الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
غسان كنفاني بين القبعة والاغتراب النفسي
الثلاثاء 17-03-2015
 
المدى

فاتن حسين ناجي

ان الاغتراب النفسي هو انتقال الصراع بين الذات والموضوع (الآخر) من الواقع الخارجي الى النفس الإنسانية ولعل ذلك يخلق اضطراباً في العلاقة التي تهدف الى التوفيق بين الفرد وبين الواقع وابعاده ،فالشخص المغترب هو شخص فقد اتصاله بنفسه وبالاخرين، وهذه الحالة يصاحبها الكثير من الأعراض التي تتمثل في العزلة والانعزال والتمرد والرفض والانسحاب والخضوع ،اي ان الاغتراب عن الذات هو شعور الفرد بان ذاته ليست واقعية هو شعور بعدم التفاعل بين الفرد والاخرين ونقص المودة ،والألفة مع الآخرين ،وندرة التعاطف والمشاركة وضعف أواصر المحبة والروابط الاجتماعية مع الاخرين. وهذا نجده واضحا متجليا في مسرحية القبعة و النبي لغسان كنفاني أنجز كنفاني كتابة هذه المسرحية في بدايات عام 1967. غيران "القبعة و النبي" لم تعرف طريقها الى النشر الا عام 1973،اي بعد استشهاد غسان كنفاني بحوالي تسعة اشهر. اذ نشرت، للمرة الاولى، في مجلة "شؤون فلسطينية" نيسان عام1973. وهي محاولة كنفاني المسرحية الثانية بعد "الباب" وسوف نلاحظ هنا هاجسا مسرحيا تشكليا ،يقوم على لعبة قفص الاتهام الذي يتحرك ليضم المتهم مرة والقضاة في مرة ثانية، وقد يمتد ليشمل جمهور شخصية المتهم التي تقابلها دراميا شخصية الشيء ولربما المسمى للشخصيات هو اغتراب بالدرجة الأساس

“القبعة والنبي” تدخل في مساحة الرمز فتعالج فكرة التناقض والتعارض من أوسع أبوابه ،تبين مجموعة من الأشياء والقيم والحالات المتشابكة في سياق خلطة خارجة عن المألوف، تحمل سمات الواقع المعايش والمتخيل بآن واحد ،تدور محاورها في ثلاثة مشاهد رئيسة تعالج مشكلة الحرية في لبسها “كنفاني” أثواباً رمزية مسرحية تعمد غسان إظهارها وكأنها لوحة في كل مرة يسلط الضوء على زاوية منها، بدءاً من المتهم والشرطي والقضاة والشيء، ذلك الشيء الذي يتهم المتهم بقتله وظلال متهم يبرئ نفسه من تلك التهمة حتى نالها لكن هلا يريد الخروج للعالم حتى أنه اتهم نفسه بالإلحاد، المسرحية تصور كيف أن الإنسان من الممكن أن يكون غريبا مغتربا في دنياه:

المتهم::: كل الناس. كل شيء. يهددني. الغربة والوحشة والوحدة. المرض والشقاء. الشقاء الذي لا ينتهي وفرص السعادة التي لا نستطيع أن نملأها. العمل والبطالة. الانتظار والوصول. الانكسار .الفشل. طعم الانتصار التافه. القلق. نداء الرحيل الذي لا يستجاب. الخيبة. غياب الشمس وغياب الصديق وغياب الدهشة. الموت..يا إلهي! أن نراه قريباً إلى هذا الحد وأن ننتظره ليل نهار..

المتهم: أنت صحو فتجد أن كلما تفعل شيئاً وأن ليس ما تستطيع أن تفعله. أن تتذكر فجأة أن لحظة ما في الماضي كانت في وقتها كل شيء بالنسبة لك و إنها الآن مثل معلبات اللحم المفرغة والمقلوبة على قفاها..أن..

وكيف أن الإنسان في وسط أحزانه دئما ما تكون له القدرة على استجلاب أبسط الأشياء التي يراها جميلة من وجهة نظره:

المتهم: ( غاضباً) لا تغرري بي. أنت لا تعرفين كيف تشرق الشمس مع هذا الشيء وكيف تتوهج خدود الأطفال وكيف تضحي المرأة سعادة حقيقية. لا تعرفين كيف يصير للهواء طعما للذة وكيف يصير بوسعي أن أمسك الضوء بيدي وأتعلق به كما يتعلق الطفل بالغصن.. أجربت عمرك أن تسمعي الموسيقى معه؟ أنت تتفرجي على الألوان؟ أن ترقصي؟ أن تنامي؟ أن تأكلي؟ أن تصهلي في الحقول وعلى رمال الشواطئ؟ أن تكوني صديقة أو حبيبة أوطفلة؟ أو تناضلي في سبيل طمس الألم ؟أن تبني دنيا من العواطف؟ أن تبعدي جدران هذا العالم المزدحم عن بعضها وتمدي الهواء في ما بينها؟ أن تسافري من أقصى الأرض إلى أقصاها في لحظة واحدة؟ و قبل ذلك كله: أن تكوني حقيقة ولو مرة واحدة في عمرك؟

وان الحب هو الاخر يشكله اغتراب نفسي جديد عندما حاول النمو والنضوج وتاتي اشياء خارجية تجعله يعود ادراجه ليختبيء داخل الرمال دافنا نفسه بينا لا فالضحايا التي لم تمت لكسل احل لدفاع عن اماله او التي كانت ترتجي من الحب ان يكون سلاحاً لكنها تجده يجثو معها فوق نفس الرمال:

المتهم: ( بانكسار ) هذه هي الجريمة أيها السادة.. لقد هجرتني السيدة.. هل هناك ما هو أكثر رعبا في حياة إنسان كان يخبئ الحب في جيبه كسلاح خير للدفاع عن نفسه؟

حاول غسان كنفاني في هذه المسرحية ان يؤكد على ان الوطن هو الغربة بحد ذاتها اذا كان يرفض أبنائه وان الفرد لا يجد بدا من ان يغترب عن كل ما يحيط به عندما يجد نفسه ضائعا بين الألوف مختبئا بين ملايين يرفضهم الواقع ويرفضون انفسهم ويندرجون ضمن لائحة المهمشين المدانين في كل الأزمات والمحاسبين على أشياء ليس لها مسمى سوى الشيء ولعل غسان كنفاني عندما اطلق اسما لـ(الشيء )على الضحية كان يرمي بها الى ان المواطن عندما يريد منه مواطنوه ان يدينوه بفعل إجرامي سوف يفعلون وان لم تكن هناك ضحية وان لم تكن هناك جريمة والمتهم مدان وان لم تثبت إدانته في فعل او في فرد والقبعة ماهي سوى ستار وغطاء يحاول الجميع الهروب نحوها واليها هروبا من واقعهم الخارجي وغربتهم الداخلية.

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
الاحتباس الحراري وتأثيره على سرعة دوران الارض
الربط الكهربائي الأردني- العراقي يدخل الخدمة السبت المقبل
سفن حربية روسية تدخل على خط البحر الأحمر
المندلاوي يدعو الشركات الصينية لاستثمارات طويل الأجل وتعاون مستدام في العراق
أزمة تعليمية حادة تهدد أطفال العراق بـ"مستقبل قاتم"
جاء بطائرة ليتسلم البراءة ويسافر.. تفاصيل الغاء حكم الإعدام بحق ضابط متهم بقتل الهاشمي
منتخب العراق يواصل مشواره في تصفيات المونديال بنجاح
البطريركية الكلدانية في العراق تلغي الاحتفال بعيد القيامة احتجاجا على "إبعاد ساكو"
طلب رسمي لحجب "تيك توك" في العراق.. وأرقام جديدة للمواقع الإباحية
مجلس الأمن يوافق على مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة
الاتحاد الديمقراطي العراقي يشارك في احتفالات نوروز
"المحيبس" يضيع في قبضة النساء.. السيدات يقتحمن اللعبة الرمضانية الأكثر شعبية في العراق
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة