الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
اعتقال الطائي: الكتابة كل ما تبقى لي للتفكر بصوت عال
الأربعاء 31-12-1969
 
عدنان ابو زيد - لندن :
أعتقال الطائي مذيعة عراقية حازلت علي اعجاب العراقيين في السبعينات عبر تقديمها برنامج (السينما والناس)  واستطاعت عبر مسيرة حافلة بالابداع ان تجسد رمز المراة العراقية المبدعة ، 
ومثل ملايين العراقيين اختارت الطائي الاغتراب بعيدا عن العراق الذي تقول عنه انه يعيش معها في كل لحظة. و(الزمان) في هذا اللقاء تحاور مقدمة البرامج والمترجمة والنحاتة اعتقال الطائي عن سنوات الابداع في الوطن والغربة.û اعتقال الطائي حين طلت علي الجمهور في برنامج بقي حيا في الذاكرة العراقية هو (السينما والناس).. كيف وظفت وعيك وانوثتك في السينما في وقت كان فيه دور المراة محدود في المجتمع؟لم يكن في نيتي العمل كمقدمة برنامج قط، إلا أن الاختيار وقع علي بالرغم من رفضي المستمر آنذاك. لأنني كنت أعتقد أن علي الفرد أن يتعلم قبل أن يزج نفسه في أي عمل جاد. لذا دخلت دورة تدريبية أشرف عليها كبار المختصين المصريين ووقع علي الاختيار كمقدمة برنامج وليس كمذيعة.إن قولك " بقي البرنامج حيا في الذاكرة العراقية" ما هو إلا دليل علي طريقتي في التفكير التي بنيت علي أسس كثيرة منها: احترام المشاهد وعدم استغفاله ورفع الحاجز اللامرئي بيننا، تكثيف المعرفة والدراسة المستمرة ونقلها إليه والأخذ بيده للصعود وليس الهبوط إلي المستوي الواطئ حسب المقولة الشهيرة" الجمهور يريد ذلك" وهو ما نراه الآن. في الحقيقة لم يكن وضع المرأة محدوداً جداً في ذلك الزمن الذي أنتمي إليه وهو جيل السبعينات" العصر الذهبي" وبالفعل تغير وضع التلفزيون بوجودنا. كنت ولا أزال أقول: إنني أتعامل مع الآخرين كإنسان قبل أن أكون أنثي. وفي الوقت نفسه لا أتفق علي أن المرأة القوية الشخصية والمثقفة يجب أن تفقد أنوثتها. وفي النتيجة تبقي المرأة امرأة ويظل الرجل رجلاً. ما يدهشني أنني لازلت أستلم الآن رسائل كثيرة من أجيال مختلفة فرحين بالعثور علي موقعي الفرعي في موقع الكاتب العراقي ويودون عودتي إلي التلفزيون، لا أدري كيف استطعت أن أسكن ذاكرتهم حتي هذا اليوم! هل هو يا تري غياب البرنامج الجيد الذي لم يتكرر مثله بعد؟ مازال العراقيون يكتبون عن البرنامج ومقدمته بعد انتهائه منذ 28 عاماً. شيء غريب أليس كذلك؟ لن أتواضع هذه المرة ولأقول: لا يوجد بالفعل مثل برنامج السينما والناس العراقي. يفرح الفرد بوجود قنوات سينمائية، لكنها بدون الأفلام أصبحت تعوم في التفاهات ثم غرقت حتي هامتها فيها، وبدلا من أن ترفع مستوي الجمهور هبطت به. أنظر إلي ما آل إليه الإعلام في عالمنا العربي المتردي المستوي. أتحدث بشكل عام لأن السيئ هو السائد الآن. وما بقي في الغربال ضئيلا جداً.û منعتِ في السبعينات من تقديم اشهر برنامج عراقي في السينما.. كيف حدث ذلك، وماالاسباب؟ربما لأنه كان أفضل برنامج ثقافي وأفضل مقدمة برنامج؟. هذه ليست شهادتي بل أن البرنامج وأنا حصلنا علي هذا اللقب في استفتاء عام من شمال العراق حتي جنوبه بعد تقديمه بثلاث سنوات مما دفع الزميل مؤيد البدري مقدم برنامج الرياضة في أسبوع إلي أن يهنئني قائلا: " يابة هذا مو السينما والناس.. هذا اعتقال الناس" لأنه كان يعتقد أن برنامجه سيحصل علي الجائزة الأولي لشعبيته الكبيرة وقتذاك.مُنعتُ لمرات عديدة، مثلا كنت أتهيأ لتسجيل البرنامج وأسمع الخبر من الخطاطين بأن القسم الثقافي جلب مقدمة أخري. ومرة دخلت الستديو مع الكاتب جبرا إبراهيم جبرا رحمه الله وأخبرونا بأن القسم الثقافي ألغي البرنامج ولم يحجز ستديو.لكن المدير العام محمد سعيد الصحاف كان يعترض ويطلب الأسباب. أحد الأسباب: تعدل شعرها الطويل وهذه حركات مثيرة. " وأخيراً عندما بدأت الجبهة المزيفة بين الشيوعيين والبعثيين بالاهتزاز قالوا: جميع ضيوفها من الشيوعيين، واقترحوا علينا ضيوفاً من البعثيين. لكنهم لم يستطيعوا زعزعة استقلاليتي التي مازلت أحتفظ بها. لم يعن بالنسبة لي الانتماء إلي حزب أي شيء، كان اهتمامي مصبوباً في تطوير نفسي والبرنامج. لم تصغ أذني إلي الصغائر قط. لم يهمني القيل والقال، وهدفي واحد البرنامج والمشاهد. لقد أحبني الناس من كل قلوبهم وأحبوا السينما من خلالي وهذا ما تثبته رسائلهم التي مازلت أستلمها إلي هذا اليوم ويوجد منها في دفتر الزائرين لموقعي أيضا. أما النهاية فكانت كالآتي: كنا نشاهد في قاعة الأفلام فلما عراقيا كتبه معاذ يوسف وأخرجه كارلو هاريتيون، وإذا بالباب تفتح مع الأضواء ودخل علينا المدير العام الجديد سهيل نجم، الذي كان متشوقا لمعرفتي. وأراد مباشرة معرفة رأيي بالفلم وبالطبع لم أرد لأنني لم أكمل مشاهدة الفلم بعد وبين أخذ ورد نزل معلناً : تُطرد فوراً وليبحثوا عن مقدمة أخري. هذا ما حدث. û ماذا بقي من النحت في حياتك ام انك وجدت نفسك في الشعر والترجمة؟أقول بألم: لم يبق من النحت شيئاً، سوي تمثال أمي الصغير الذي حملته معي كي يخفف عني غربتي. لقد سبب لي النحت مشاكل صحية في الرئة مازلت أعاني منها. وقررت العام الماضي العمل في الصيف في الحديقة للنحت علي الخشب، لكن لسوء الحظ وضع رئتي لم يسمح بذلك. لا أكتب الشعر بل قمت بترجمة الشعر المجري إلي العربية. وهذا لم يعوض عن النحت. ربما العمل في الحديقة يعيدني إلي طينة النحت.تجربة يوميةû ترجمتِ كتاب " يوميات في العراق" لمراسل صحفي مجري. هل صدر الكتاب وماذا يتناول؟ـ لم يصدر الكتاب بعد. كان الوقت قصيراً جدا خلال زيارتنا للعراق، تكلمنا مع إحدي دور النشر ولم نجد ترحيباً منهم.برأيي الكتاب ليس كبقية الكتب التي نشرها الصحفيون عن العراق، ليس لكوني مترجمته، بل مقارنة مع الكتب الأخري. إنه يتحدث عن تجربة يومية عاشها الصحفي بحذافيرها بين عامة الناس من خلال العيش في بيوتهم. ابتداءً من متابعته لمؤتمرات المعارضة في الخارج وصولاً إلي كردستان والمكوث هناك حتي سقوط النظام وبعده. فيه عدد كبير من اللقاءات مع أبسط الناس حتي أكبرهم. دون حذف أو تشذيب. إنه يستحق الاهتمام، لقد نشرتُ أجزاء منه في موقع الكاتب العراقي وأعادت نشرها مواقع أخري. وطبع منه 2000 نسخة باللغة المجرية نفدت فوراً حيث أقيم معرض للصور الفوتوغرافية وطبع ألبوم عن العراق.û كيف وجدت الاهتمام المجري في الادب العربي وهل ترجمت من والي العربية اعمالا ادبية؟يهتم المجريون إن وُجدَ ما يُترجم لهم. ولكن الجهد الفردي غير كافٍ لذلك. كنت أترجم لمجلة متخصصة بالأدب العالمي اسمها (nagy vil?g ـ العالم الكبير) ونُشر العديد من القصص العربية القصيرة من مختلف الدول العربية. إلا أن الوضع السياسي والاقتصادي والثقافي قد تغير في المجر وأفلست تلك المجلات علي كافة الأصعدة. لقد ترجمت الشعر والقصص القصيرة من المجرية إلي العربية ومعظمها منشور في الكاتب العراقي. وفي النتيجة تقاعس السفارات والمؤسسات الثقافية له الدور الأكبر في عدم النشر.û ماهي الافلام العراقية التي تعتقدين انها حفرت في تاريخ الفن السابع العراقي؟للأسف بالرغم من وجود كوادر جيدة إلا أن السينما العراقية لم تنتعش كما هو مطلوب منها. وبما أنها فن جماعي وليست كالفن التشكيلي والأدب لذا يمكن ربطها بالوضع السياسي والاقتصادي. أما الأفلام فهي سعيد أفندي لكاميران حسني كأول فلم عراقي متأثر بالواقعية الإيطالية. وفلم الحارس قصة قاسم حول ومن إخراج خليل شوقي. والظامئون رواية عبد الرزاق المطلبي وإخراج محمد شكري جميل وبيوت في ذلك الزقاق للمخرج قاسم حول. أما الأفلام التي أخرجت بعد خروجي من العراق فلم أرها. السينما بحاجة إلي دعم مادي من قبل المسؤولين والمثقفين الذين يمتلكون مؤسسات ثقافية، فتري الأموال تصرف علي أمور تحتل موقعا في المقدمة من وجهة نظرهم. وهنا لا أحسد لاعبي كرة القدم علي تقييمهم فهم بعثوا البهجة في نفوسنا ويستحقونها بجدارة، ولكن لا بأس من أن يُوجه قليل من الاهتمام إلي دعم السينما أو النشاطات الثقافية كالكتاب مثلا.خراب البلدû قريبا من السياسة كيف تقرائين العراق الان؟بعيداً عن السياسة، إنه الخراب الذي بني علي خراب سياسي اقتصادي فكري اجتماعي. مذ كنت صغيرة وعيت علي شيء وهو لا أحد يبحث عن المسببات ونطلق الأحكام والاتهامات علي النتائج. زهقت وتزهق روح الضحايا عبثاً. وفي السلطة لم تجد يداً شريفة بعد لتمدها إلي يد الشعب الغارق في دمائه، الشعب الذي قُمع منذ عقود طويلة فها هو اليوم الأخ يقتل أخاه. سألتني عن دور المرأة في زماننا، أين هو دورها الآن. واليوم تعيش في ظلام التحجب الفكري، وتغتصب وتهان ويقتلها التكفيريون والإرهابيون. لولا الحروب والحصار والجوع الذي أدي إلي الإجرام وإبادة شعب من قبل حاكمه لما دخل الاحتلال الجاثم علي صدور العراقيين بعد أن دمر كل شيء مشرعاً أبواب البلد لكل المجرمين الإرهابيين ليتخذوا من العراق وكراً لتنفيذ الحكم بالموت علي شعبنا بإشباع رغباتهم المريضة، هؤلاء قاتلو الثقافة والفكر وكل من ينتمي إليهما. لكن العراق لن يستسلم وسينهض ثانية.û ذكرياتك مع الفنانين العراقيين..هل مازلت علي اتصال مع مبدعين معينيين؟لم أكن علي علاقات مستمرة مع الفنانين وحضور حفلات خاصة وزيارات مستمرة، ألقاهم في العمل أو في المعارض والمسارح. كنت أختار أصدقائي وما أزال. أنا كسولة في كتابة الرسائل. لقد انقطعت علاقتي تقريبا بالكثير من الأصدقاء منذ عشرين عاماً، وحتي سابقاً كنت ألتقي بمن يأتي إلي المجر ثم يذهب كل في سبيله. كل شيء صار شاحباً فهناك من رحل وهناك من غاب أبداً والذكريات تكاد تكون في طي النسيان، لكن البهجة تغمر روحي يوم تصلني رسالة عبر الإنترنت من صديق قديم مازال علي قيد الحياة. أتحدث بين فترة وأخري بالهاتف مع رسام الكاريكاتير بسام فرج. والصديق ثامر الزيدي علي اتصال دائم بي لأننا نعمل معا في صناعة أفلام الكارتون الطويلة. تكونت علاقة صداقات جديدة أعتز بها عبر العمل المشترك في موقعي الكاتب والفنان العراقي مع الأخوة والأصدقاء فؤاد ميرزا، مصدق الحبيب، رضا حسن رضا والخطاط حسن المسعود ولا أنسي أخانا الصغير آزاد اسكندر. نتعلم من بعضنا البعض ونواسي بعضنا البعض لتحمل آلام الوطن في الغربة.عيني علي الفراتû اعتقال الطائي.. الطفولة والشباب في الحلة الفيحاء.. ماذا بقي من صور في الذاكرة عن هذه المدينة، ومتي زرتها اخر مرة؟ فتحت عيني علي ماء الفرات الذي كان قريبا من بيتنا، وصورته في النهار والليل تسكن ذاكرتي، خاصة وأنني كدت أغرق فيه في السادسة من عمري. الحلة مدينة صفي الدين الحلي وكبار الأدباء والفنانين ورجال العلم.أنا الابنة الثامنة وتسلسلي الرابع عشر لعائلة كبيرة. كان الوالد مختار محلة الوردية، لقد سبق عصره بنظرته المتفتحة للعالم وتقدميته. كان يسعي لتعليمنا أولادا وبناتٍ دون تمييز. وأم ربة بيت أنجبت ست عشرة بنتاً وابناً. صورة المدينة رسخت بذهني بحديقة النساء التي ذهلت لرؤيتها بعد خمسة وعشرين عاماً، لقد تحولت إلي خرابة، غابت أشجارها وماتت ورودها وحتي الفرات الذي أصبحت مياهه آسنة لم يقو علي إنعاشها.كان بيتنا يختبئ بين أشجار النخيل في محلة حي بابل وهناك كتبت الكثير الكثير من القصص. وحينما أعود بذاكرتي إلي ذلك الزمن أجد نفسي وكأنني كنت أعيش في عالم الخيال بالرغم من كل الظروف التي مررنا بها جميعا. لا أستطيع الاسترسال عن مدينة الحلة لأنه سيطول كثيرا، لكني عندما عدت إليها في عام 2004 شعرت وكأنني لم أغادرها نتيجة الحب والحفاوة اللتين استقبلت بهما، كان قلبي يكبر بحبهم عندما سمعتهم يرددون: " هذي بنتنا " بكيت كثيراً في بيتنا الذي لم يعد بيتنا. وعندما أحلم بالعراق لا أجد نفسي إلا فيه. لكنه مجرد حلم.û عدا الصحافة.. ماهي اهماماتك ومشاريعك القادمة؟أعيش اللحظة وليست لدي مشاريع قادمة. أعمل إن عُرض علي عمل. الكتابة بالنسبة لي هي التفكير بصوت عالٍ كي يسمعه أبناء وطني وأحبتي في العراق. وآمل أن أعيش اليوم الذي سأنشر فيه ذاكرة الأشياء ومجموعة قصصية.

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
من العراق إلى غزة.. طبيب أمريكي يطلق نداءً من خان يونس: أوقفوا الحرب
في اربعينية كوكب 12 ايار/مايس هذا النص
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي
كفة رئيس البرلمان تنحرف داخل الإطار لصالح مرشح المالكي محمود المشهداني
بيئة كوردستان: انبعاثات "النشاطات البشرية" أكبر عوامل التغير المناخي
"ليس هناك خطأ".. منظمة الصحة العالمية تحسم عدد القتلى في غزة
أخطر مهربي البشر.. سلطات كردستان تعلن اعتقال "العقرب"
تعليق أمريكي على تخريب "مساعدات غزة"
مصر تلغي اجتماعاً مع مسؤولين عسكريين اسرائيليين
تهنئة من الاتحاد الديمقراطي العراقي
المعتقلون الفلسطينيون.. أجساد عارية وعيون معصوبة وقطع غيار بشرية
إضاءة ومساهمة في مؤتمر نسائي هام بالسليمانية
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة