الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
الشاعر والروائي علي لفتة سعيد: كتبت أجرأ رواية عن الدكتاتور ولجمالها تربّعت على مسابقة دولية مهمّة
الإثنين 22-05-2017
 
المدى

حسّه المرهف جعل منه شاعراً ليس ككل شعراء جيله، وخياله الخصب جعله روائياً مختلفاً عمن سبقه على صعيد بنية النص، وفكاهته الفارطة اظهرته ناقداً ساخراً من كل ما حوله. لم يأل جهداً في سبيل البحث عن الجذور ولم يمنعه التوغل معها من الاستطالة ومواصلة السير  صعوداً.. ومن بين  ركام  التناقضات  الكثيرة  والتجارب المريرة.نهض صحفياً يكتب عن هموم شعبه وجراحات وطنه بحذق ومهارة فائقتين ولم تحل دون طموحه  مواسم الاسطرلاب وتحولاته الفجائية  بل مضى في  طريقه فاتحاً.. إنه الشاعر والروائي الناقد والصحفي علي لفتة سعيد الذي اغرانا تعدد مواهبه  للدخول  الى عالمه الخاص والخروج منه بهذا الحوار:

*باختزال شديد.. من علي لفتة سعيد؟

 هو طفل بعمر الخامسة والخمسين.. هو الذي ولد كبيراً ليتعلم من يتمه المبكر برحيل أمه التي لم ير وجهها وغابت عنه حتى صورة صغيرة لوجهها.. هو الفتى الذي كان يرافق أباه إلى المدرسة كعامل ويترك أقرانه في ملاعب المدينة وعينه على الحلم.. هو كل نقائض العمر والبلاد لأنها حمّلته ما لا طاقة له فيها فحوّل العوز الى نشيد من الحروف.. هو ابن الفقير لفتة الذي كان أجمل فتى في المدينة فأخذته الصراعات في البحث عن الأصل فانتبذ مكانه في سوق الشيوخ ليعلن من هناك إمارة زيجاته المتعددة.. هو الطفل الذي وجد في الحرف ملاذاً لكي يحوّل الحزن إلى جمال وربما.. لولا الحرف وما تلاه من مران وموهبة لكان علي ميتاَ أو مجنوناَ.

*متى نسجت خيوط فجرك النثري والشعري؟

 منذ أن حطت أقدامي على بلاطات المكتبة العامة في سوق الشيوخ.. الصدفة وحدها قادتني إلى هناك.. مأخوذاً بما يقوله الشعراء في المدينة وما يتحدثون عنه في سجالاتهم الشعرية التي كنت أسمعها فرأيتهم يدخلون إلى المكتبة وهناك وجدت ضالتي.. الدخول الأول هو الانبهار والتوحد والانغماس والبحث عن قشة التحول من حالة اليتم والعيش في مرامي الضنك والوقت.. الفقير الذي لا لسان له سوى أن ينبسط في روحه ويتمدد فيقتل كل هاجس يريد الانعتاق من ربقة  الحياة الحزينة.. هناك بين كتب المكتبة والصمت الرهيب الذي كان عليه القرّاء جعلني الله أرمي سرّي هنا.. الحبل السرّي وصل الى المكتبة بعد أن رماه أبي في نهر الفرات قد وصل الى المكتبة التي تتنفس هواء موجاته حيث تقبع قبالة النهر.. قرأت الشعر والقصص وروايات ولم افهم منها شيئاً.. كنت في السادس الابتدائي ولم أبلغ بعد مرحلة المتوسطة.. لتبدأ بعدها رحلة التكوين والرؤية والتبصر والبصيرة في النص.. اقرأ ما يحلو لي من عناوين فتارة نقداً وتارة رواية وانا ابن مدينة الشعر وحولي شعراء يتسابقون في القوافي كأنهم يحفظون الدنيا ولا ينسون بيتاً.. كنت منبهراً في  عالم الحرف ولم أنتبه إلى جنس الكتابة فكنت اقرأ واكتب ما يدور في الخلد والخاطر حتى نشرت أول نصّ لي في جريدة الراصد وأنا لم إنهِ المتوسطة.. لتستمر بعدها رحلة الجمال مع الحرف.

*مخطوطاتك النقدية توزّعت بين اشتغالاتك الثلاثة.. هل جاءت بجديد؟

 نعم جاءت بجديد.. النقد كان مرافقاً لي في القراءات الأولى في المكتبة العامة.. وكان النقد وسيلتي لمعرفة الاشياء وحقيقة انتظامها في الأدب والحياة.. لذا كنت اكتب النقد. ما ان انتقلت من مرحلة الدراسة الى مرحلة الحرب في ثمانينيات القرن الماضي.. ولكني توقفت لأني لا أريد المشابهة والتشابه مع من سبقوني في النقد خاصة واني لا أحمل شهادة أكاديمية في الأدب أو النقد وأمامي جمهرة رائعة من النقاد الذين لو قالوا حرفاً لانبت الحرف كتباً وتوسعت المعارف.. لذا اجترحت في كتاباتي النقدية ما أطلقت عليه (بنية الكتابة) إذ وجدت إن أغلب المقالات النقدية التي كنت اقرأها تتعلق بالفكرة وما هو دورها وماذا يناقش الكاتب في نصه وكيف تدور الحكاية واثر الحبكة والثيمة وغيرها وتساءلت.. ألا يوجد بناء للنص؟ ومن هنا كان البحث عن مسارب ضوء لتسليطه على هذا الاجتراح فتكوّنت لديّ رؤية خاصة مفادها إن كلّ نص مكتوب له ستة مستويات سردية بدأت بتطبيقها على النصوص التي تناولتها نقدياً سواء في الرواية أو القصة أو الشعر فكانت الحصيلة ثلاث مخطوطات أبحث عن دار نشر لطباعتها لأن المال الذي أخصصه للنشر مرهون للروايات والقصص والشعر.

*لماذا مواسم الاسطرلاب؟

 هذه الرواية إنهاك عقلي وضرب في اعصاب الوقت والخوف من تالي الانتهاء منها.. المواسم اخذت مني تسع سنوات من الكتابة التي بدأت بسؤال.. من يصنع الدكتاتور؟ كنا نعيش في وسط مزدحم بالخوف والموت والرعب والحروب ونحن نصفق ونهتف كأنما نستجدي الحياة.. ولكن كيف السبيل لإنتاج رواية تجيب على هذا السؤال.. فكانت مواسم الاسطرلاب التي أعدها الرواية التي تحكي كل شيء دون أن تشير الى أي شيء وعلى القارئ ان يفهم وهو يفهم.. والمواسم تعني التحول من فصل الى فصل مع الحكم والسلطة التي تعبث بنا وتحولنا الى مسالك لها ومهالك من أجلها.. مواسم الاسطرلاب الرواية التي ليس فيها اسم لمكان او لشخصية او لزمن محدد لكنها مفهومة للقارئ الذي سيعي إنه المعني بصناعة الدكتاتور ومن أقصده في الرواية.. حتى أن خبيرها في الشؤون الثقافية كان أكثر خوفاً مني حين وصفها بالقصة وقال انها لا تذكر اسم الدكتاتور ولا المدينة ولا الدولة ولا القارة التي ينتمي اليها لذا فاقترح عندم الموافقة على القصة.. وهذا الأمر تكرر معي حين قدمتها  للطبع على حسابي الخاص لأحصل على موافقة وزارة الثقافة فكان خبيرها الناقد حسب الله يحيى الذي كتب عنها اعتذر وحين التقينا قبلني وسألني.. هل دخلت السجن؟ قلت له لا.. قال انا دخلته 12 مرة ولا اريد أن ادخله مجدداً.. وحين سقط النظام كتب عنها مقالاً قصيراً في جريدة المدى ذكر فيها أن الروائي كان شجاعاً في سرده لأجرأ رواية لو طبعت في حينها كما أخبرني لكانت تهز الوسط الأدبي وقد وضعت ما كتبه تظهيراً للرواية في طبعتها الاولى التي صدرت عن دار الشؤون الثقافية وهذه الرواية فازت بالمركز الاولى بمسابقة في مصر. مثلما كتب عنها الناقد الجزائري حمام محمد زهير وهو اكاديمي قائلا:(وأنا (أ فكك) في منابت  مواسم الاسطرلاب للروائي العربي “علي لفتة سعيد”، وجدتني احتكم الى نفسي، في الخانة التي تصنف فيها هاته الرواية، هل هي  نبرة جديدة تغيب منطلقات الرواية التي  تحدث عنها المقدمون، أم انها اتجاه  تخفي  لموضوع  قاسح  لايمكن اظهار متخفياته  كنوع من المناورة، أو أن العمل  الروائي هو جديد فعلاً، استهلكتني قراءتها  3 اشهر كاملة، فانتبذت لنفسي طياً نقدياً لقد تربع هذا العمل على مسابقة دولية وحاز ترتيباً جمالياً).

* المئذنة رمز ديني.. هل لكربلاء مدخلية فيه؟

 المئذنة نص مسرحي.. وهي مناقشة مع رمز ديني والمكان كل مكان مقدس بما فيها كربلاء يمكن للمخرج لو أراد اخراجها أن يجعل المكان كربلاء لأنها صرخة بوجه الظلم والحرب والارهاب.. انها مناجاة الله لما يجري حولنا.. انها توضح المعاناة العراقية امام هول ما عاشه المواطن.. من خلال شاب أديب وشابة حبيبة وكلاهما يريدان الحياة بصورة مطمئنة تعتمد على الايمان.. المسرحية ليست وعظية بل هي احتكام ايماني.. المئذنة كرمز هي إيصال صوت الله الى الناس. في النص المسرحي هي ايصال صوت الناس الى الله، حيث تصع التوابيت التي تسبب بها الطغيان والارهاب وهما وجهان لعملة واحدة.. المئذنة صرخة مستمرة لا تنتهي ما دام الانسان العراقي يعيش دوامة الحرب والصراع على الوجود..

*نا... عنوان يثيرالاستغراب ومبهم الى حد ما.. ما الذي تريد قوله؟

  العنوان (... نا) ليس خالياً أو يعيش لوحده بل معه ثلاث نقاط يمكن ان يملأها المتلقي بما يريد.. وهو اختصار لكل شيء جامع.. هي محاولة لرسم صورة الجمع في هول الحياة التي نعيشها.. وهذه المجموعة وهي الشعرية الثالثة لي بعد مجموعتين شعريتين سابقتين هي تتخذ من الآيات القرآنية سبيلاً وهدفاً ومعالجة واجتراحاً وهمٌّاً وإيماناً وتوحيداً وصرخة لهذا المواطن الذي يعيش العذابات.. بمعنى انها مخاطبة الذات بعد أن خاطبها الله في القرآن. والقرآن هو المنطقة العلوية لمناقشة الهموم.. ليس القرآن بمعناه التدويني بل بمعناه التأويلي لما نحن فيه.. فكل عناوين المجموعة تنتهي بـ(نا) الجماعة وهي صفة وتأويل وهي صورة وحقيقة وهي فرد وجماعة وهي بذلك تحمل عناصر التأويل من خلال فهم النص ذاته لا فهم ما هو قابع في الذاكرة..

* لم تعد الأسماء تلمع كالسابق.. هل لغياب المعايير النقدية.. أم عزوف القارئ.. أم مجانية النشر.. أم ماذا؟

 قبل عشرين سنة قلت.. كان في المدينة ثلاثة يكتبون الشعر بعد عقود ثلاثة لا يكتبون الشعر.. ليس بالمعنى التخويني أو الاستهزائي بل لأن الحياة تتطور والقراءة متاحة والفهم متاح والفن متاح والذائقة كذلك.. الأدب روح الحياة والادب صانع الجمال معطّر الوجود.. والادب بوتقة تضع فيه كل ما يحتاجه الفرد من علاقات سواء مع الله أو الانسان أو الوجود الآخر.. وامام هذا الاتساع لم تعد الاسماء وحدها التي يمكن أن تؤشر بقلة أعدادها لتكون رمزاً ولهذا اسباب ايضاً وهي أنه سابقاً لم يكن امام المتلقي سوى صوت الشاعر المباشر أو النص الذي يكتب في صحف معدودة امام اتساع ظاهرة الاعلام والاعلان والمدونات أظهرت حجم المشاركة في صناعة الجمال.. لست ضد عدد المنتجين للثقافة لأنه لابد من وجود الغث امام السمين من الأدب الذي سيمكث وبالتالي فوجود الغث هو الذي يعطي أهمية للنص الجيد والمبدع والمتميز وهي هنا مسؤولية النقد.

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
الاحتباس الحراري وتأثيره على سرعة دوران الارض
الربط الكهربائي الأردني- العراقي يدخل الخدمة السبت المقبل
سفن حربية روسية تدخل على خط البحر الأحمر
المندلاوي يدعو الشركات الصينية لاستثمارات طويل الأجل وتعاون مستدام في العراق
أزمة تعليمية حادة تهدد أطفال العراق بـ"مستقبل قاتم"
جاء بطائرة ليتسلم البراءة ويسافر.. تفاصيل الغاء حكم الإعدام بحق ضابط متهم بقتل الهاشمي
منتخب العراق يواصل مشواره في تصفيات المونديال بنجاح
البطريركية الكلدانية في العراق تلغي الاحتفال بعيد القيامة احتجاجا على "إبعاد ساكو"
طلب رسمي لحجب "تيك توك" في العراق.. وأرقام جديدة للمواقع الإباحية
مجلس الأمن يوافق على مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة
الاتحاد الديمقراطي العراقي يشارك في احتفالات نوروز
"المحيبس" يضيع في قبضة النساء.. السيدات يقتحمن اللعبة الرمضانية الأكثر شعبية في العراق
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة