الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
وداعا للزميلـة العـزيزة ماركريت نعيم عسـكر
الأربعاء 31-12-1969
 

     نجمـة اخـرى تخطفـها السـماء من بيننا لتســكنها عاليا. هكذا اذا نـودع زميلتنا الغاليـة "ماركريت"  التي رحـلت عنـا قـبل ايام بعد عـمر مديـد قضته بحب الناس ومساعـدتهم ، بحب العراق وأهله  . 
عندما حطت قـدماها في هـذا المغترب ، كانت شـابة في عـقدهـا السـادس ، حماسـة في العمل والنشـاط ، ووضوح في الرؤيا والهـدف ، وكأن ســـني العمـر لامكان لها امام حيويتها وهـي تطير بين الحضـور مرحبة بهـذا وملـقـية التحية على ذاك . ومن عرفـها عن قـرب كان يعجـب لحرصها الشــديد في النشاطات ، واكثر ما كان يفرحهها ان يكون النشـاط متكاملا ، بلا ثغـرات وبلا نواقـص.وكانت تحتفـظ على ظهر قلبها بقائمة الزميلات والزملاء  وتلح بالسؤال عن الذين لايحضروا النشاط  ولا ترتاح الا عندما تعرف ان هناك سببا معقولا لعدم مجيئهم .عرفتها الكثير من العوائل الفقيرة وخاصة التي كانت حديثة العهد في  هذا البلد  . بلا ملل ولا تكلـف ، كانت تجمع الهدايا والمساعدات العينية من اعضـاء الاتحاد  ومن علاقاتها الخاصـة , وبصـمت كانت تأخذها لمن هم بأمس الحاجة لهـا ، وان صـادف ان تكون العائلة خارج البيت كانت تتركها امام الباب ، فهي تعرف انهم بحاجـة لها ..وايما فرح كان يملء قلبها وهـي تقوم بذلك .   لـم يكن ليضاهي حبها للفقراء الا حبهـا للوطن الذي منحـتـه احلى ســني حياتها ومنذ ان كانت شــابة  عندما تعلمت ابجـدية الحـياة في صـفوف " رابطة المرأة العراقية "  ، يومها صـارت للحرية والمساوات والتحرر والاســتقلال معنى في حياتها الجديدة ، تعلمت كيف تتخـلص مـن مراقبة الشرطة وتعلمت كيف تناصر المظلومين  . ومـنذ ان خطف الفاشـيون الوطن ، ضـاقت عليها الدنيا  ورحلت الى عالم الاغتراب  بعيدا عن انيابهم وعيونهم العمياء . ومع انها حطت على بعد آلاف الاميال  من وطنها الا انها اكتشــفت العراق من جديد يوم تعرفـت على الاتحاد الديمقراطي العراقي الذي سـرعان ما صـار لها بيتا  دافـئا  واعضـائه  كانوا لهـا العائلة التي افتقدتها،  ومنذ ذلك اليوم كان هـذا الالتحام الروحـي الذي لم تنفصـم عـراه .  في السنتان الاخيرتان ، اعتلت صـحـتها واخـذ منها المرض ما اخـذ ، حتى انتقلت الى دار العجـزة بغية تقديم العناية الصحية لها ، وما انقطعـت زيارة زميلاتها لها ، وما انفـكت تحدثهم عـن الوطن ، عـن الفقراء ، وعـن الشباب ...اكســبوا الشباب ، ضموهـم الى صفـوفكم ...هـم ســيكون عونكم وعمادكم في المســـتقبل ، الشباب ثم الشــباب.اما العراق ، فهذا الحمل الكبير ، تقـطعه الخلافات والاحقـاد والطائفية ، وتدمره قطعان الانتحاريين والارهابيين امام اعينها ، لقد خبرت الانظمة البائدة ، وشـهدت عصابات الحرس القومي ، وعاشت هزيمتهم ، وذات الشــئ مع جرذ العوجـة ، من فوق حصانه الابيض الى حفرتـه المشــهورة ...اذن ماذا تقولين يا ماركريت عن العراق ؟ ســينهزم القتلة لا محالة والنصر الاكيد للشـــعب كان هذا جوابها ، بلا مجاملة  وبلا كلام منمق ، انه حكم التأريخ كما تقول !  ســني العمـر والمرض ، اطبقا عليهـا ســريعا ، فتدهـورت صـحتها مما اضطر دار العجزة لنقلها الى المســتشــفى . متعبة كانت عـندما زرتها مع اقـرباء لـي ، متعبة . لكن ايما فـرحـة دخلت قلبها حينما ولجـنا غرفتها ، لم تقوى على تحيتنا ، لكنها تحدثت لنا بالاشـارات  ، كانت تعتب على المرض لانها لم تكن قادرة على خـدمتنا ، يا لها من انســانة .