الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
محنة المرأة الشنكالية في راهنها الصعب ،الانتحار نموذجا‏
الأربعاء 31-12-1969
 
بركات العيسى

خلقت لتكون عبيدة الذكر الذي يتسلط عليها في كل ما تمتلكه بعكس ما يدعي البعض أن الجنة تحت أقدامهن أو كما نزل من السماء ،،المرأة الشنكالية حالها الصعب كحال أية امرأة شرق أوسطية تعيش تحت سلطة الذكر القوي ، يضاف الى حياتها مشقة العيش بعوامل تأثرت فيها وعليها أكثر مما شاهدته وعاشته امرأة أخرى في أي زمان ومكان ، إذ نحن في القرن الحادي والعشرين ولا تزال هذه الإنسانة تفتقر لكتابة اسمها أو الخروج من البيت لشراء ما تحتاجه كونها لا تملك ما يؤهلها لذلك!. يحدث ولا حرج أنها في عصر هذا التطور الهائل من العولمة والتكنولوجية  لا تزال تشارك الحمير لجلب المياه الصالحة للشرب  أو تحمل قوارير المياه فوق أكتافها لسد حاجتها ومن يشاركها البيت الطيني ! .

المرأة الشنكالية كانت لها أن تطالب بمشاركتها موسوعة غينيز للأرقام القياسية لأنها ودون منافس تعد من أكثر اللواتي يعانين  مشقة الحياة ،

فبالإضافة الى افتقار مقومات الحياة الأساسية في شنكال والخدمات التي هي دون الصفر الى حد متوقع  فالمرأة الشنكالية التي تعيش تحت السلم الاجتماعي تلامس الموت الجماعي في حياتها البائسة التي تشبه الى حد كبير حياة المرأة  في البلدان المتشددة فكريا وما يعادلها من اجتياح المجاعة .

ما أن المجتمع الشنكالي يعاني النقص الحاد من الأكاديميين وفي شتى المجالات بسبب السياسات والحملات التي اجتاحت المنطقة في أزمنة مختلفة ، لتُحَدّث وتطوّر مجتمع يعاني حتى في هيئته ، ولا ريب أن التعامل هنا مع الجنس واللون يعد من الأسباب الرئيسية التي أدت ولا تزال الى تخلف  هذا المجتمع وتباطئه في الاستمرارية  والمحاذاة مع التطور كون من يعيشون هنا على هذه الأرض وبغالبية عظمى من أبناء الديانة الأيزيدية والذين لا يلقون ترحيبا في وسطهم ،  والتي باتت حقيقة يتذوقها الجميع طي الكتمان   .

ذكورية المجتمع هنا  المقلد لبيئته التي ترفض مشاركة المرأة في رسميات الحياة خارج الحدود المرسوم لها بين الحيطان الأربعة

بداعي العادات والتقاليد ومزاعم ما يسمى بالشرف حال دون أعطائها ولو جزء من استحقاقها الإنساني ، إلا أن الغموض في العديد من جوانب الحياة الاجتماعية التي تسود هنا وتشكل حواجز يخشى الناس عبورها رغما عن مراد الكثيرين باجتيازها بات نسيجا من الخيال وحلما يعيشه الجيل الحالي والذي يبحث عن الثغرات ليعيش جنبا الى جنب مع حرية الإنسان في التحرك وحقوقه وفق دستور يخلو من الشوائب والخرافات  .....

الحياة الصعبة هنا في شنكال ، خصوصا في القرى والمجمعات التي تعاني من نقص المدارس أو تفتقر إليها حينا ، الى جانب أمثلة كثيرة يمكن أن تسترد هنا مع الواقع الذي يعيشه هذا الإنسان ومنها :

ناحية كرعزير التي تعرضت  الى انفجار أربع شاحنات مفخخة في يوم 14/8/2007 والتي أدت الى مقتل 312 شخص بينهم 150 طفلا دون الثانية عشرة وجرح 700 آخرين والتي جاءت على لسان الدكتور برهم صالح حين كان نائبا لرئيس الوزراء العراقي آنذاك بأن المنطقة منكوبة وتحتاج الى العمل من الصفر ، إلا أن منكوبية الناحية وبمجمعيها ( سيبا شيخ خدر وكرزرك ) لا تزال تعيش نكبتها ، ولا يوجد فيها ولا بمجمعيها طبيب أخصائي

أو مستشفى أو مدارس عصرية حتى  لا تعاني من ازدواجية الدوام و جلوس تلامذتها على الأرض  نتيجة الزخم والإقبال الشديد عليها  مما يحث التربويين على انقسام الدوام الى ثلاثي أو أكثر وذلك ما يجعل تربيتهم تطفوا على السطح لضيق الوقت والساحة !

ومن البديهي التحدث عن مجمع سيبا شيخ خدر (الجزيرة ) غرب ناحية كر عزير (القحطانية ) 6كم والذي لم يتم فيه تبليط شارع إسفلتي منذ نشأته عام 1975 بالإضافة الى عدد سكانه البالغ أكثر من 25000 نسمة  ما يزيد عن ثلاثة آلاف عائلة وقيام جميع هذه العائلات بشراء  المياه الصالحة للشرب نتيجة لملوحة المياه وتلوثها في أرضهم الواقع ، ويعتبر ما أسلفناه عينة أو مختصرا لمشاكل جميع قرى ومجمعات شنكال  .

تعيش المرأة في شنكال لتذوق الأمرّين معنا أو تعيش عبيدا للعبيد

ونتيجة للستار المفروش بين مرصد جمعيات ومنظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني المتبرئة من شنكال على حد التعبير الناتج عن الواقع ، ونومها الصعب في غياهب الفرائض بمجتمع  يحوم خارج  سرب الجميع .

المجتمع الشنكالي غير العصري والذي لا يلامس المجتمعات الأخرى نتيجة قلة وسائل الاتصال الحديثة بين الصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية والالكترونية  جعل من ساكنيها أن يحترقون على نار هادئة ، والشأن الثقافي المتقوقع في أكثر من مأزق اجتماعي واقتصادي لا يمكنه أن يلبي طموحات واحتياجات هذا الكم الهائل من الراغبين في التطور والتأقلم ، فالمراكز الثقافية هنا والتي تمولها إما الأحزاب أو مديرية الثقافة والفنون في محافظة دهوك بتمويل ضئيل  لا يسد حاجيات العاملين في ذلك المركز أو تلك المؤسسة  مما يجعل من المجتمع خاليا من ورش العمل وفتح الدورات في المجالات المختلفة والقيام بأنشطة على أكثر من صعيد بما يتناسب و حاجة الداعيين للتغيير .

خلال سنوات ما بعد الحرب العراقية الأخيرة وسقوط بغداد ، شهدت شنكال موجة شرسة من ظاهرة الانتحار، ليتجاوز عدد المنتحرين والمنتحرات 150 منتحر ومنتحرة ، ويرى المراقبون ان نسبة المنتحرات هي الأكثر إذ تتجاوز أعدادهن نسبة 75% من ألأجمالي ، ويختلف الكثير من المراقبين  على الأسباب والعوامل التي تزيد من رغبة هؤلاء الشباب ومن كلا الجنسين على الانتحار ومن أبرز هذه العوامل  التي يتفق عليها المراقبون :

1: الوضع المعاشي الصعب

2: بعض العادات والتقاليد السائدة في المجتمع التي تسد العديد من الأبواب بوجه حرية الإنسان في الحياة العامة .

3: الزواج المبكر،  إذ أن أكثر المنتحرات هن من المتزوجات في سن مبكرة  وهنا أيضا عاملين أساسيين أ: الزواج الإجباري : أي إجبار الفتاة في سن المراهقة على الزواج بأحد أقربائها أو مقابل ثمن باهظ كما حدث في سنوات ما قبل 2005.

ب : بما أن من العادات السائدة في المجتمع الأيزيدي بشنكال  ظاهرة الخطف ، أي يحق  لأي شاب أن يخطف الفتاة التي تتفق معه على الزواج  بشرط أن تكون ضمن طبقته الدينية إذ لا يحق (للمريد أن يتزوج من فتاة ضمن طبقة الشيوخ وكذلك الحال مع البير ) والعكس صحيح  وهناك أيضا طبقات ضمنية في طبقتي الشيخ والبير يحرم الزواج بينها  إذ أن أكثر الطبقات حرية في الأختيار هي طبقة المريد التي تخلو من عوائق والمحرمات الضمنية  ، إذ يقوم الشاب بخطف الفتاة (بإرضاء الطرفين) الى بيت أحد معارفه ، وبعدها بيومين أو أكثر تذهب عائلة الشاب للبحث عن الصلح مع عائلة الفتاة ، ونادرا ما  يتم الرفض أو العصيان ، وتحصل هذه الحالة بين المراهقين غالبا وسرعان ما تحدث المشاكل بعد اكتمال سن الرشد  والشعور بالندم وتنتج منها حالات الطلاق  والانتحار الى حد ما .

4: تأثير الدرامة  التركية : وهذه النقطة موضع خلاف الكثير من المهتمين بهذا الشأن  إذ يرى البعض أن المرأة الشنكالية التي تمضي معظم أوقاتها في مشاهدة التلفاز وخصوصا الدرامة التركية تشكل لديها حالة من اليأس في حياتها الصعبة ويزيدها من التفكير ومقارنة حياتها  مع اللائي يظهرن على الشاشة  ، مما تطعن بواقعها وتبحث عن الحلول في الهروب من حياتها الصعبة  لتصطدم في الأخير باللاحل وتفكر جليا بالانتحار.

5:  عدم  تأثير الطابع الديني  على النساء في شنكال ، إذ أن الرجال فقط من يتمتعون  بالاستماع الى النصائح والإرشادات وخاصة في المناسبات الدينية   ولم يحدث يوما أن قام أحدهم  بتعليم الفتيات أو عامة النساء طريق الدين بالنصائح والإرشادات وحماية الإيمان داخلهن  مما تشكل ركيزة أساسية ودافع   أخر لتشجيعها على الانتحار أو التجرد عن القيم والمبادئ الأساسية في المجتمع  .

6: ذكورية المجتمع الشنكالي وتعرض المرأة داخل الأسرة الى الضرب والاستهانة بها وسماح الرجل لنفسه  بالزواج دون حدود مرسومة  أو أرقام  ... فمثلا في الإسلام يسمح للرجل أن يتزوج من أربعة نساء فقط ، أما في الأيزيدية فلم يحرم أو يسمح أو بالأحرى لا يوجد حديث أو نص ديني عن  السماح للرجل بأكثر من زوجة .

