الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
التيار الديمقراطي وآفاقه المحتملة..!
بقلم : باقر الفضلي
العودة الى صفحة المقالات

يظل التيار الديمقراطي في العراق حالة متفردة في إتجاهاته أو في منابعه سواء في الفترة التي لحقت الإحتلال/2003 ، أو في ما قبل ذلك، رغم الفوارق الزمنية والسياسية.  فما متعارف عليه اليوم ب(العملية السياسية)، يشكل الإطار العام لمسيرة هذا التيار، والحاضنة الموضوعية لوجوده، والآفاق المحتملة لتطور تلك المسيرة في ظروفها الراهنة واللاحقة..!


ومن البدهي أن يلم الإنسان بسمات هذا التيار ومدلولاته ومكوناته الأساسية وعوامل نشأته وظروف وجوده وتطوره، قبل أن يحدد مسلمات إفتراضية لشكل ومضمون وأبعاد التيار نفسه.


ولإرتباط الأمر بالعملية الإنتخابية الحالية، يأخذ التيار الديمقراطي حيزاً مهماً في معرفة دوره في هذه العملية، ومدى تإثيره فيها والحدود التي يمكنه معها التواصل مع المسيرة القائمة وضمن شروطها وثوابتها المعلنة..!


في كل تأريخه الماضي عرف عن التيار الديمقراطي في العراق إنحيازه الى اليسار، بما يعني الى كل ما يمت بصلة لهموم الكادحين والفقراء، من عمال وفلاحين وشغيلة المدن، وعرف عنه إلتصاقه بهموم المثقفين؛ من شغيلة الفكر، كالأطباء والمحامين ورجال القضاء، وجمهرة الأكاديميين، من أساتذة الجامعات والمعاهد التعليمية، ومن جمهرة المعلمين..الخ


كما عرف عن هذا التيار إرتباطه بشؤون الوطن وقضاياه العقدية والوطنية وتوجهاته الإقتصادية والسياسية المصيرية. وخلال عقود كثيرة من القرن الماضي، خاض هذا التيار معارك تأريخية حاسمة من أجل تلك القضايا، سجل فيها غير قليل من الإنتصارات المشهودة، وقدم غير قليل من التضحيات الجسيمة، حيث كان يحتل موقع الصدارة في تلك المعارك، وكان له السبق في قيادة جموع الشعب في كفاحها من أجل حقوقها وقضاياها المصيرية..!


وليس بعيداً عن التغيرات العاصفة التي حلت بالعراق بعد عام/2003، وفي مقدمتها الإحتلال الأمريكي، وما يسمى بقوات التحالف"، لم يقف التيار الديمقراطي بمعزل عن ما جرى، أو أن يختار الجلوس على التل ويكتفي بمراقبة مسلسل الأحداث، بل على العكس من ذلك؛ فقد كان له موقف واضح المعالم من مجريات "العملية السياسية"، وإنخرط بقناعة في تفاصيل مسيرة تلك العملية، خاصة وإن أغلب المشاركين فيها كانوا من أطراف المعارضة المناهضة للدكتاتورية، وإن كان البعض منهم لم يشارك عملياً في الترتيبات الأولية للتحضير لمقدمات عملية إسقاطها عبر مؤتمر لندن عام/2002 ذائع الصيت. وهكذا وعلى ضوء ما تقدم لم يكن التيار الديمقراطي وفي مقدمته الحزب الشيوعي العراقي العريق في تأريخه ونضالاته السياسية، طارئاً على العملية السياسية، بل شكل موقفه المعلن منها ومنذ أيامها الأولى حالة خصوصية في التعامل معها، مما ينبغي التوقف أمام ذلك الموقف، بشيء من الدقة والتحليل، رغم ما شاب تلك العملية من شوائب يحسب لها الف حساب على كافة الأصعدة والمستويات..!


ولا تشكل الإنتخابات والمشاركة فيها من قبل ذلك التيار، سوى حلقة من مجمل حلقات العملية السياسية، وإحدى آلياتها الأساسية، رغم ما إنتابها من نواقص جدية، ورغم أنها جرت وفق قانون لا يتسم بالعدالة والمساواة بين المتنافسين، فجاءت المشاركة في الإنتخابات مع علم مسبق من قبل مكونات التيار الديمقراطي، بالنتائج المتوقعة لها، وبأنها ستكون وفي أحسن الأحوال، لمصلحة القوى الكبيرة والمتنفذة ضمن السلطة، طالما أنها تجري وفق قانون قد خطط له مسبقاً وبأغلبية برلمانية من قبل تلك القوى، بهدف حجب قوى التيار الديمقراطي المتميز بالتشتت في أحزاب صغيرة، والتي أعطت الفرصة المناسبة لتلك القوى الكبيرة، من خلال هذا التشتت، بأن تنفرد بها، لترسم اللوحة السياسية الراهنة "للعراق الجديد"، والتي غابت عنها قوى التيار الديمقراطي، ومنها قائمة إتحاد الشعب وقوائم أخرى عديدة..!(*)


ومهما قيل ويقال عن التشوهات والتجاوزات التي رافقت العملية الإنتخابية، من أعمال التزوير وإستغلال المال السياسي، والرشى وشراء اصوات الناخبين وغيرها من أعمال الإحتيال، رغم اهميتها وتأثيراتها السلبية على النتائج،  فإن الحلقة المركزية في كل ذلك، تظل تتمحور حول الركن الأساس في العملية الإنتخابية، والذي لا يخرج في حقيقته عن قاعدتها القانونية وإطارها الشرعي، الذي جرت بموجبه تلك العملية، والمقصود به "قانون الإنتخابات" الذي رسم الطريق لتلك اللوحة السياسية الجديدة القديمة، لقوى النفوذ السياسي في العراق في المرحلة الراهنة، متمثلة بالإصطفافات المذهبية والإثنية المتعارف عليها ب "المكونات"، والتي قادت العملية السياسية خلال السنوات الأربع الماضية..!


فقد تمكنت هذه القوى ومن خلال ما تمتلكه من أغلبية نيابية، أن تسن قانوناً إنتخابياً مشوهاً، تمكنت من خلاله أن تحمي وجودها بشكل شرعي في السلطة، وأن تحجب بعيداً تلك القوى التي لا تتقاسم معها طموحاتها في الإستئثار بهذا النفوذ، بل وربما قد تقف أمامها حجر عثرة، يحول بينها وبين تحقيق مصالحها الفئوية والطفيلية الإنتهازية الجديدة، خاصة وهي في وارد تأسيس دولتها الوليدة؛ وما الصراع القائم بين إئتلافاتها الفائزة لقيادة العملية السياسية، إلا ملمح من هذه الملامح، وبالتالي فليس كل ما يقال عن التزوير والتجاوزت في العملية الإنتخابية، ما يشكل جوهر ومضمون ما شوه العملية الإنتخابية لعام/2010 نفسها، بقدر ما يمثل غطاءً تلتحف به القوى المنتصرة في العملية الإنتخابية من القوى المتنفذة، وصاحبة نظرية "المكونات"، لحرف إتجاهات النقد لآليات العملية الإنتخابية، خوفاً من أن يجري تركيزها على حقيقة تلك الآليات المشوهة، وخاصة ركنها القانوني، بل توجيهها بإتجاه ثانوي شكلي، لا ينتج عنه وفي أحسن الأحوال أية متغيرات أساسية على صعيد النتائج التي جاءت بها العملية الإنتخابية، أو بمعنى آخر، أية متغيرات جوهرية في طبيعة التشكيلة الإنتخابية الجديدة، المتمثلة بقاعدتها الطائفية ـ المذهبية الإثنية، خاصة بعد أن أصبحت النتائج الأنتخابية حقيقة واقعة، وباتت تحضى بتأييد ودعم كافة الكتل الفائزة ومنها الكتل الأربع خصيصاً، وكذلك من قبل أطراف مهمة منها الأمم المتحدة..!


والى هذا الحد يمكن القول، بأن ما يواجه التيار الديمقراطي عموماً، من مهام جديدة بعد الإنتخابات، وما يشكل مسارات الصراع السياسي القادم،  يرتبط بشكل أساس بالنتائج الجديدة للإنتخابات، وما رسمته من لوحة سياسية غير بعيدة عن نتائج إنتخابات عام/2005 من حيث الجوهر، وبالتالي فإن هذه المهام لا تبتعد كثيراً عن إتجاهين؛ أحدهما يتحدد بمواصلة النضال من أجل تقويم القاعدة القانونية للعملية الإنتخابية، وذلك بإجراء التعديلات الضرورية على قانون الإنتخابات، بما يضمن العدالة والمساواة، ويمنحه الشرعية الدستورية، والعمل على تشريع قانون الأحزاب على أسس ديمقراطية، ناهيك عن متطلبات العمل لإزالة الغموض والتعارض الذي يكتنف العديد من نصوص الدستور وأحكامه.


وفي الإتجاه الثاني؛ التركيز على كل ما له علاقة بمعاناة المواطن العراقي في جميع الإتجاهات، وهو الإتجاه الذي من خلاله تُرسم اللوحة المستقبلية لإتجاهات وآفاق وجود ومكانة التيار الديمقراطي ـ اليساري في الحياة السياسية العراقية، ناهيك عن متطلبات النهوض بالواقع الإقتصادي والإجتماعي..!


وفي المنظور العام فإن التيار الديمقراطي ـ اليساري، مطالب بأن يحدد مهامه الآنية، بإتجاه دفع القوى "المنتصرة" في الإنتخابات، الى التسريع بتشكيل مؤسسات الدولة الشرعية، من المجلس النيابي والسلطتين القضائية والتنفيذية، وضان الأمن والإستقرار في حياة المواطن العراقي..!

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 20-04-2010     عدد القراء :  3265       عدد التعليقات : 0