الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
لم يكن لانقلابيي تشرين على حكومة الحرس القومي أي طموحات أو منهج واضح
الأربعاء 18-12-2013
 
د. فائق بطي - جريدة الصباح

الصحفي والموسوعي والناشط السياسي د. فائق بطي:

حوار وتحرير: توفيق التميمي  الحلقة  5

حكومة شبه مسالمة

* الفترة ما بين الحرس القومي ومجيء البعثيين ثانية، اي فترة الأخوين العارفين؟ كيف تستذكرها الآن بما لم تروه في مذكراتك؟

-  قال  قادة انقلاب شباط 1963 من البعثيين والقوميين، بانهم جاؤوا من اجل تحقيق الوحدة العربية، واستبدلوا علم الجمهورية الفتية بعلم ثلاثي النجوم (مصر والعراق وسوريا)، فلم يحققوا تلك الوحدة الثلاثية المنشودة في نهاية الامر، بل شنوا حربا كلامية شعواء ضد عبد الناصر وضد سوريا. ثم جاء القوميون العرب والناصريون في انقلاب عبد السلام عارف في تشرين 1963 لاعلان الوحدة المفقودة، فلم يحققوها خلال خمس سنوات من حكمهم شبه المسالم والمستقر. وعاد البعثيون في انقلاب 17 – 30 تموز 1968، من اجل "الامة العربية الواحدة"، فلم تتحقق الوحدة بعد ثلاثين عاما من حكم صدام حسين التوليتاري.

ولم تكن للانقلابيين الجدد في حركة تشرين الانقلابية على حكومة وميليشيا الحرس القومي، اية طموحات او منهاج او حتى رؤى مستقبلية واضحة، اللهم الا ما ابتدعوه بعد فشلهم من فرض تنظيم (الاتحاد الاشتراكي) المشابه لما كان موجودا في مصر عبد الناصر، باطلاق شعار، من اجل تحقيق "الاشتراكية الرشيدةّ" في العراق.

كانت القوى السياسية في فترة حكم (العارفين)، عبد السلام وعبدالرحمن، تجمع صفوفها وتعد العدة لتسلم السلطة في اجواء من الامان والاستقرار النسبي التي اتسمت بها وحققتها حكومات النظام الضعيفة، التي بدورها، لم تعرف او تمارس العنف، بقدر ما كانت تحاول ان تضفي على حكمها، مظاهر شكلية لدولة القانون والتآخي الوطني، وكانت قد نجحت في بسط تلك المظاهر الى حد كبير، حيث ادى تساهلها فيما بعد، الى نجاح انقلاب 1968 ضد السلطة، سلميا.

فقد حاول الحزب الشيوعي العراقي التحرك لتسلم السلطة وفق خطة (العمل الحاسم) العام 1967 وبتحضيرات وتهيئة باحكام شبه تام، لولا ان توقف كل شيء دون سابق انذار، لسبب لا يزال يجهله حتى الآن كل من حاول الاشتراك فيه، الذي ادى الى حدوث انشقاق في صفوف الحزب، وتشكيل "القيادة المركزية" بقيادة عزيز الحاج.  كما اجرى حزب البعث تمارين في الذكرى الاولى لانتكاسة حرب 5 حزيران مع اسرائيل العام 1968 عندما خرج بمظاهرات اخترقت شارع الرشيد، يقودها احمد حسن البكر، وبعدها باربعين يوما فقط، ينفذ الحزب انقلاب 17 تموز بالتعاون مع عبد الرزاق النايف وضباط "اصدقاء" رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف المنتشرين في قطعات الحرس الجمهوري، من دون اطلاق رصاصة واحدة.

مقدمات في حرب الصحافة

*  ما بعد انقلاب تموز كان عملك في التآخي  وجريدة الطليعة لنقابة الصحفيين ومن ثم العمل في طريق الشعب يعد من التجارب المهمة ليس على مستوى الصحافة المهنية بل مهمة في  كواليس  وقائعها التي شهدت على حقيقة ما كان يجري على سطح السياسة مباشرة  في مرحلة ما بعد 17 تموز 1968؟

- من المفروض أن يكون العمل في وسائل اعلام اية دولة، هو محاولة، او مجرد محاولة، لكشف الحقيقة وفق معايير حرية الكلمة وشرف المهنة، دون الخضوع الى قوانين تحد من هذه الحرية او حق الاعلامي في الحصول على المعلومات من مصادرها، وهذا ما كانت تفتقده صحافتنا العراقية طيلة تاريخها الطويل الممتد الى اكثر من مائة واربعين عاما، الا في فترات قصيرة جدا.

فبعد اتفاق 11 اذار بين القيادة الكردية وحكومة البعث وعندما تسلمت مسؤولية سكرتارية التحرير في جريدة (التآخي) لسان حال الحزب الديمقراطي الكردستاني، وكان رئيس تحريرها المغدور الشهيد دارا توفيق، تمتعت بكامل الحرية في اختيار المحررين، واعادة تبويبها، ومنحي صلاحيات الصرف لما تتطلبه ضرورات العمل، بحيث ارتفع عدد مبيعاتها الى 25 الف نسخة يوميا، وهو رقم قياسي  في تعداد مبيعات الصحف في تلك الفترة.

كان الحزب الديمقراطي الكردستاني قد عقد ائتلافا مع حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في اعقاب صدور بيان 11 اذار العام 1970  المتعلق بمنح الكرد الحكم الذاتي لمنطقة كردستان العراق. ووجدت نفسي تجاه هذا القرار، ملزما، بل، وملتزما،  لاسناد هذا الاتفاق، والتثقيف به، ضمن سياسة الحزب المعلنة، في الوقت نفسه الذي كنت فيه واثقا، بان منح هذه الحقوق شيء في الظاهر المعلن، وبين تطبيقها العملي، انطلاقا من سياسة البعث الشوفينية، التي جاء بها بعد ميشيل عفلق، مفكرهم كلوفيس مقصود، بدعوته الصريحة لصهر القوميات الأخرى في البلدان العربية بوحدانية القومية العربية.

تحذير

كنت في كتاباتي ومناقشاتي مع المرحومين الشهيد دارا توفيق والشهيد سامي عبد الرحمن، بصفته المسؤول عن سياسة الجريدة منتدبا عن المكتب السياسي للحزب، تتمحور حول خطورة الانسياق الكامل وراء الحزب الحاكم، الذي بدأ محاولاته لتخريب العلاقات التاريخية بين البارتي والحزب الشيوعي العراقي، وهو ما حدث بالفعل، اعلاميا، ليوجه بعد وقت قصير جدا، البعثيون سلاحهم الى "حلفائهم" في الحزب الديمقراطي الكردستاني، متناسين ما حدث بعد تعاونهم في انقلاب شباط 1963. كما رفضت طلب المرحوم سامي عبدالرحمن، باللجوء عند تحرير المواد والاقتباس من الصحف ووكالات الانباء، الى التوازن فيما يتعلق بالموقف بين دول الغرب، وسياسات الانظمة الاشتراكية، مبررا ذلك، بمواقف تلك الدول المبدئية من القضية الكردية، وكان سببا في تركي العمل بالجريدة.

في نقابة الصحفيين البعثية

وعندما كنت نائبا لرئيس تحرير جريدة نقابة الصحفيين العراقيين (الطليعة) عامي 1971 - 1972، وكان البعثي آنذاك سعد قاسم حمودي، نقيبا للصحفيين، وفخري كريم نائبا للنقيب، ممثلا للحزب الشيوعي العراقي، وقبل ان تعقد الجبهة بين البعث والحزب الشيوعي، وقعت بين كماشتين: الاولى، مسؤولية تحرير الجريدة كلسان حال النقابة والحفاظ على حياديتها بين سياسة الحزب الحاكم، و"المعارضين" في كونه الحزب القائد كما يريدها النقيب البعثي. والكماشة الثانية، تتعلق بضغوطات فخري كريم لمنع اية مادة او مقال ينص على ان البعث هو الحزب القائد، وهي السياسة التي كان يطبقها البعث على الارض، ويقوم بتصفية من يعارض ذلك، كما حدث لبعض اعضاء اللجنة المركزية الذين جرى اغتيالهم في شوارع العاصمة. وهنا، وجدت نفسي أتقدم باستقالتي من تحمل تبعات هذه اللعبة.

اما فيما يتعلق بعملي في جريدة الحزب الشيوعي العراقي (طريق الشعب) للمدة (1973 – 1978)، فلا اضيف شيئا الى ما قلته في (الوجدان)، سوى ان اعيد الى الاذهان، بان القيادة التاريخية للحزب، مسؤولة عن كل ما جرى من احداث ادت الى اسوأ وضع سياسي في العراق خلال السنوات 1973 – 1979 اي من تاريخ التحالف الكسيح مع البعث، حتى رفع الحزب شعار اسقاط النظام الدكتاتوري وتلاحم الانصار مع بيشمركة الاحزاب الكردية في جبال كردستان.

تحالفات وجبهات

* تبشيراتك بحل الائتلاف بين القوى الديمقراطية والحزبية لاتنفك تبشر به بمقالاتك وافتتاحياتك  منذ العهد الملكي  وتواصلت بها ؟ ولكن الغريب بالامر انك تتشبث به حتى بعد نجاح انقلاب 17 تموز الذي واصل قطار الانقلاب الشباطي المشؤوم وجاء بجلاديه الذين اصبحوا وزاء وقناصل في الحكومة الجديدة...... انت واحد من ضحايا نكسة شباط ؟ ماالذي يجعلك وانت الصحفي اليساري الديمقراطي تأمل خيرا من الدعوة الى جبهة ائتلافية حتى مع بعثيي سلطة 17 تموز ؟هل هي البراءة السياسية والطهارة الانسانية المبدئية؟ هل هو تضليل ايديولوجي يعمي البصيرة عن رؤية الواقع وملابساته كما هو؟ هل هي خدعة مزمنة يتعرض لها الديمقراطيون العراقيون منذ بدايات تاريخنا المعاصر  حتى يومنا هذا . ام ماذا ؟

- كانت الدعوة الى قيام جبهة وطنية بالعراق، في مقدمة اهداف الحزب الشيوعي العراقي، خصوصا بعد رفع الشعار الذي اطلقه مؤسس الحزب يوسف سلمان (فهد) منذ نهاية اربعينيات القرن المنصرم ونشر في بيانات الحزب وفي كل المناسبات، الذي اتخذ شكل توصية لاعضاء واصدقاء الحزب، نص على: "قووا تنظيم حزبكم.. قووا تنظيم الحركة الوطنية"، وهو ما سعت الى تحقيقه قيادات الحزب، سواء اثناء قيادة فهد للحزب قبل اعدامه في شباط 1949، او في فترة قيادة الشهيد سلام عادل للحزب، وهو ما حصل عند تشكيل جبهة الاتحاد الوطني العام 1957، القاعدة التي قامت عليها ثورة الرابع عشر من تموز بعد سنة وثلاثة اشهر، وبالتنسيق مع ضباط الجبهة  داخل القوات المسلحة.

لقد كنت في تلك السنة التي عقدت فيها جبهة الاتحاد الوطني، طالبا في القاهرة، واستبشرنا خيرا، فاحتضناها، وساهمنا في حملات التبشير بها في لقاءاتنا مع الطلبة والمثقفين المصريين والعرب، ونشرنا بياناتها ونشاطاتها في الصحف المصرية وفي اذاعة صوت العرب، وسارعنا الى ادخال طالبين من البعثيين هما: بشارسربست ومحمد رضا الجابري، (الوحيدان بين العراقيين) في الهيئة الادارية لرابطة الطلبة العراقيين في القاهرة، حيث كنت سكرتيرا لها.

والعكس حصل، حين انفرطت الجبهة بعد اشهر معدودة من انتصار ثورة تموز، وما تبع ذلك من احتراب بين قوى الجبهة، اتخذ في الكثير من احداثه، طابع العنف والاغتيال والتآمر، اي بين الكتل الديمقراطية والتجمع القومي العروبي من حزبي البعث وحركة القوميين والناصريين، الذي قاد بعد ثلاث سنوات الى اغتيال الثورة، ووقوع المجازر الوحشية ضد الشعب العراقي من العرب والكرد.

