النون على البيبان
خروجُهم من البيوتِ
بلا مفاتيحَ
بلا بوصَلة
بلا كلام
ثيابهم العريضة
تغطّي أنفاسَهم المحصورة
المرتعشة
كأضواءِ القناديل..
العرباتُ، كم هي ثقيلةٌ العربات!
تحملهم بأحزانهم،
تحملُ السمواتِ على أكتافهم،
أطيافَ مَن أُخِذوا جانباً،
والنظراتِ الأخيرة…
تحمل رعشاتِ الوليد، يجفلُ من هزة العجلات،
تحملُ حقيبةً مدرسيّة:
الحروب الملوّنة في كتاب التاريخ
الأطلس المصنوع مما يتذكّرون
الأرقام وهي تتضاعفُ كأحمالِ العربات…
النون على البيبان
قوس قزح
تجرَّدَ من ألوانهِ
ونقطةٌ
في الأعالي
مثل الهٍ وحيد
لن يعكسَ القمرُ
كلَّ ما حملوا
وماتركوا…
يتناقصُ،
مثلهم،
القمرُ
غداً ستدورُ الأرضُ بحقولهم،
بأوراقٍ متناثرة كأنّما أنكرتْها الشجرة.
ستدورُ الأرضُ بدكاكينهم
لتصليح الوقت والانتيكات والحقائب.
سيتناثرُ الغبارُ عن أشيائهم العتيقة،
وعن شيئ جديد لايستطيعون إصلاحَه،
جالسٍ على صُدورِهم كالغروب…
غداً سيلمّون ماتبقى:
طيناً عالقاً بالأحذية
عيدانَ طائرةٍ ورقيّة،
دبابيسَ وأزراراً متفرّقة،
نجمةً بعيدة في العتمة.
غداً سيصنعون وطناً من القش
وممّا تبقّى…
النونُ
حضنً
في الجبل.
كل حبةٍ ناقوسً
يرنُّ بلا نهاية…
إلى أينَ سيحملهم الرنينُ؟
كم منهم سينجو
ليعود يوماً
ويرى صورَ مَن ماتوا
على الحيطان؟
كم بنتاً ستكبرُ
في الطرقات
فيصغرُ عليها ثوبُها القديمُ
مثلما تصغرُ البلادُ
خلف ظهورِ المغادرين…
النونُ
والقلمُ
وآثارُ الأقدام
والشمسُ المتأخرةُ
وظلالُهم المتكوّرة
على جدارِ الكهفِ…
تعِبَ سيزيفُ
فتركَ لنا صخرتَهُ
وحين جاءَ دوري
توقفتُ
لأسألَ عن أبي
هل طلعَ من جوفِ الحوت؟
هل تركَ فراشَه وهو مريض؟
هل ماتَ من العطش؟
فتحت الصخرةُ فمَها:
“لم أرَ أباكِ منذ عشرين سنة… ومَن أنتِ؟”
أنا الطفلةُ التي ركضتْ
تبحثُ عمّن طالَ غيابُهم
صرختْ بهم أن يظهروا
وإلا ستتوقفُ عن لعبة الاستخباء
أنا الغريبةُ التي نسيتْ
أن تطفىء النارَ
والآن عادتْ تلمُّ الريشَ المبعثرَ
في الرماد
رأتْ فجأةً تجاعيدَها على الخريطة
بنظرة واحدة الى الوراء.
أنا القريةُ على سفح التل
تركوا أبوابيَ مفتوحةً
ورحلوا
لم يربطوا أحذيتَهم
ولم ترتفعْ عجينةً في تنورٍ هذا المساء…
لا أحدَ
تحتَ
الشمس
نون
نونا
ناي
نايً لمريم الصغيرة
صنعتْ من ورق الشجر
نعلاً ترتديهِ
في الكَرَفان
ناي لخُديدة
لم يدفن عائلتَهُ
جامدً دامعً: جليد في منتصفِ ذوبانهِ
وصورُهم بيديهِ
نايً للطفلِ
لايعرفون اسمَه
ولا أين أهلُهُ
نظرتهُ الهادئة
برقً
استراحَ
في الأجفان
ناي للأمِّ
أي طفل تخلّص أولاً؟
كانت قد غنّتْ
لكل واحدٍ منهم
التهويدةَ نفسَها
عند المنام
نايً لأهلنا الذين سقطوا
قبلَ ثمارِهم
نائمون
والعشبُ حولهم ينمو
بلا ذاكرة
مثلما ينمو
في أي مكان.