعامل مع حقائق الواقع وثقافته السائدة، والنظر الى الناس باعتبارهم كتلة صماء لا يمكن اختراقها. فهذا النمط من التفكير يكشف عن خلل لدى هذا البعض من الثوريين المخلصين، لكن العاجزين عن الرؤية التي تسبر أغوار الظواهر لتكشف جوهرها. فليس ملايين المضطهَدين ساكنين الى الأبد، وليس واقع التخلف ثابتاً الى الأبد. ولنا في الدروس الأولية البليغة لتجربة طارقي الأبواب، التي بددت مثل هذه الأوهام، خير دليل على أن في الأفق ما يتعين أن نتطلع اليه ونراه ونمضي صوبه. ومن الطبيعي أنه لا يجوز التوقف عند حدود ما فعلناه، والسماح لهمتنا بأن تفتر تحت أية ذريعة، وتحويل نضالنا، بالتالي، الى نضال موسمي.
* * *
علينا أن لا نكون ضحايا أوهام تصطدم بجدار الواقع، ولكن ينبغي أن لا تهون مطامحنا، فنقنع بالقليل في سياق تبريري يتعكز على الواقع الموضوعي، وهو، كما نعرف، متغير ومتحول، قابل للتأثير فيه إذا ما أحسن الساعون الى التغيير ربطه، على نحو مبدع، بالعامل الذاتي.
ينبغي أن نتذكر، على الدوام، حقيقة أنه لا يمكن للمرء أن يكون شيوعياً إلا بعد أن يغني ذاكرته بمعرفة جميع الثروات الفكرية التي أبدعتها البشرية، وأن الشيوعي يمسي مجرد دعيّ سخيف ما لم يتمثل وجدانه جميع المعارف التي اكتسبها، ويستوعبها بفكر نقّاد .. هكذا قال معلمونا الأوائل. فهل نحن بهم مقتدون ؟ وما الذي يتعين علينا فعله اليوم، ونحن نتوجه الى استثمار السخط، ونسعى الى الضفاف المنشودة ؟
بعيداً عن الخشية من انتكاس، وجزع قصر النظر، وسذاجة التفاؤل، وكابوس التشاؤم .. وقريباً من توازن الواقع الموضوعي والذاتي، وائتلاف الأمل والعمل، نكون أفضل من يعرف أن كل خريف زائل مادامت هناك ضفاف نحن إليها ساعون ..


طريق الشعب - 20/4/ 2010

  كتب بتأريخ :  الإثنين 19-04-2010     عدد القراء :  2926       عدد التعليقات : 0