تنفتح الآفاق السردية في كتاب (ثقافة الأمكنة مرائي الصحراء المسفوحة )، على تشكل في الروي والحكاية استنادا لتنازع المعالجات الكتابية التي اتخذت من (الروي) قاعدة لصورتها الكتابية والمضمونية .وقد صمم القاص حامد فاضل في كتابه هذا ،على إيجاد طرائق جديدة في نمط من الأسلوبية ينتج عنها خطاب المغايرة في طبيعة القص ليتحقق فيها الارتحال والتنقل بين الأزمنة وفقا لمتطلبات الغاية والتجليات النفسية الحادة التي تنم عن حنين لبيئة الصحراء خاصة إذا ما عرفنا أن الكاتب من مدينة (السماوة) المعروفة بامتداداتها الصحراوية المحيطة بأرض السعودية وان لهذه المدينة عراقة وامتيازا تاريخيا أراد القاص من خلاله أن يصعد من النبرة المصورة لاستعارة أفق الصحراء شعورا نفسيا وتوظيفا كتابيا .
يشكل استقطاب الصحراء ثيمة رئيسة في متن كتاب ثقافة الأمكنة فالتعامل المبين لنا وفقا لماهية النصوص التي سميت بالمرأى والتي امتدت إلى عشرة مرائي ،يغني عن اتضاح التلازم الصوري النفسي الحاد الملازم لطبيعة السرد والذي قدم إلينا عن طريق ( الحكواتي ) وكان الكاتب هنا يضع نفسه شاهدا أخيرا على تفاصيل وتكوين الصحراء، ولكن بطريقة تلقيه لاكتشافها، وهذا الإيحاء الباطني ينم عن أمرين ارتحال حاضر لماض يتغنى بالتفاصيل الدلالية لصورة المكان وسرد تفصيلي يتتبع الأحداث والشخصيات التاريخية في تمثيل فكرة استخلاص كشفي وعلى اختلاف مرد الحكايات والروي في متن الكتاب يظل مدلول الصحراء شاخصا كوظيفة خطاب تأملي /وواقعي يريد منها القاص حامد فاضل أن تؤرخ لتاريخ حياة يتمناها بديلا عن المدينة وفضائها المتشعب. والمهم لدينا كقراء هو اتساع التحول الكتابي من جهة وطبيعة ما تذهب إليه التفسيرات والإثبات المضموني من جهة ثانية وقد افلح الكاتب في خلق تصور ذهني لنوع من الكتابة الجديدة، هذه الطبيعة من الكتابة (النصية) تمثل فهما مغايرا لبناء السرد في طريقة لا تتعارض مع الترحل المكاني أو التاريخي حينما يتم التأشير على تحولات المعالجة أو تداخل الأشخاص في مكان واحد مركزه (الصحراء) وفضاؤه مظاهر زمن يتداخل فيه المجهول والوصف والاستعارة والروي وأحيانا التوثيق التاريخي ليوصلنا إلى نتيجة مفادها أن السحر يكمن في الصحراء وطقسها، وهذا ما يجعل القارئ ينساب مع اللغة حينا وإيقاع تماثل الوصف وتماسك البنية السردية.
اتسعت مدونة الحكي في هذا الكتاب لتشمل العديد من المرائي كان ابتداؤها يكمن في المرأى الأول الموسوم ب(آخر المستحمات في حمام زبيدة) وينتهي المرأى الأخير بما سمي من قبل القاص ب (ساعة الله مواقيت الصحراء) وأعتقد ثمة تداخلا بدا مرسوما له بدقة في كل مرأى وهو ما يشير لطبيعة مفادها أن الكتاب أصبح وثيقة (معنى ) سواء كان ذلك المعنى نفسيا في جوهره أو تاريخيا في وقفته المهم إيصال رسالة تنم عن بحث وتنقيب في الذات الإنسانية وطبيعة تحول المكان والبداية ترصد مكانة الصحراء ومرجعيتها الجغرافية وابتكارها كفضاء مكاني يلقي الكاتب من خلاله ضوء كتابه بصوت يمزج بين المحيط /والمتاهة وبين التمثل والتدوين وهذه الحساسية في طبيعة الكتابة تفرض علينا إعادة قراءة الصحراء جغرافيا وتكبيلنا بالمد التاريخي المدون للشخصيات المارة أو التي استقرت في الصحراء إضافة لطبيعة تحول تربتها وأسماء حيواناتها. والنجاح المتحقق في كتاب (ثقافة الأمكنة) يكمن في نقاط تنوعت منها أسلوبية الكتابة المنفتحة. فالقارئ يجد نفسه أمام ضبابية في النمط الكتابي نقرأ وصفا شعريا وتأريخا تتزاوج فيه الشخصيات اضافة لتشبع زماني يغرم فيه (الحكواتي حامد فاضل) لينتهي خطاب المتن الكتابي لصيغ تعلو على الشعرية والفيض اللغوي من جانب وتقدم لغة سرد تطغى في الوصف الدقيق .
فضاء الكتابة وتتبع الأمكنة مرائي الصحراء
