الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
مَن سَجَن الطفل البصري في قفص الدجاج
بقلم : د. ناهدة محمد علي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لم يحدث إطلاقاً أن تعامل المجتمع العراقي بقسوة شديدة مع الأطفال دون السادسة ويحدث هذا ما فوق هذا السن ، مع أن أساليب التربية العربية تؤكد على أن ( العصا لمن عصى ) ، إلا أن المجتمع العراقي كان معتدلاً دائماً في شدة تعامله مع الأطفال ، وأفرز هذا المجتمع أقوال شعبية مثل ( خد وعين ) للدلالة على

أهمية توفير الحنان والحزم معاً للأبناء في التعامل الأُسري كذلك أقوال أُخرى مثل ( لو كبر إبنك خاويه ) وهذا يدل على لزوم مصاحبة الوالد للولد بعد بلوغه والإقتراب منه وتربيته من خلال الصُحبة والصداقة الأبوية ، إلا أن شدة قسوة الظروف الإجتماعية التي مرَّ بها المجتمع العراقي دفعت إلى المزيد من القسوة نحو العنصرين الضعيفين في المجتمع واللذين هما الأطفال والنساء .

بالأمس قابلت إحدى الصديقات والتي بادرتني بقولها ، أكتبي أُكتبي عن هذا الطفل العراقي البائس ، قلت : وما الجديد في الأمر ، قالت : إطلعي على الفيديو وسترين العجب . وبعد أن إطلعت على فيديو الطفل هذا ، بقيت واجمة وظننت أني سأُصاب بنوبة قلبية ، وقمت لأشرب كأساً كبيراً من الماء ولأُريح قلبي ، وماذا رأيت ؟ ، أتصدقون أن عائلة عراقية بصرية قد حبست على سطح المنزل وفي قفص للدجاج طفلاً في الثالثة من عمره ، لأن أُمه قد تركته لعمته بعد أن قُتل والده . كان الطفل الصغير جاحظ العينين واجم الوجه لا يستطيع الكلام أو الوقوف والمشي والحركة، إشتد به الهُزال ولم يكن فاهماً بما يجري من حوله ، وربما كان يأكل مما يأكله الدجاج . وقد أُلبس بعض الملابس من قِبل إدارة المستشفى ، وحينما وضعه الشرطي على الفراش كان يبدو وكأنه أصغر من عمره . لقد فضح أمر هذا الطفل أحد أولاد الجيران الذي تسلق السطح لصيد الحمام ، نُقل الأمر للشرطة ثم إلى مستشفى الفيحاء في البصرة . تزاحم العراقيون الشرفاء لمساعدة هذا الطفل والتبرع له من الداخل والخارج ، كلُ يريد أخذه لتربيته . كان هذا الطفل في المدينة التي إشتهر أهلها بالكرم والنبل والشفافية وهي مدينة الشعر والشعراء ، ولا أدري لِمَ تصل القسوة بالفرد العراقي إلى الحد الذي يُعامل به الطفل اليتيم معاملة الحيوانات البيتية . كان سبب قسوة هذه العائلة هو المال والأرث ، وربما كان إنتشار السجون في مدن العراق وعلى مدى المراحل السياسية المختلفة كان أحد أسباب هذا التفكير الإجرامي ، حيث عانى أهل الجنوب من الظلم والإضطهاد لسنوات طويلة والذي أدى إلى تخشيب الحس الإنساني لدى البعض منهم ، فهم يكررون ما مورس عليهم ، يكررونه في داخل بيوتهم ومع زوجاتهم وأبنائهم وفي شوارعهم ومحلاتهم حيث تكثر المتاريس والبوابات بين منطقة وأُخرى ، وتكثر نقاط التفتيش بين شارع وآخر حتى أصبح العراق سجناً كبيراً . ويكرر الفرد العراقي هذا في داخل نفسه حيث يبني لها سجناً يحميها حيناً ويحاصرها حيناً آخر، لأن كل حركة مفاجئة قد تنتهي بكارثة ، لذا حجّم الفرد العراقي تفكيره وحركته وجعل مركز إهتمامه المال والطعام والشراب ، وأخذ يسعى لطلب المال وبأي طريقة كانت وكل الطرق مشروعة ما دامت تريح كاهل هذا الفرد ، وأصبح الأطفال أثقال لا تتحملها النفس العراقية ، وأصبحت مصاريفهم أثقال ، وحركتهم وتفكيرهم الطفولي المرح ثقل كبير للإنسان العراقي الحزين والمُكبل .

إن التحليل النفسي لعملية تعذيب طفل يؤكد على وجود مرض نفسي أُصيب به الشخص المُعَذِب في طفولته وهو يستفرغ ما مُلأ به ، وهناك تقارير عن وجود الكثير من عمليات التعذيب والقتل الجماعي العائلي والقهر العائلي من قِبل الزوج أو الأبناء الكبار وهما العنصران القويان في العائلة ، ويُمارس العنف أيضاً على الآباء الشيوخ الغير قادرين على الحركة والأكثر شيوعاً ممارسته على الأطفال الصغار ومثال على ذلك حبس الأطفال في القبو أو في الظلام ، إطفاء السكائر على جلودهم و تقييدهم ومنعهم من قضاء حاجاتهم ، تجويعهم وإستخدام التيار الكهربائي لتعذيبهم ، أو رميهم من فوق مرتفع كأسطح المنازل . ويحدث هذا لدى الأقوام المتحضرة والبدائية ، فقد ذكرت وسائل الإعلام النيوزيلندية بأن البعض من سكان الجزيرة الأصليين يقومون بإطفاء سكائرهم على جلود أطفالهم أو رميهم بالهواء عدة مرات حتى يُغمى عليهم ، أو وضعهم في غسالة الملابس ، هذا بالإضافة إلى القهر الجسدي الجنسي .

إن الفرد العراقي قد إمتص الكثير من الآلام وها هو يعصر إسفنجته فوق رؤوس أطفاله كما حصل في حالة الطفل البصري ، لكن هذا لا يمنع من وجود الكثير من الفقراء الذين يعانون ويكدحون لأجل توفير الحياة الأفضل لأبنائهم ، ويدخل في هذا أساليب التربية البيتة والرؤى الدينية والمستوى الثقافي والتعليمي .

أخيراً لا أعتقد أن شرطة البصرة قد ألقت القبض على الجناة بفعل أمر إداري أو بأمر القانون ! لكن دوافعهم كانت إنسانية وأبوية فطرية نبيلة وما بعد هذا فالمسؤولون نائمون على فراش من حرير وليتقلب أطفال العراق وفقرائه على الجمر ، وليتحول البعض منهم إلى ذئاب بشرية ، ولتنتشر الميكيافيلية في العراق ولتطبق المقولة الوحشية القديمة ( إذا جاءني الطوفان وضعت إبني تحت قدمي لأنجو ) .

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 02-12-2014     عدد القراء :  5019       عدد التعليقات : 0