بالإضافة الى الأسباب والعوامل التي أسلفت فبإمكاننا القول أن كل ما يحيط بالمرأة الشنكالية ليس إلا عوامل تشتعل وتساعد على الاشتعال ولكي تظهر هذه الإنسانة المترددة في الموت فأنها تشعل النار في جسدها (بالحرق ) على عكس الذكر المنتحر وغير المتردد الذي يضرم على نفسه النار عن طريق السلاح ( مسدس أو كلاش ) وحسب الخبراء أن الانتحار بالحرق يبين أن الشخص كان مترددا ، إما بالسلاح فيظهر الإصرار على الموت ، ففي عام 2011 شهدت مدينة شنكال وضواحيها  أكثر من 60 حالة انتحار اغلبها بين النساء اللواتي أحرقن أنفسهن أو شنقا حتى الموت ولم تتوقف هذه الظاهرة الى يومنا هذا بما يشبه موضة حديثة ، فبالرغم من الغموض الذي أحاط بالعديد من حالات الانتحار والدافع وراء كل واحدة منها والتي لا يستوعبها العقل البشري  بمجرد التفكير بالانتحار نتيجة  ألأمور والمشاكل التي واجهت الضحايا قبل تنفيذ حكم الموت على أنفسهم ومن الأمثلة العديدة : طالبة تنتحر لأنها رسبت في الثالث المتوسط  ، وآخر ينتحر أيضا بسبب رفض والده دفع ديونه وهو طالب إعدادية ،   وأخرى تحرق نفسها حتى لا تعمل العجين !  إلا أن التستر على حقيقة ما جرى من  ملابسات  في مثل هذه الحوادث  والتي ربما هناك من له شأن في ذلك بدافع ما يسمى بغسل العار والتحفظ بالشرف أو الغيرة المفرطة لدى البعض والشكوك التي أدى بهم الى ارتكاب جرائم بحق الإنسانية لا يمكن استبعادها في مثل هذه القضايا  التي هبت عليها رياح الغموض ، لتنتهي في الأخير بمجرد مشاكل عائلية على السنة الناس  أو كخبر منشور في صحيفة محلية !.

في المجتمعات الشرقية التي تتسم بالعشائرية والمتقيدة بالعادات والتقاليد كما في مشاهد الأفلام البدوية  غالبا ما تتجنب السلطات الأمنية مشاكلهم والتي تنتهي بضلالها على المرأة بحزمة الشروط والضوابط والأحكام العرفية المنزلية ، لتكون الأخيرة أمام خيارين لا ثالث لهما ( إما القبول بها أو رفضها ، لتتحمل بنتائجها الموت على أيدي غيرها أو على أيديها ) .

عدم الاختلاط بالآخرين  والبعد بين شنكال والمدن المتحضرة  ربما له تأثير على سلوكيات الفرد وتمسكه بالأفكار القديمة ، وذلك ما تشاهده في واقع بعض القرى والمجمعات التي تحتضن أبناء عشيرة واحدة فقط  ،  يتم تداول قوانين وشرعيات خاصة بها  ، يصعب اختراقها أو الطعن فيها  ، واحتكام الجميع بفرائض رئيس العشيرة أو شخص عُرف عنه مسبقا بحلحلة الأمور العشائرية ومشاكل الزواج والطلاق وما يسمى ( بالمشرّع)  وهو غالبا ما يكون كاهل من الكهل الأميين  الذي يفرض رؤاه الخاصة على الناس في عدالته الاجتماعية ،،  نتيجة حتمية لعدم وجود قانون الأحوال الشخصية للأيزيديين  وعدم اعتراف المحاكم بقَسَم الأيزيديين لأسباب تبين عنها التفسير في السليمانية  مؤخرا ، يضاف الى كل ما سبق الانقسام الداخلي على أصعدة مختلفة عكست بتأثيراتها السلبية على اجتماعيات شنكال وثقافاتها .

 
   
 


اقـــرأ ايضـــاً
من العراق إلى غزة.. طبيب أمريكي يطلق نداءً من خان يونس: أوقفوا الحرب
في اربعينية كوكب 12 ايار/مايس هذا النص
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي
كفة رئيس البرلمان تنحرف داخل الإطار لصالح مرشح المالكي محمود المشهداني
بيئة كوردستان: انبعاثات "النشاطات البشرية" أكبر عوامل التغير المناخي
"ليس هناك خطأ".. منظمة الصحة العالمية تحسم عدد القتلى في غزة
أخطر مهربي البشر.. سلطات كردستان تعلن اعتقال "العقرب"
تعليق أمريكي على تخريب "مساعدات غزة"
مصر تلغي اجتماعاً مع مسؤولين عسكريين اسرائيليين
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
المعتقلون الفلسطينيون.. أجساد عارية وعيون معصوبة وقطع غيار بشرية
إضاءة ومساهمة في مؤتمر نسائي هام بالسليمانية
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة