تنتقل هدى البالغة من العمر 18 عاماً من غرفة إلى غرفة أخرى في مستشفى الحروق بمدينة الموصل، مركز محافظة نينوى ( 465 كم شمالي العاصمة بغداد)، بجسدٍ أكلت النار معظم تفاصيله، ولم تترك منه شيئاً، نتيجة ظروف أسرية صعبة جداً كانت تعيشها قبل أن تقدم على إضرام النار بنفسها في محاولة منها للانتحار.
هدى "اليائسة" أشارت إلى صورة بيدها لفتاة في غاية الجمال، وقالت بحسرة في حديثها لـ"شفق نيوز"، إن "هذه صورتي قبل أن احرق نفسي قبل نحو أربعة شهور.. بعد أن حرمني زوجي من طفلي ومن ابسط حقوقي كامرأة".
وأضافت إن "زوجي جندي يخدم في محافظة كركوك، ومدمن على الخمر.. وأنه نادراً ما يأتي إلى منزله وأسرته وهو في وعيه، وهذا هو سبب خلافي معه"، لافتة إلى أنها "رزقت بطفل منه, وحرمنا معاً من حقوقنا".
واسترسلت هدى متحدثة عن ضرب زوجها المتواصل لها كلما سنحت له فرصة التواجد في المنزل، وما لبثت إن أفرجت عن ابتسامة صغيرة وهي تقول "اعتدت على ذلك، مع أنني كنت انهار نفسياً، إلى أن جاء يوم اخذ فيه طفلي، فقررت إنهاء حياتي بالحرق".
وحملت هدى أهلها سبب ما جرى لها، مبينةً "هم السبب.. لأنهم أصروا على زواجي منه وأنا مجرد طفلة، ولم يكن لرفضي أي معنى، وحدث كل شيء من دون إرادتي".
وتؤكد المؤسسات التي تعنى بالمجتمع المدني، أن النساء اللواتي يتعرضن لانتهاكات جنسية او سوء معاملة في المنازل تصل الى 73 %.
وتشهد محافظة نينوى وبقية محافظات البلاد تزايداً للحالات المشابهة لحالة "هدى"، خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصاً في العائلات التي تعاني من التفكك الأسري أو الفقر.
ومر البلاد في العقود الأربعة الأخيرة بحروب وصراعات خلفت آثاراً سلبية كبيرة على بنية المجتمع وجعله متآكلاً ومهدداً بالتفكك.
ويومئ الطبيب محمود حازم حسن في شعبة الجراحة التجميلية في مستشفى الحروق بالموصل برأسه إلى ملفات تكدست فوق بعضها البعض على رف داخل غرفته، موضحاً أن "نسبة حالات الحروق الناجمة عن محاولات الانتحار سيجفل لها العالم إن أعلنتها وزارة الصحة".
ويؤكد أن "نسبة الحروق المتعمدة والانتحار تتجاوز 25 % من نسبة حالات الحروق التي يتلقاها المستشفى، وهي نسبة مرعبة مقارنة بالدول المجاورة ودول العالم".
وتشير أرقام تقديرية لمنظمة الأمم المتحدة لرعاية الأمومة والطفولة "اليونيسيف"، إلى أن "عدد الأيتام في العراق يقدر بأكثر من 5 ملايين و700 ألف طفل"، فيما أكدت دراسة أجرتها الأمم المتحدة ومراكز أبحاث أخرى أن "عدد الأرامل في العراق بلغ ثلاثة ملايين امرأة"، لكن يبدو أنه من الصعب إيراد أرقام دقيقة عن عدد الأرامل في البلاد، نتيجة ازدياد هذه الحالات وعدم تسجيل معظمها.
وتتم الإشارة بشكل مستمر إلى تزايد حالات الانتحار لدى النساء في مناطق سنجار (120 كلم غرب الموصل)، فضلاً عن قرى شمال الموصل، وحالات قليلة داخل المدينة.
ورصدت منظمة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي"، بالتعاون مع إحدى المنظمات الخيرية المحلية انتحار نحو 200 امرأة خلال أعوام 2010 و 2011 و2012، إضافة إلى حالات أخرى لم تسجل وبعضها عدّوها حوادث عرضية.