بالاشـارة تحدثت لنا ، فـهمنا القليل ، وامام تعجبنا كانت تؤشــر على لســانها ، فهـي  تدرك حديثنا  ولكنها  افهمتنا ان لســانها ثقيل ولا تقوى على الكلام ، ولهـذا استعاظت عـنه بالاشــارات . وامام مشـهد المرض الذي يتوحــد فيه عـناد الانســان وتشــبثه بالحياة ، كنا ننظر الى ماركريت  والحـيرة تأخذنا ، ياترى هل عرفتنا ؟ هل ان ذاكرتها تســاعدها على تمييز الاشــياء  ؟  فـمن ناحيتي كنت مطمئنا ، فقد عرفـتني حـق المعرفة ، وكيف لا ونحن زملاء جمعنا حـب الوطن والشــعب والعراق ، لكن السؤال بقى عالقا ، هـل عرفتنا ام ان الذاكرة صـارت تخونهـا . حينها، لمعت في ذهني فكرة خارقـة، فقـلت للضيوف معـي ، انتظروا ، انا سـأوجه لها كــلام ، ومنه تعرفـون  ان كانت ذاكرتها جيدة ام لا ، انتظـروا .... وقد قارب موعد انتهاء الزيارة وهـي لا تريدنا ان نغادر ...انتظروا اذن ..واقتربت ســاعة الامتحان ، ماركريت تنظر لنا وما زالت متعبة ، بينما انابيب المغذي تخترق جســمها النحيل  المغطـى بأثواب المسـتشـفيات والليل الثقيل على الابواب ، وما من زيارة بعد ان نغادرها  ...اقتربت منها اكثـر ، ووجهـت كـلامي لها  " مـاركريت ... ســنمـضي ، ســنمضي الى مـا نريــد " .  مـضـت لحظات  ومـاركريت تصـارع التعب والمرض وخـدر لســانها ، لحظات وهذا الجســد المتعب ينهض من محلـه  وصـوت واضـح ، صـافي ومســموع  ، قـوي ومدوي يجيبنـي  " وطـن حــر وشــعب ســعيد " . ســاعتها ايقن الجميع ان ماركريت لم تفقد شــيئا من ذاكرتها ، لم يقوى المرض على  النيل انملة  من حبها لهذا الوطن وشــعبه الغالي .هكذا كانت ماركريت ، صراع مع المرض ، جـســد متعب لثمانية عقود ، لكنها  حملت  قلب مفعم بالحب والخير لكل الناس ..كانت وبقـت وســتبقى مثالا للمرأة العراقية الطيبة والمناضلة .ترحـل الطيور وتترك لنا اعشــاشــها لتبقى  ذكرى طيبة ، ســيفـتقـدها كل مـن عـرفـها  وســمع لها وتعلق بها . 
  • الذكر الطيب للراحلة الزميلة العزيزة  "ماركريت نعـيم عسـكر "
  • عزائنا لزميلاتها وزملائهـا
  • عزائنا لأهـلهـا ومحبيهــا ، وســـتبقى ذكراها في القلب دائما .
 كمــال يلــدو/ الولايات المتحدة – مشـيكان
نيسـان 2006         

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي
رصد طائرات استمطار.. هل تسبب تلقيح السحب بفيضانات الإمارات؟
الأمم المتحدة: 19 ألف طفل يتيم بغزة بعد مقتل 6 آلاف أم
واشنطن وبغداد.. مواصلة البحث بشأن إنهاء مهمة قوات التحالف
على الرغم من الدعوات الدولية إلى ضبط النفس، إسرائيل تواصل التهديد وإيران تحذّر
السوداني يلتقي بايدن في البيت الأبيض
تقرير أميركي: 5 صواريخ إيرانية أصابت قاعدة "نيفاتيم" الإسرائيلية
التحالف الدولي أسقط 30 صاروخاً ومسيرة إيرانية في الأجواء العراقية
بعد الهجوم الإيراني.. مساع أميركية لاحتواء الرد الإسرائيلي
بينها عربية.. دول أقرت بالتصدي للهجوم الإيراني ضد "إسرائيل"
معضلة المياه مستمرة والموارد تحضر مذكرة تفاهم مع تركيا لحلها
الحرس الثوري يعلن قصف "اهداف مهمة للجيش الإسرائيلي"
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة