الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
مدينة بـابـل الأثريــة..حاضرة في وجـدان التاريخ غـائبة عـن ضمير الحاضر
الثلاثاء 20-10-2015
 
تحقيق / عماد محمد/ المدى

لا يخفى على أحد ماذا يعني اسم المدينة التاريخية في بابل؟ فما زالت هذه  المدينة تعيش في وجدان التراث العالمي وهي تطلق العنان لأول قانون عرفته الإنسانية  صنع لهذه الحياة شكلاً آخراً، وتصنع من نفسها مسرحاً لأهم الأحداث التاريخية التي دونتها كتب التاريخ والدين والقانون حتى أخذت هذه المدينة تكتسب تسميات عديدة تعبر عن ثقافة هذا الشعب او ذاك. ومن بين تلك التسميات (قبلة العالم، مولد الإنسانية) ومما زاد من اهمية هذه المدينة انها لا تمثل تاريخ العراق فقط ، بل ان هناك العديد من الحضارات قد مرت عليها وكذلك ارتبط اسمها بالعديد من الديانات السماوية وذُكرت في مختلف كتب السماء كالتوراة والإنجيل والتلمود والقرآن ما أضاف إليها أهمية كبرى حتى صارت وبحسب متخصصين جزءاً أساسياً من مكونات وأُطـر الغريزة المعرفية لدى المثقف العالمي.

ومع كل ذلك وفي الوقت الذي كان يتوجب ان تتحول فيه هذه المدينة الى صرح سياحي ومعماري يستقطب السياح من مختلف أرجاء العالم، بدت المدينة التاريخية على العكس من ذلك أشبه بمدينة أشباح مهجورة عارية من معانيها التراثية ومفتقدة لأدنى مقومات الخدمة والاهتمام لتخسر اسمها في أعين السياح وتخسر معها المحافظة مورداً اقتصاديا كان يتكفل لا بتغيير شكلها بالكامل وإنما يقدم خدمات اكبر وأكثر للبابليين خصوصاً وزوار المحافظة عموماً.

بابل حضارة تعني العالم أجمع !

الموسوعي والباحث الاجتماعي محمد رزاق مهاوش ذكر في حديثه لـ(المدى): كنت اتصور ان المدينة التاريخية في بابل لا تتجاوز بمعانيها الحضارية ولا يتعدى مفهومها اُطر التاريخ وإنها تشبه الى حدٍ مطلق الحضارات العالمية المعروفة كالحضارة الفرعونية في مصر، مضيفا: إلا أنني وجدت ومن خلال اطلاعاتي على مختلف الديانات والثقافات الاخرى ومن خلال اتصالاتي المستمرة مع المهتمين والمتخصصين بالشأن التراثي لاسيما الأجانب منهم اكتشفت ان هذه المدينة هي قبلة العالم كما مكة المكرمة هي قبلة المسلمين وأورشليم كما تسمى هي قبلة لليهود .

واضاف مهاوش: تسمى هذه المدينة في الثقافة الآسيوية الشرقية مثلا بأنها (قبلة الله) موضحا: ان هناك العديد من النصوص والارواح المتعلقة بهذه المدينة موجودة لغاية الآن في كتب الدين والتاريخ في كل من كمبوديا والفلبين وتايلاند وماليزيا وحتى اليابان حيث ما زال العالم الشرقي يتعبد بالاماكن الأثرية وان أبراجهم الموجودة في المعابد الكبيرة تلامس وتواصل الحضارة البابلية وخاصة في الابراج والزقورات .

كما أوضح الباحث والموسوعي: ان هناك العديد من الاحداث الضخمة جدا في هذه المدينة قد ذكرت في التوراة والتلمود ليخلق هذا التداخل التاريخي والديني حالة من الترابط الكبير بين الحضارة البابلية ومختلف حضارات العالم.. وبخصوص آليات الترويج السياحي لهذه المدينة قال مهاوش: علينا معرفة الآليات التي يتم من خلالها توظيف الأحداث التي شهدتها هذه المدينة بالطريقة التي تمكننا من جذب العقل الغربي باسلوب عاطفي دراماتيكي يأخذ بنظر الحسبان معاني العقل والعاطفة والعقل الملموس الذي يلامس الحروف المكتوبة والقصص الواقعية ونقلها بصورة حضارية تعمل على تجديد مفهوم القبلة في وجدان الادب والتراث العالمي.

غارقة في المشاكل

مدير الادارة في دائرة آثار بابل كاظم حسين استعرض لـ(المدى) جملة المشاكل التي تعاني منها المدينة التاريخية وفي مقدمتها المشكلة المالية التي تعد العائق الاول امام اهل الاختصاص في الهيئة العامة للاستثمار والآثار والتراث والتي تحول دون القيام في اعمال التنقيب والتأهيل، مشيرا الى افتقار المدينة لأبسط مقومات النجاح الجاذب للسياح كالخدمات العامة والمتمثلة بالمطاعم وامكان الاستراحة والمرافق الصحية، مبينا: ان المشكلة المالية القت بظلالها على جميع اعمال الصيانة والترميم ومعالجة المشاكل الطارئة التي كان أبرزها انهيار أجزاء كبيرة من سور بابل الخارجي اضافة الى ظهور الحدائق المحيطة بالمدينة التاريخية بصورة غير لائقة، بسبب قلة الموظفين والمزارعين لتأهيل الحدائق وكذلك غياب امكانية حل التجاوزات وتعويض اصحاب الاراضي.

حوادث مرورية

من جانب آخر أشار حسين الى وجود مشكلة لا تقل من حيث التأثير على نظيراتها من المشاكل الأخرى ألا وهي مشكلة الطريق الضيق المؤدي الى المدينة الذي تسبب بالعديد من الحوادث المرورية، متابعا: ان المطالبات العديدة التي رفعت الى محافظ بابل السابق محمد المسعودي لم تلقَ صدى لدى الحكومة المحلية عبر الاستجابة بتوسيع الطريق، منوهاً: ان المدينة التاريخية تدفع ضريبة الخلاف بين دائرة الآثار والحكومة المحلية !.

المتحف والآثــار

وبشأن المنتج السياحي وعائديته ذكر مدير الإدارة في دائرة آثار بابل: ما زال الخلاف قائماً بين دائرة الآثار من جهة وديوان المحافظة من جهة اخرى حول عائدية المنتجع علما انه يقع ضمن حدود المدينة الأثرية ما تسبب ذلك بمشاكل جمة ألقت بظلالها على الوضع العام للمدينة. وعن غلق المتحف أوضح: ان غلقه أفقد المدينة أهم مواردها الاقتصادية وتسبب بأضرار مالية كثيرة باعتبار ان المتحف مظهر سياحي جاذب للسياح، علماً ان جميع اللقى الأثرية السابقة والحالية تم ايداعها في الهيئة العامة للآثار والتراث في بغداد في الوقت الذي كان يتوجب فيه ان تبقى جميع القطع الأثرية داخل المدينة التاريخية.

شخصيات عالميه مرَّت على بابل

المدرب البرازيلي زيكو: منذ اللحظة الأولى التي تمت دعوتي فيها لتولي مهمة تدريب المنتخب العراقي راودني حلم رؤية المدينة التاريخية في بابل التي كانت المحطة الأهم والأجمل بالنسبة لي وأنا ازور العراق وأتولى مهمة التدريب فيه.

السفير البرطاني في العراق: أنا سعيد جدا برؤية بابل فهذا الاسم يعني الكثير بالنسبة لي كما دفعني حب العمل في هذه المدينة الى خلق حالة من التوأمة العلمية والعمرانية بين الحكومة البرطانية وحكومة بابــل. مستشارة الرئيس الكوري الجنوبي: لا يمكن ان اصف سعادتي وانا ازور هذه المدينة التي تعد من اهم مدن العالم لما تمتلكه من قيمة تاريخية وسياحية لا تضاهى. ونحن مستعدون للعمل هنا وخلق مناخ عمراني وسياحي فريد من نوعه يجمع بين التكنولوجيا الكورية والحضارة البابلية. البروفيسور الألماني أدولف: أتمنى ان يفسح المجال لنا للعمل في هذه المحافظة لنخلق منها شكلا جديدا يناسب مع حجمها التاريخي وثقلها العالمي وان لبابل صدى معرفيا كبيرا في كل أرجاء العالم.

الأهالي يستغربون ويطالبون

المواطن سليم حسين قال لـ(المدى): كل شخص في هذا العالم يتمنى ان يعيش في مدينة تمتلك هذه القيمة التاريخية لأنها ستتحول بديهياً الى قبلة عالمية للسياح وستشكل مورداً اقتصادياً هائلا.المواطنة يسرى عبدالرحمن ذكرت لـ(المدى): ان تجاهل الحكومات المحلية السابقة والحالية لهذه المدينة وتركها بهذه الحال يُثير جانبا كبيرا من الاستغراب فلا يُعقل ان تبقى المدينة التاريخية بهذه الصورة غير اللائقة !

فيما أوضح المواطن عمار علي كاظم: لو تم استثمار هذه المدينة بالطريقة التي تتناسب وحجمها التاريخي لأصبحت مورداً اقتصاديا يضاهي حتى الثروة النفطية، داعيا: المعنيين في الحكومتين المركزية والمحلية الى استيعاب حجم الفائدة المادية والثقافية التي ستقدمها هذه المدينة للعراق عند استغلالها بصورة علمية.

فيما تمنت المواطنة زينب مهدي لـ(لمدى): ان تملك سلطة المسؤول وتمسك بزمام القرار في هذه المحافظة لصنعت منها حسب تعبيرها صرحاً عالمياً يجلب ملايين السياح سنويا ولجعلتها موطناً للخبراء وأهل الاختصاص .

اما المواطنة آمنة يوسف فقالت: ان رؤيتي للأهرامات في مصر وسور الصين العظيم وغيرها من الاماكن الأثرية في مختلف أصقاع العالم التي تحولت الى كعبة يطوف من حولها السياح جعلتني اُقارن بينها وبين بابل لكن تلك المقارنة تركت ألماً كبيرا في قلبي.

الميــاه الجوفية

سبق وأن أعلن خبير الآثار الفرنسي تييري غراندين أن أهم مشكلة تواجه المدينة الأثرية تتمثل في ارتفاع نسبة المياه الجوفية والرطوبة التي غيّرت الكثير من معالم المدينة، ناهيك عن ما قام به النظام السابق من بناء حديث لا يتناسب مع البناء القديم لمدينة بابل. بهذا الشأن أعــدَّ التدريسي في قسم الهندسة المدنية في كلية الهندسة بجامعة بابل الدكتور كاظم نايف الطائي دراسة علمية للسيطرة على مستوى المياه الجوفية في مدينة بابل الأثرية بهدف الحفاظ عليها من دون أن تتأثر مبانيها بهذه المياه.وأوضح الدكتور الطائي أن الآلية التي اعتمدها تتضمن استخدام سدود حاجزة تُحفر بأعماق معينة وتُملأ بالطين النقي لمنع تسرب المياه الى المنطقة الأثرية وكذلك حفر آبار عــدة بعمق( 45 م) يتم توزيعها حول المنطقة الأثرية لغرض السيطرة على مستوى المياه الجوفية وجعله غير مؤثر على المنطقة الأثرية، مضيفا: انه تم نشر بحوث اخرى تتناول طريقة معالجة مياه المبازل واستخدامها لأغراض الري وذلك لقلة مصادر المياه الصالحة للري في مناطق كثيرة من العراق وبسبب قلة الأمطار اتجهنا الى معالجة مياه المبازل واستخدامها لأغراض الري. وأكــد الطائي: ان اعتماد هذه الآلية سيؤدي بشكل فاعل الى المحافظة بشكل كبير على المدينة الأثرية التي تواجه مخاطر المياه الجوفية، منوهاً الى انه نشر هذه الدراسة تحت عنوان (الإدارة الآمنة لمستوى المياه الجوفية في موقع بابل الأثري باستخدام السدود الأرضية) في المجلة العالمية للهندسة المدنية والتكنولوجيا التي تصدر في الهنـــد.

أنبوب النفـط

منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم (اليونسكو)، قد طالبت برفع الأنبوب النفطي الناقل عبر آثار بابل. وذكرت المنظمة أن الأنبوب النفطي الذي أنشأته وزارة النفط في وقت سابق، قد هدد مشروع إدراج مدينة بابل، ضمن لائحة التراث العالمي، مشيراً أن اليونسكو قد أرسلت برقيات بهذا الخصوص إلى رئاستي الوزراء والجمهورية.وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو زارت موقع بابل الأثري في وقت سابق، وأعدت خطة وقدمت دراسة لتحليل التربة وإنقاذ المواقع التي تدهورت.

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
مراسم "طواف كرجال" عند الإيزيديين في دهوك
ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
اتفاق بين العراق وتركيا.. تخصيص عادل ومنصف للمياه العابرة للحدود
أردوغان يعلن نقطة تحول في العلاقات مع العراق ومباحثات واتفاقات تخص العماليين والمياه
العراق وتركيا وقطر والإمارات.. توقيع مذكرة تفاهم رباعية للتعاون بـ"طريق التنمية"
زيارته الأولى منذ 13 عاما.. ماذا يحمل إردوغان في جعبته للعراق؟
الفصائل تتمرد على الحكومة وعلى تفاهمات واشنطن: يدانا ليست مكبلة بالأوامر الرسمية !
يوم الأرض العالمي، 22 نيسان 2024
شقيقة الباحثة الإسرائيلية المختطفة بالعراق "تهاجم" السوداني في واشنطن
انتصار نقابي تاريخي لموظفي فولكسفاغن في الولايات المتحدة، ونقطة تحول تزيد من رهانات الانتخابات في ألاباما
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي
رصد طائرات استمطار.. هل تسبب تلقيح السحب بفيضانات الإمارات؟
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة