الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
الفنان التشكيلي العراقي حنّوش: حركة اللون في (خيوط النور)
السبت 23-05-2015
 
المدى

في معرضه الجديد ، يسعى الفنان التشكيلي العراقي المعروف حنوش، المقيم في إسبانيا منذ نهاية السبعينات، للتركيز على واحدة من سمات لوحته الفنية وهي المزج بين العناصر الشعورية والرؤية المتقابلة ما بين الشرق والغرب. والمعرض الجديد (خيوط النور) الذي عرض لوحاته في العاصمة البريطانية لندن في صالة (قطان) التي تعنى بالشؤون الثقافية للشرق الأوسط والعالم العربي، ويعود اليوم ليقدمه في العاصمة الإسبانية مدريد عبر احتفالية مهمة يقيمها (البيت العربي) بمرافقة نشاطات نقدية يسطرها فنانون ونقاد عرب وإسبان. أن الفنان حنوش (مولود في مدينة الكوفة عام 1958)، يعد واحداً من أهم الفنانين الأجانب في إسبانيا، وحاز اسماً وشهرة ركزت عليه انتباه واهتمام النقد والنقاد وكتبت عنه وعن فنه الدراسات المختلفة. وحازت أغلب أعماله على جوائز مهمة داخل وخارج إسبانيا وسبق أن عرضت أعماله في متاحف وصالات عرض عالمية وشاركت في مهرجانات دولية أخرى. درس حنوش الفنون الجميلة في بلده العراق وأكمل تكوينه وتأهيله في أوروبا (إسبانيا على وجه التحديد) من خلال اهتمامه بالفلاسفة الاغريق مثل أرسطو وافلاطون وبالفلاسفة العرب مثل ابن العربي، فضلاً عن فلاسفة معاصرين آخرين، أسهموا في إعداد وصقل أعمال الفنية بمستوى فكري عالِ وغني بالإيماءات الفلسفية. ومعرضه الأخير هذا يعد الأول لعام 2014 من ضمن سلسلة معارض فردية وجماعية إبتدأها بصورة فاعلة منذ عام 1985. تلقى حنوش خلال مسيرته الفنية الطويلة تأثيرات متنوعة من أصول و تجارب وتفاعل مع الثقافة الغربية تمثلت في استعمال جمع الايقونات الفنية والأصوات الموسيقى والألوان والأشكال الهندسية لنشأة فنية بلغة تتواصل وتتفاعل في فضاءات ومجالات بشكل مكثف، هي بحد ذاتها تمثل شكلاً له أبعاد وترتيب تميل إلى تحقيق نتائج وفق مفاهيم هندسية تسمح له بتفسير الحقيقة المحددة. ومن خلال امتزاج الخطوط مع بقع اللون تأخذ الجمالية شدتها بالظهور وبانسجام يسهم في ايجاد حوار لتلاقي تقاليد متناقضة من زوايا نظر عدة لخلق مجال فني خاص. في مقال يتناول فيه آخر ما أنجزه الفنان حنوش، يكتب الناقد والمعماري الإسباني المعروف نافارو بالدوينغ موجزاً بشكل بليغ رؤيته عنه قائلاً: " تتعايش في أعمال حنوش التشكيلية تلك القدرة على المزج ما بين التجريد و التشخيص الفني. إذ نلاحظ في الهيئات المرسومة عملية توزيع منتخبة فوق عمق ماص لها، وكأننا ازاء تشظية مقصودة فوق إطار مكاني يشبه لحد بعيد عملية ترتيب قطع متناثرة لإتمام تواجدها.. لقد عمل على واقع سطح اللوحة وضمن عملية تعايش ممكنة خلط بين السطح التجريدي و كل تلك الصبغة التشخيصية بعناصرها الممتدة و السرية منها، بشكل سمح لخيوطها المتعددة أن تتضافر مع بعضها البعض، كما لو كانا صوتين متحاورين و متفاعلين، يتمازجان بصخب أو حتى بكل الطاقة الممكنة للصمت المطبق.. إن الواقع الذي يداور هذه الأعمال الفنية هو أكبر بكثير مما تحوي به اللوحات للوهلة الأولى.".في مجمل أعمال معرضه الجديد (خيوط النور) ينطلق فيها فناننا من تصور خاص لمفردة أرسطو القائلة بأن "الغرض من الفن هو تجسيد الجوهر السري للأشياء وليس استنساخ أشكالها" وهو ينظر إلى الجمالية كفكرة موحدة ومتكاملة بشكل منسجم تتفوق على الطبيعة والمادة من خلال العمل الفني. لذا يوسع مدارك لوحته و ألوانه في هذه التجربة الروحية و يبذل جهداً للحصول على المعرفة بعمق، إذ لاتقتصر العلاقة المتينة بين العمل الفني ومبدعه على نهاية العمل، وانما تشمل عملية انجازه بكاملها. يضم المعرض مجموعة منتخبة من آخر أعماله التشكيلية وبأحجام مختلفة والتي تتضمن بشكل رئيسي تلك العلاقة الفنية والإنسانية ما بين المدينة والبشر، البشر والكائنات الأخرى في تقاطع متجذر ما بين الرغبة في اللقاء والهرب من الخطوة القادمة. وفيها يضيف حنوش، مع ما عرضه في العامين الأخيرين (خاصة معرضه المتميز "رؤى متقابلة" عام 2010) من تشكيلات تمظهرية وجمالية تؤرقه كفنان ليمنحها بعدها اللوني والشكلي عبر اللوحة، مركزاً على هيئة المدن كهياكل بنائية وما تضمه في دواخلها من هيئات ومساحات فارغة وممتلئة، فإنه في لوحات هذا المعرض (خيوط النور) يسهم في إبراز تلك الوحدة التأطيرية للهياكل البنائية، ونعني بها الهيئات البشرية المرافقة لها، المؤججة لحضورها و القائمة على حيز ركيزتها الأساس. في اللوحات الجديدة لا يبرز الشخصية كحالة مجردة من الإنتماء للحيز في اللوحة، بقدر ما يرغب في اللعب والبحث عن تفريغ معاصر للحركة الإنسانية عبر تلاقياتها المتعددة وفي أطوار تجاربها الإنسانية المعاشة بكل لحظاتها اليومية وتفاصيلها الدقيقة، كما هي عليه اللوحات المتميزة التي تبرز لقاءات مختلفة ما بين الرجل والمرأة في أوضاع متقابلة ومعيشية تخرجها من وضعيتها المعتادة و حيزها الغرائبي.في "خيوط النور"، يُظهر الفنان بصواب اهتمامه المتزايد بالشعر العربي والأوروبي الذي لايكلُ في قراءته، خاصة للشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي. يقول حنوش: "أن البياتي منحني حرية واسعة لتمثيل الشعر في فضاء يشهد حدوث أمور عدة في آن واحد. فالفضاء والزمن يتداخلان، والخط واللون يعملان سوية. كذلك الحال مع الذاكرة وذكريات الطفولة في بلاد الرافدين. وتشكل صور الحيوانات والأشخاص الذين يعرفهم، جزءاً من نفس الفضاء الزمني التصويري-الروائي". ينقل الفنان في معرض لوحات (خيوط النور) رؤيته اللونية التشكيلية لما تركته الإنطباعات الشعرية لقصائد إبن بلده الشاعر الراحل عبدالوهاب البياتي (بغداد 1926 ـ دمشق 1999). وهي قراءة استدراكية، ذهنية، متشعبة، لا تقف عند النص كمحور رئيسي لسطح اللوحة، بل تتعداه لآفاق ولمحات و خلفيات متراكمة على مدى سنين طوال. لقد وجد الفنان (وسيجد المطلع على لوحات حنوش بكل تأكيد) من خلال سيل أبيات قصائد البياتي، الشكل المؤطر لحركة اللون والشخوص المتناثرة على مساحات متعددة. (الخيط النوري) إن جاز التعبير، ليس خيطاً (بياتياً) وحيداً وإن كان المؤثر الأساس، بل هو مجمل العين الجامعة للجمال الشعري، في كل القراءات السابقة والتـأثيرات الممكنة، سواء منها تلك التأثيرات الشرقية كمنهل أصل أو الغربية كمنهل تلاقحي مكتسب.لا يهتم حنوش بالعمل الفني الذي يفتقد إلى مضمون جوهري ـ كما يكتب الناقد ألبرتو بالوميرو ـ فهو يرى أن الفن أعمق من شكله المادي، لأن ما وراء كل شيء مادي هناك شيء جوهري. كما أن الجوانب المتعلقة بالمفهوم والأفكار تشكل أهمية بالغة لكي يكون للفن مسار صحيح. وضمن هذه الرؤية تكتسب الحقيقة أهمية بالغة بالنسبة لحنوش. ولفهم ذلك ليس هناك أفضل ما يؤكده الرسام خوان غريس قائلاً: "إن الرسام الذي يرسم على قنينة زجاجية شكلاً ما، لايمكن اعتباره رساماً إذا اهتم فقط في التعبير عن الشكل الذي يرسمه". يثبت هذا القول بدقة المفهوم الذي ينتهجه الرسام حنوش في أعماله الفنية، وتأكيده على أن النظرية يجب أن تسبق التطبيق. لوحات المعرض وإن تباينت في الأحجام إلا أنه هناك عالم متكامل من الرؤى والألوان والأشكال الهندسية والهيئات البشرية الغائبة الملامح والمتجسدة قصداً، شخوص و مجسمات غائمة، تشكيلات بشرية وحيوانية وأشياء متناثرة، كلها تشكل صلب اللوحة وإن تتخطاها إلى افق فهم اوسع من مجرد عرض محدد لواقع معين. الأشكال الهندسية والألوان المتفرقة تمنح هالة لونية مغايرة للعب على التواجد أو عدمه، وهي مهمة الفنان بالدرجة الأساس، إذ كيف يمكن إستلهام الموضوعة الرئيسية لقصائد دون أن تجترح ذواتها وعلاقة الفنان السرية بها.

يجب أن لا ننسى أيضاً تلك العلاقة التعاشقية المتينة ما بين فضائي كل من الشاعر البياتي والفنان حنوش، ونقصد بها تلك الإشارات المكانية المغلفة للعملين، ونعني بها إسبانيا ومدنها وشخوصها المشتركة. لقد عاش البياتي في إسبانيا لأكثر من عشرة أعوام قضى جلها في مدريد، وهي المدينة المؤثرة ومركز عمل الفنان حنوش ومكان إقامته حتى اليوم. كما أن الشاعر والفنان قد التقيا شخصياً في الثمانينات من القرن الماضي في مدريد تحديداً، ومدريد المكان ـ الإشارة الدالة للتلاقي ولو بعد أعوام طوال، تبقى الرمز السري المهيمن على عملي الفنان والشاعر. إن حنوش في أكثر من مرة قد أكد عبر هذه الأعمال وغيرها بأن ما يهمه بالشعر أساساً وبقصائد البياتي تحديداً هي تلك الحركية الموحية في كثير من الأحيان باللون وتشكيلاته، ومنها ما جعله يستلهمها وفق تصوره الفني مازجاً إياها بكل إرثه و فهمه الشخصي ومزاجه المهيمن. صورة تقارب وليست صورة نقل وتجسيد مطابق للصورة الشعرية البياتية، وهذا هو جل النجاح الممكن لحضور الفنان في لوحاته.

إن حنوش في أعماله هذه إنما يسعى لتجسيد علاقته بالبشر وتفاصيلهم اليومية وإن كانت تجيء على سطح اللوحة بصورة عفوية، لأن الأساس في الدفع والتجسيد لديه على سطح اللوحة هو اللون وتموجاته وقوة الحركة الخطية، ولكنه يعتاد في كل مرة على الحضور الشاسع للمجسدات في تناغم أشبه بالرؤى الصوفية المحركة للوحة نفسها وتفجيراتها اللونية.

إن مرجعية معرض حنوش الأخير وإن كانت استلهاماً مباشراً من أجواء وعوالم البياتي، خاصة تلك التي لها علاقة مباشرة مع إسبانيا، مع البشر ومع التجوال الروحي للنفس في دواخلها الدفينة، إلا أنها على أية حال إعادة اعتبار لمضمون اللون والحركة في اللوحة الفنية دون الإخلال من علاقته بالواقع المتجذر للفرد في مجتمعه. نقلة متميزة و تقدير متمكن لإختزال الرؤية ضمن حيزها الشعري وكذلك لإيجاد أدوات ممكنة لاستيعاب الأبعاد البشرية في حراكها الدائم و معاركها الروحية الصاخبة. (خيوط النور) خطوة جديدة لفنان متجذر مع الإشراقة الفنية والتجديد الدائم.

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
الاحتباس الحراري وتأثيره على سرعة دوران الارض
الربط الكهربائي الأردني- العراقي يدخل الخدمة السبت المقبل
سفن حربية روسية تدخل على خط البحر الأحمر
المندلاوي يدعو الشركات الصينية لاستثمارات طويل الأجل وتعاون مستدام في العراق
أزمة تعليمية حادة تهدد أطفال العراق بـ"مستقبل قاتم"
جاء بطائرة ليتسلم البراءة ويسافر.. تفاصيل الغاء حكم الإعدام بحق ضابط متهم بقتل الهاشمي
منتخب العراق يواصل مشواره في تصفيات المونديال بنجاح
البطريركية الكلدانية في العراق تلغي الاحتفال بعيد القيامة احتجاجا على "إبعاد ساكو"
طلب رسمي لحجب "تيك توك" في العراق.. وأرقام جديدة للمواقع الإباحية
مجلس الأمن يوافق على مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة
الاتحاد الديمقراطي العراقي يشارك في احتفالات نوروز
"المحيبس" يضيع في قبضة النساء.. السيدات يقتحمن اللعبة الرمضانية الأكثر شعبية في العراق
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة