فجأة ومن دون تخطيط مسبق قررت السفر الى البصرة فقد شدني الحنين اليها والى ما عرفناه من طيبة اهلها. ومع ذلك لم امكث فيها غير ساعات قليلة منذ ان حط بي قطار بغداد - البصرة الى محطة الشعيبة في الساعة الخامسة فجراً لاعود بسيارة اجرة في العاشرة صباحاً بعد ان شاهدت ما يؤلم حيث انعدام الخدمات ومظاهر البؤس برغم امتلاك هذه المحافظة كل مقومات النهضة والتقدم التي لم تستثمر بشكلها الصحيح ما دعا الكثير من اهلها الى المطالبة بتحويلها الى إقليم.

ملاحظات تسجل مستوى التطور البطيء جداً في قطاع السكك الحديدية الذي بدأ مشواره عام 1869عند انشاء اول خط حديدي لعربات الترام (Tram) حين استخدمت الخيول لجر العربات (الكاري) ثم وضع حجر الاساس للسكك الحديد في 27/7/1912 وبعدها تسيير اول قطار بين بغداد وسميجة الدجيل عام 1914 وتسيير اول قطار بين بغداد والبصرة 1920..تاريخ طويل من الاحداث ربما انتهى عام 1936 حينما جرت مفاوضات بين الحكومة البريطانية والحكومة العراقية لنقل ملكية السكك إلى العراق فتم الاتفاق على ان تدفع الحكومة العراقية مبلغ (400) الف دينار مقابل ذلك وأصبح اسمها (سكك حديد الحكومة العراقية) وربطت بوزارة المواصلات والاشغال وتمت المصادقة على الاتفاقية يوم 16 نيسان عام 1936.

واليوم نحن نسمع عن قطارات حديثة في العالم تصل سرعاتها الى ما يزيد عن الـ 160كيلو مترا في الساعة وربما اكثر، لنتعرف على واقع عمل الشركة العامة للسكك الحديد العراقية وابرز مشاريعها لمواكبة التطور الحاصل في شبكات نقل السكك عالمياً ..

محطة بغداد والبداية

وانت تحجز مقعدك في القطار لابد ان تحضر صباحاً اذا كنت تريد حجز مقصورة منام لان الطلب عليها كثير برغم ان سعر منام الشخص الواحد (30) الف دينار، اما في العربات السياحية فيمكن الحجز في الخامسة عصراً ولك ان تنتظر في المحطة لحين موعد انطلاق القطار في السابعة مساءً. في المحطة تتوفر اكثر الخدمات الضرورية كالحمامات وهي نظيفة برغم قدم بنائها، كما ان هنالك اماكن جلوس حديثة غير ان المحطة تخلو من مطعم او كافتيريا تفكر الشركة بانشائها مستقبلاً لتكون في خدمة المسافرين.

الشيء اللطيف وجود ادلاء يرشدون المسافر على مكانه المثبت في بطاقة الحجز. صعدنا الى القطار الصيني (DMJ) الحديث وهو من ضمن (12) قطارا استوردتها الشركة ويتميز بمواصفات عالمية وبسرعة 100 الى 120 كم في الساعة وتحتوي تشكيلته على عربات منام درجة اولى وثانية وعربات سياحية ايضاً درجة اولى وثانية وعربة مطعم لتقديم الوجبات السريعة كما يتميز بتوفر الخدمات الحديثة من تبريد وتدفئة وجهاز تلفاز.

الشرطة، والأجرة المناسبة

كان معي في عربة المنام ثلاثة اشخاص عرفت من خلال الحديث معهم انهم من موظفي وزارة التربية وهم موفدون الى البصرة وقد ابدوا ارتياحهم غير انهم اشاروا الى ان سعر المنام البالغ ثلاثين الف دينار للراكب مرتفع نسبياً وهو تقريباً بنفس اسعار المركبات التي تؤمن لك الوصول اسرع وعند استفساري عن سبب تفضيلهم القطار قالوا انه اكثر راحة من السيارة كما يمكن ان تنام فيه براحة. بعد ان شربنا الشاي كان لابد من جولة في عربات القطار وبالتحديد السياحية التي كانت تبدو خالية الا من مسافر او بالكثير عائلة او عائلتين فالتقيت بالمواطن (محمد علي كاظم) وهو عسكري يلتحق بوحدته بعد انتهاء اجازته فقال: هذه السفرة الـ (12) او اكثر التي اسافر فيها بالقطار وعادة ما تكون هذه العربات السياحية شبه فارغة الا في ايام الخميس والجمعة والعطل حيث تكون كل المقاعد مشغولة تقريباً. مضيفا: انا افضل القطار كوسيلة نقل لعدة اسباب منها كونه اكثر امانا من غيره اضافة لتوفر مجالات الراحة افضل من السيارة كما ان وقت وصوله في الخامسة فجراً مناسب جداً لنا نحن العسكريين حيث يكون لنا متسع من الوقت للوصول الى وحداتنا العسكرية مبكرين.

اما الحاجة (ام وئام) وهي من سكنة بغداد حالياً وجاءت الى البصرة مع عدد من افراد عائلتها لانجاز معاملتهم في دوائر الجنسية فقالت: الاجرة لصاحب العائلة في العربات السياحية مناسبة جداً لكنها تمنت لو ان وقت وصول القطار الى البصرة في السادسة او السابعة لانها تخجل من تكليف احد معارفها او اقاربها باستقبالها في هذا الوقت ما يعني انها وبحسب ما ذكرت ستضطر الى قضاء كل الوقت في مطعم لحين ان تفتح الدوائر ابوابها لاستقبال المراجعين مشيرة الى ان حداثة القطار لم تخلصهم من المطبات على بعض خطوط السكة الطويلة.

واجمع عدد اخر من المواطنين ومنهم السادة علي عبد القادر ومهند طالب وسامي تحسين الى تحسن نسبي في عمل السكك الحديد خاصة بعد تسييرهم هذه القطارات الحديثة في اواسط السنة الماضية متمنين ان تشهد تطورات اكبر في المستقبل تتناسب وامكانات العراق وتاريخ عمل هذه الشركة العريق. وانتقدوا سلوكيات البعض في القطار ممن لايحترمون كونهم في واسطة نقل عامة ما يضطر عناصر الشرطة المكلفين بالحماية الى التدخل وبشكل قانوني ومؤدب.

اذاعة القطار والمحطة

في عربة سياحية اخرى كانت هنالك مجموعة من الشباب يتناولون وجبة عشاء (دجاج مشوي) في العربة وهو ما دعا مفتش الشركة الى تنبيههم بضرورة الحفاظ على نظافة العربة ووضع الفضلات بعد الانتهاء من وجبتهم في اكياس حفاظاً على النظافة. في حين كان بامكانهم استثمار وجود عربة الطعام وهي ليست بالبعيدة. الملاحظة التي لفتت انتباهنا هي عدم استثمار الشركة للاذاعة الموجودة في القطار للاعلان عن الوصول الى المحطات التي يصل اليها القطار وربما يمكن من خلال هذه الاذاعة التعريف بالمحافظة ولو بشكل مختصر كجزء من التثقيف السياحي كما يمكن استغلالها لتنبيه المسافرين لانتهاء الرحلة بدلاً من استخدام طريقة دق ابواب عربات المنام وفي العربات السياحية الاخرى!!

العدّاد والمخصصات والتقاعد

كان لابد ان نضع هذه الملاحظات امام المسؤولين في الشركة العامة للسكك الحديد حيث التقينا اولاً بمدير قسم النقل والتشغيل (طالب جواد كاظم) الذي قال: نحترم اراء المواطنين وهي نصب اعيننا لاننا شركة يهمها تلبية احتياجاتهم وتقديم افضل الخدمات للمواطن ونعتقد ان الاسعار نسبياً مناسبة خاصة واننا ينبغي ان نأخذ بالاعتبار الربح والجدوى الاقتصادية لتسيير القطارات في مواعيدها من دون ان نرهق كاهل المواطن. مبينا: هنالك من يجد وقت وصول القطار في الخامسة مبكراً جداً وهنالك من يراه مناسباً كما اننا نضع في الاعتبار احتمالات الطوارئ التي قد تحدث في الطريق وربما تسبب تأخيره ساعة او اكثر.

واضاف كاظم : هنالك دراسات لامكانية تسيير قطار صباحاً حيث تتوفر القطارات سواء الحديثة التي لم ندخل للخدمة منها سوى اربعة لحد الان من مجموع (12)، لكن علينا ان ننظر لعدد المسافرين والطلب الفعلي للمسار النهاري اضافة الى الجدوى الاقتصادية كما اشرت وهي مهمة كما تعرف لديمومة العمل في الشركة وتطويره. وفيما يتعلق بالاذاعة ذكر طالب : تم عقد اجتماع مع الملاكات الفنية وهيئة السير المرافقة للقطارات وتم التوجيه ومناقشة ضرورة استخدام الاذاعة لتنبيه المسافرين بالوصول الى المحطات التي يتوقف عندها القطار لغرض التهيؤ للنزول وعدم تأخر انطلاق القطار باوقاته المحددة حيث كما تعرفون فان بعض المواطنين يغادرون في الديوانية او السماوة او غيرهما علماً اننا سيرنا قبل ايام قطار الديوانية الذي ينطلق من بغداد في الرابعة عصراً ويغادر الديوانية في الخامسة والنصف فجراً ما يوفر خدمة كبيرة للطلبة والموظفين بشكل خاص.

وعن ابرز معاناة الشركة خاصة منتسيها حيث لاحظنا لافتة عند الباب الرئيسة لمحطة بغداد تطالب بمحاسبة البعض من المسؤولين الذين اتهموهم بالتلاعب بمخصصات سائقي القطارات اوضح مدير النقل والتشغيل ان هنالك نظام العداد الكيلومتري في احتساب المخصصات للسواق ما يصعب التلاعب به ونحن قلوبنا مفتوحة لمناقشة مشكلاتهم وايجاد المعالجات لها. وعن خطة الشركة للحفاظ على ملاكاتها الفنية من خلال توفير محفزات تشجيعية اجاب مدير النقل والتشغيل باننا بصراحة نعاني في الفترة الاخيرة من طلبات البعض للاحالة على التقاعد بعد التحسينات على الراتب التقاعدي وفق القانون الجديد للتقاعد . بالمقابل لايوجد تعويض والاختصاصات محدودة وقد بادرت وزارة النقل بمفاتحة مجلس الوزراء لاستحداث درجات فنية وتشغيلية للسكك، كما نسعى لتطوير معهد السكك وهو عريق وفتح دورت فنية لخريجي الاعدادية.

مطبات سكة الحديد؟!

اما مدير قسم المشاريع محمد علي هاشم فقد حدثنا عن سبب المطبات وقال: تزامناً مع التعاقد على القطارات الحديثة تم انشاء خط سكة حديد وبحسب الموصفات العالمية وبحديد نوعية Uic 60 غير ان المشكلة الكبيرة هي في المعابر غير النظامية التي تقارب الـ 250 والتي تشكل عائقاً كبيراً امام سير القطارات وما تسببه احياناً من حوادث وخسائر في الممتلكات والارواح وهنالك اعمام من مجلس الوزراء دائرة المتابعة والتسيق منذ 2011 وجه من خلاله المحافظات كافة منع انشاء ممرات تعابر غير نظامية لتأثيرها على موازنة وعمل الشركة العامة للسكك الحديد وهو ما نأمل الالتزام به. مشيراً الى ان الشركة تعتمد نظام السيطرة الحديث (الشبكة التلقائية) لنظام الاشارات الضوئية بدلاً من القديم والنظام الجديد يؤمن سيطرة متكاملة على مجمل حركة القطارات الصاعدة والنازلة من خلال متابعة سيرها عبر الاقمار الصناعية.

خطوط جديدة

واضاف هاشم: الوزارة شكلت لجنة لدراسة العروض التي قدمتها شركات فرنسية وصينية وتركية لتطوير قطاع السكك والشركة الدائرة الوحيدة التي انجزت كل مخططاتها لكن التخصصيات المالية خاصة في المرحلة الحالية تعيق تنفيذها ونامل العمل ببعضها من خلال اسلوب الدفع الاجل علماً انه تم تنفيذ بعض المشاريع الداخلية مثل مشروع قطار مسيب - كربلاء المقدسة وهنالك مشاريع خط السكة الدائري حول مدينة بغداد وخط سكة بغداد الكوت العمارة ناصرية بصرة ومشروع خط سكة بغداد بعقوبة كركوك اربيل موصل وخط موصل زاخو تركيا وهنالك مشاريع مستقبلية لمد شبكة السكك من العراق لتصل ايران من منفذي البصرة وخانقين والى سوريا من منقذي ربيعة وحصيبة والى الاردن من منفذ طريبيل والى الكويت والخليج العربي والسعودية من صفوان.