الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
شبح النقابات .....يلاحق حكومة المحاصصات !
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

شهدت الفترة الأخيرة مزيداً من التدخلات الفظة في شؤون النقابات وسائر منظمات المجتمع المدني. فبعد سنوات على إصدار القرار رقم 3 لسنة 2004، القاضي بحل كافة الادارات والمجالس المؤقتة للنقابات والجمعيات، تواصل جهات حكومية متنفذة تهديداتها السافرة، معبرة عن استهانتها بمنظمات المجتمع المدني وتجاوزها على استقلاليتها بشكل يتعارض مع الدستور، ويتجاهل إرادة الملايين من منتسبي هذه المنظمات.
وفي هذا السياق طلبت جهات "رسمية" من الاتحاد العام لنقابات العمال، مؤخراً، تأجيل إجراء الانتخابات بعد أشهر مديدة من التحضيرات المشتركة بين النقابات القائمة واللجنة الوزارية العليا، بينما جرى تهديد نقابة المعلمين باتخاذ إجراءات حكومية وقضائية إن هي لم تذعن لارادة "الحكومة".
والحق إن حملة التدخلات والتهديدات ابتدأت بقرار مجلس الحكم رقم 27 الصادر في آب 2003 والقاضي بايقاف انتخابات النقابات الى أجل غير مسمى تحت ذريعة إعداد دساتير ولوائح داخلية وبرامج عمل تنسجم مع مرحلة ما بعد الدكتاتورية. وأعقبت ذلك إجراءات وقرارات تعسفية أخرى لمحاصرة النقابات ومصادرة حقوق منتسبيها. ويجري هذا كله في إطار دستور فيه من المواد ما هو حمّال أوجه وقابل للتأويل ومثير للالتباس.
ومما يبعث على السخط أن أجهزة حكومية استخدمت القوة أكثر من مرة، إذ قامت باقتحام لمقرات نقابات، ومؤسسات اعلامية، ومارست عنفاً ضد نساء وطلبة، وتعاملت ببيروقراطية فظة مع كتاب وصحفيين وفنانين. ولم يبخل "المحررون" باستعراض عضلاتهم في هذا السياق.
وكان من الطبيعي أن تثير إجراءات التدخل في الحياة النقابية والمهنية، وانتهاك الحريات التي أقرها الدستور وكفلتها المواثيق والعهود الدولية التي وقع عليها العراق، موجة من الاحتجاجات الواسعة داخل البلاد وعلى الصعيدين العربي والدولي. فقد عبرت منظمات غير حكومية، أوائل الشهر الحالي، عن غضبها تجاه سعي الحكومة الى فرض رقابتها على أنشطة المنظمات وسن قانون تحاول الحكومة وضعه من طرف واحد. واعتصم معلمون في ساحة الفردوس ببغداد احتجاجاً على تأخر إجراء انتخابات حقيقية، موجهين اتهامات الى وزارة التربية ومسؤولين في اللجنة التحضيرية للانتخابات بالمماطلة في تنفيذ قرارات رئاسة مجلس الوزراء الخاصة باجراء الانتخابات.
وأبدت منظمات غير حكومية استياءها من تجاهل الحكومة لها بخصوص مشروع قانون ينظر فيه مجلس النواب، يهدف الى مراقبة أنشطتها وميزانياتها، حيث اقتصرت الدعوة في هذا الشأن على منظمات "مختارة" للمشاركة في محادثات رسمية مع الحكومة، مما يدلل على الانتقائية والاقصاء والتهميش و"التسييس"، ويفضح سعي الحكومة الى تمرير قانون يقيّد عمل المنظمات غير الحكومية.
ومثلما تبددت آمال العراقيين في إقامة ديمقراطية حقيقية، تبددت، أيضاً تطلعات الملايين من منتسبي النقابات والمنظمات المهنية الى إقامة حياة مدنية حقيقية، إذ تجاهل "المحررون" هذه التطلعات بسياساتهم وإجراءاتهم المتخبطة، الساعية زعماً الى "مجتمع ديمقراطي"، وأعاق "المقررون"، بمحاصصاتهم وامتيازاتهم، شروط الحياة المدنية.
وتحولت وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني، التي لا يُعرَف دافع تأسيسها ووظيفتها، شأن وزارات دولة أخرى، إلا بكونها نتاجاً للمحاصصة المتعارضة مع المجتمع المدني الحقيقي، تحولت الى عائق أمام نشاطات المنظمات واستقلاليتها.
والحقيقة أن ممارسات هذه الوزارة والحكومة التي تسيّرها تعد انتهاكاً فاضحاً للدستور، وتتعارض مع منهجية الحكومة المعلن عنها، وتصريحات رئيس الوزراء حول التمسك بالدستور، الذي ينص على دعم وتطوير استقلالية منظمات المجتمع المدني، باعتباره المرجع في الفصل بين النزاعات.
لماذا، إذن، لا يحق لمحللين، أن يرتابوا بجدية هذه الحكومة في الموقف من منظمات المجتمع المدني، ومن قضايا خطيرة أخرى، وهم يرون ازدواجية الحديث عن السعي الى مجتمع مدني وانتهاك أبسط قواعد المجتمع المدني في الوقت ذاته ؟
من الجلي، بالطبع، أن إقامة هذه المنظمات وممارستها دورها ونشاطاتها يمكن أن يشكل ركناً أساسياً في تحديد وجهة التطور الاجتماعي للبلاد على نحو يهدد أصحاب النفوذ. وهذه القضية مرتبطة، شأن قضايا خطيرة أخرى، بالصراع الاجتماعي ومعركة الامتيازات. وليس أمام الملايين من منتسبي النقابات والمنظمات، وسائر المحرومين ومغيَّبي الارادة، سوى خوض هذا الصراع، بكل السبل الممكنة، السلمية والمثمرة، من أجل انتزاع الحقوق المشروعة التي يسعى "الحكام" الى مصادرتها حفاظاً على نفوذهم.
لقد أسهمت ثقافة الوصاية، وتخلف الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية، والتطور المشوّه للمجتمع، وشيوع الاستبداد، وولاءات الانتماء الى الطوائف لا الوطن، في ديمومة مؤسسات المجتمع المتخلفة، التي تسهم في تمزيق نسيجه الاجتماعي وطمس هويته الثقافية التي تتسم بالتعددية والتنوع.
*    *    *
الحق إنه ما دام عقل الاقصاء والتهميش والاستحواذ هو السائد، فمن غير المنطقي توقع إقامة مجتمع مدني ديمقراطي، إذ بدون تغيير العقل السياسي، في سياق التوجه الى تغيير الثقافة السائدة، تتحول مسألة إقامة ذلك المجتمع المنشود الى مجرد وهم.
غير أنه يتعين، في كل حال، عدم السكوت عن الانتهاكات لأسباب "سياسية" أو في إطار تبويس اللحى وشراء السكوت المتبادل.
أجل، سيظل من يغيِّبون إرادة الملايين يخشون منظمات المجتمع المدني الحقيقية لأنها تمثل إرادة المغيَّبين، وسيظل شبح النقابات يلاحق حكومة المحاصصات ! 

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 14-04-2009     عدد القراء :  3916       عدد التعليقات : 0