تقوم الدنيا ولا تقعد، على الأقل في أوروبا، عندما يقوم شخص ما بسرقة منتج فكري لشخص آخر ونسبه لنفسه. انه أمر مشين، وعلى الخصوص في الحقل الأكاديمي، عندما يجرد الشخص من لقبه الأكاديمي مثل الدكتوراه، إذا ما ثبت أنه قام بهذا الفعل المشين. والأمثلة كثيرة آخرها رئيس المجر بال شميت عندما اكتشفوا أن "اللطش" بلغ 90% من أطروحته التي قدمها في 1992 لنيل الدكتوراه الجامعية، فاضطر للاستقالة من منصبه ربيع هذا العام. وهذه سرقة أدبية بامتياز، وتجاوز فاضح على خصوصية الملكية الفكرية.

لكن هناك فارقا بين السرقة الأدبية والاستعارة. قبل قرنين من الزمان، في عصر الباروك، كان الموسيقيون "يستعيرون" الألحان أحدهم من الآخر، وأحياناً يستعيرون قطعة كاملة أو حتى عملاً كاملاً. ويعدون ذلك تقديراً واحتراماً للموسيقار الذي يلطشون منه الألحان التي تعجبهم. واشتهرت كذلك عملية إعادة استعمال الألحان عدة مرات من قبل مؤلفها، مثل باخ وهيندل. كما يدخل في هذا الباب استعمال الموسيقيين الألحان الشعبية التي قد لا يعرف مؤلفها الأصلي. لذلك لا تدخل هذه العملية في مقياس التجاوز على الملكية الفكرية، لأن الدافع هو ليس العجز عن الإتيان بمثل هذا العمل الفني الجميل أو التحايل، بل هو عملية "استعارة" جهراً.

من أشهر هذه الاستعارات قيام باخ بكتابة كونشرتات لأداة المفاتيح (بيانو أو هاربسيكورد) واوركسترا استناداً إلى كونشرتات فيفالدي للكمان. بين الأعمال من هذا القبيل قيام الموسيقي الانكليزي تشارلز آفيسون بإعادة توزيع سوناتات بيانو من تأليف دومينيكو سكارلاتّي ليقدمها كونشرتات للأوركسترا وبحلة جديدة وجميلة لا تقل إبداعاً عن الأصل. وقد أشرت إلى هذه المجموعة المؤلفة من 12 كونشرتو عند حديثي عن سكارلاتّي في الحلقات الأولى من هذه السلسلة. ومن الاقتباسات المعروفة قيام الموسيقي الفرنسي رامو بإعادة استعمال سوناتا للكلافسان (الهاربسيكورد كما يسمى بالفرنسية) في أوبرا- باليه "الهنود الحمر العاشقون"، وبسبب شهرتها قام الموسيقي الفرنسي ميشيل كوريت باستعمالها في كونشرتو أسماها الكونشرتو الهزلية (في حوالي 1760).