اتفاقات هشة ووعود كاذبة

اما تجربة الجبهة التي تشكلت بعد انقلاب تموز 1968، فقد اتخذت شكل اتفاق ثنائي بين طرفين، بدأ اولا بين البعث والحزب الديمقراطي الكردستاني بعد صدور بيان 11 اذار1970، الذي لم يدم سوى ثلاث سنوات، والثاني، كان بين البعث والحزب الشيوعي العراقي، مع العلم باني لم اكن من المؤيدين لذلك الاتفاق، او "الجبهة" كما اراد تسميتها البعثيون، لقناعتي بان ما حصل مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، سوف يتكرر مع الحزب الشيوعي. وبالفعل، انفرط "العقد" المشوه في منتصف العام 1979 وادى بعد هذه التجربتين، الى ان يلتحم الحزبان، الكردستاني والشيوعي، في جبهة كفاح مسلح لاسقاط النظام الدكتاتوري.

وفي مرحلة الكفاح المسلح هذا في مناطق وجبال كردستان العراق، عقدت في خارج الوطن اكثر من جبهة بين الاحزاب السياسية الوطنية المعارضة لنظام صدام حسين، الاولى كانت باسم "الجبهة الوطنية الديمقراطية" (جود)، والثانية اتخذت اسم (جوقد) – الجبهة الوطنية القومية الديمقراطية -  بين الاحزاب العراقية (العربية والكردية والاشورية والاقليات الاخرى)، مهدت بعد عشر سنوات الى تشكيل تجمع وطني معارض تحت واجهة (لجنة العمل الوطني المشترك)، الذي كنت فيها عضوا ضمن 19 شخصية يمثلون أحزاب وقوى المعارضة خارج الوطن، حيث نجحنا في عقد اول مؤتمر واسع لمختلف فصائل وقوى المعارضة في مدينة بيروت، اثناء احداث انتفاضة اذار المجيدة العام 1991.

لقد تمخضت كل تلك الاتفاقات السابقة، خارج الوطن، عن لقاءات تمهيدية في دمشق ولندن وصلاح الدين في كردستان العراق، مهدت بدورها الطريق للمشاركة لاحقا في إدارة شؤون البلاد بعد سقوط النظام الدكتاتوري "مجلس الحكم" على يد الاحتلال الاميركي، (وكنت قبل هذا التغيير اعارض الحرب) ولو ان هذه المشاركة كانت لفترة ليست طويلة، قبل ان تتحول تلك الاتفاقات او الجبهات المؤقتة، الى تكتلات واتفاقات داخل التيار الواحد، كالتيار الاسلامي او التيار الكردستاني، وغياب التحالف او الاتفاق بين اطراف التيار الديمقراطي مع الاسف. وتسأل انت بعد كل هذا: هل (الجبهات) هي تضليل ايديولوجي، ام خدعة مزمنة تعرض او يتعرض لها الديمقراطيون في العراق؟ فاقول لك: لا والف لا، فانا اليوم من المؤيدين للم شمل قوى التيار الديمقراطي، اسوة بقوى التيارات الاخرى، من اجل انجاح تجربة الديمقراطية في العراق الجديد.

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
مراسم "طواف كرجال" عند الإيزيديين في دهوك
ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
اتفاق بين العراق وتركيا.. تخصيص عادل ومنصف للمياه العابرة للحدود
أردوغان يعلن نقطة تحول في العلاقات مع العراق ومباحثات واتفاقات تخص العماليين والمياه
العراق وتركيا وقطر والإمارات.. توقيع مذكرة تفاهم رباعية للتعاون بـ"طريق التنمية"
زيارته الأولى منذ 13 عاما.. ماذا يحمل إردوغان في جعبته للعراق؟
الفصائل تتمرد على الحكومة وعلى تفاهمات واشنطن: يدانا ليست مكبلة بالأوامر الرسمية !
يوم الأرض العالمي، 22 نيسان 2024
شقيقة الباحثة الإسرائيلية المختطفة بالعراق "تهاجم" السوداني في واشنطن
انتصار نقابي تاريخي لموظفي فولكسفاغن في الولايات المتحدة، ونقطة تحول تزيد من رهانات الانتخابات في ألاباما
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي
رصد طائرات استمطار.. هل تسبب تلقيح السحب بفيضانات الإمارات؟
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة