الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
نحن من يزرع الشوك
بقلم : د. ناهدة محمد علي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

إن مشاكل المجتمع العربي ليست مُسَببة من قِبل البيئة أو الموارد الطبيعية أو حتى العوامل المناخية والجغرافية بل تكمن في الموارد البشرية , إذ أن نوع هذه الموارد تجعل المجتمع العربي يغلي بمشاكل إقتصادية وإجتماعية وسياسية لا حصر لها . فالمستوى الإقتصادي والتعليمي والإرث الإجتماعي لهذه الموارد البشرية تجعلها قابلة للهدم لا للبناء , ويفرز منها تكوينات هامشية قد تعيش تارة على الماضي وتارة على مستقبل خرافي غير قابل للتحقيق , وتفتقد هذه التكوينات الى التخطيط العلمي في إدارة حياتها الأسرية والمجتمعية , وقد تدخل في تكوينات سياسية أو دينية غير مبرمجة وغير منطقية , وكل من هذه التنظيمات تدعي على أنها الكل وتمثل الكل وفي الحقيقة تحتوي برامجها على الكثير من الخصوصية وهي ليست بالكل , وهذه مشكلة كبيرة حين يدعي الخاص بأنه يمثل العام وهو لا يمثل سوى نفسه , ويقدم له الرأي العام والذوق العام بالمقابل رفضاً عنيفاً ورد الفعل يأتي مساوياً للفعل نفسه من قِبل هذه التكوينات , لذا أصبح لدينا مجتمعات هامشية تظهر بها العشرات من التنظيمات والتي تحاول إحتواء الموارد البشرية لكنها تُفزع العقول العربية الفذة وتدفعها الى الهرب الى الخارج هاربة من خصخصتها لمجموعة ما أو حزب ما الى عالم أكثر حرية وأكثر إحتواء .

ماذا نفعل نحن لأطفالنا وهم الموارد البشرية التي ستبني لنا , فنحن بفخر نجعل منها موارد أولية مغشوشة للبناء أو نستنزف طاقتها إناثاً وذكوراً أما بالزواج المبكر أو بالعمالة المبكرة والتي قد بلغت نسبتها أكثر من 10 مليون طفل عربي .

إننا وبفخر أيضاً نجعل الأطفال العباقرة ذوي الحساسية العالية منبوذين في أُسرهم ومجتمعاتهم , وتنظر الأسرة العربية الى هؤلاء على أنهم شواذ لا يُفتخر بهم بل يُخشى منهم وعليهم , وقد تُربط الكثير من سلوكياتهم لأفعال الجن أو الشياطين , في حين أن أطفالنا المرضى وخاصة المصابين بالأمراض العصبية والنفسية وإختلال عمل الدماغ مثل مرض ( التوحد ) فيُتعامل معهم على أنهم ضيوف ثقلاء لأُسرهم ومجتمعاتهم لأنهم غير منتجين في حين أن منهم من يكون عبقرياً في مواد محددة مثل الرياضيات أو تقنيات الكومبيوتر أو في الرسم والموسيقى . ولا يتمتع الطاقم التعليمي بالكم المطلوب من الإبداع المهني أو الحس الإنساني والذي يتطلبه العمل في هذا المجال مع هؤلاء الأطفال .

لنأخذ نماذج من ثلاث دول عربية أولها العراق , حيث مات عبقري الرياضيات ( عادل شعلان ) وهو فقير مُعدم وبائع بسيط , أما الأطفال المتوحدين فقد يُعانون في المدارس العربية من الضرب المُبرح وهم في سن مبكرة , ولا يستطيع هذا النوع من الأطفال معرفة لماذا يُضرب ولا نستطيع نحن أن نعلم كيف يفكر الطاقم التعليمي في هذه المدارس , فقد أوردت وكالات الأنباء في الإمارات نموذجاً لهؤلاء الأطفال في المدارس الخاصة .

أما في اليمن فينتشر الزواج المبكر للفتيات , وفي تقرير لمنظمة اليونيسيف عن الزواج المبكر في اليمن أوضحت المنظمة بأن 48% من الفتيات وخاصة الريفيات يتزوجن بسن 10 – 14 . وتبلغ نسبة الزواج المبكر في مصر الى حوالي مليون فتاة  ونسبة الوفيات بينهن أثناء الولادة  1 من 70 . وتشتهر قصة الفتاة اليمنية (نجود ) والتي زُوجت في سن العاشرة لرجل يكبرها بأضعاف سنوات عمرها والتي تصور تصويراً إنسانياً كَم المعاناة والشراسة التي عانتها في زواجها المُبكر وكَم الألم الذي سببه لها إنقطاعها عن حياتها التعليمية , ولولا إحتواء إحدى المحاميات لها لظلت هذه الفتاة تقبع في سجن الزوجية المبكر .

إن الزواج المبكر يعتبر أحد الحلول الإقتصادية التي تضعها العوائل الفقيرة والعوائل الريفية لمصير فتياتها وبضمنها الأسر العراقية .

إن الحلول التي يضعها البعض منا لأوضاع الأُسر العربية تعود بنا الى الوراء بخطوات طويلة لكي نحصل على راحة البال لمصير أطفالنا , إلا أن هذه الحلول ليست إلا براكين تُغرق المساحات الواسعة بالحمم البركانية والتي لا تفرق بين صغير وكبير وتحرق مواردنا البشرية .

إن إحدى المشاكل المنتشرة بين أجزاء الموارد البشرية العربية هي مشكلة ( الهروب أو النزوح ) من المناطق الساخنة الى المناطق الهادئة نسبياً حيث لا يجدون إلا الأبواب المغلقة في مجالات العمل والتعليم , ولا يحلم هؤلاء الهاربون بغير الغذاء والماء , وكم من الطاقات الشابة تغرق في أنصاف المحيطات وقُبالة سواحل الدول الإسكندنافية واستراليا وماليزيا والتي قد يئست من طول الهرب .

من البديهي لو أننا أردنا أن نبني صرحاً حضارياً شاهقاً فيجب علينا أن نوفر مواد للبناء لا للهدم ويكذب من يقول إننا نهدم لكي نبني بعدها , لأننا إن تصفحنا تأريخ مجتمعنا العربي فلن نجد مجتمعاً هدم قدر ما هدمنا , وكلما بنى جيل صرحاً جاء الذي بعده ليقوضه , حتى لم يعُد لنا تأريخاً ولا حضارة وأصبح تأريخنا وآثارنا تباع بالمزادات العالمية بثمن بخس .

لقد صبرت الشعوب العربية طويلاً , وجاء الوقت ليتوقف الإفتاء بعدم صلاحية كل شيء والعودة لقرون مضت , وقد أعطى المجتمع العربي الفرصة لهيئاته القيادية لكي تبني لكنها لم تزرع إلا الشوك . والذي أدى الى أن يفرز المجتمع العربي من جروحه أنواعاً من القيح الملوث والذي إنتشر في الجسد العربي ودعا البعض منا الى أن يضع حلولاً قسرية لبتر هذه القدم وتلك اليد لكي يُنقذ هذا البعض رأسه .

  كتب بتأريخ :  السبت 04-10-2014     عدد القراء :  4455       عدد التعليقات : 0