سُلاف رشيد
العراق البعيد على الارض ، والساكن في الروح منذ عهد الطفولة ،ومنذ تعلم النشيد الاول ، صار يرافقني في الصباحات ، ابتسم اذا شعرت به يبتسم واحزن قبل أن تملأ الدموع عينيه ،صارت كل مفردات حياتي تحمل معاني حروف اسمه العلو والرفعة والأخلاص والقناعة ، يتنقل معي أينما أرحل ، ويمتص ضجري ووحدتي بحنانه، أضع رأسي على كتفه حين يهدني التعب، فليس هناك في الكون وطنا يتنفس هموم أبنائه كالعراق ، وطن كالبشر يحترق غضبا حين يشعر أن الضيم صار غذاء ابنائه اليومي .
العراق البعيد على الارض ، والقريب جدا من القلب ، يتنفس منذ اربعة اعوام ثقل جزمات جنود الاحتلال ، وتدوس على اضلاعه زناجير دباباته ، ينهض في الصباحات مهموما لايدري ماذا يفعل ، غير أن يصلي الى الهة من نحاس ، لعل صلواته تفك بعض الكرب العالق في جفنيه ، العراق البعيد على الارض ،والذي كان يحلم بأن يزول عن صدره الكابوس الذي جثم وكتم انفاسه لخمسة وثلاثين عاما ، كي يرى نور الشمس وتتنفس عظامه دفئها ، هاهو الان يعيش كابوسا من حديد ، كابوسا من مزنجرات ، كابوسا من سراق ، كابوسا من منبوذين ، كابوسا من قتله ، كابوسا من قتل يومي لابنائه بدم بارد . أربعة أعوام والعراق البعيد على الارض ، لم تنتهي أحلامه ،ولم تجف شجرة أماله ولم يستكين الى القدر، اربعة أعوام والعراق القريب جدا من القلب ، ترفرف فوق سعف نخيله أعلام التفائل ، مادامت الشمس ستشرق غدا لا ريب ، فالعراق البعيد القريب سيتنفس هواء الحرية.