عمل جيد أن تتوسط الساحات نصب لأسماء محترمة في الأدب، في العلم، في الوطنية، في الرياضة أو في الفن أو في التربية.  هذا كله مطلوب، كله محترم.

ولكنه عمل لا يدل على وعي متكامل بالفن، ولا يدل على أن وراءه ثقافة، حين تتفق مع فنان نحات على "جملة تماثيل"! الفنان ينجز عمله الكبير المتفرد باختياره هو وعلى مزاجه هو وعلى وفق ثقافته. أما التعامل بالجملة فهو عمل من بين أعمال أمانة العاصمة ومقاولاتها وهذا لا يجوز أبدا في الفن.

الفنان القدير المرحوم غني حكمت قدم أعمالا محترمة لكن العمل بالجملة سحبه لعمل فيه عيوب. لقد جرته أمانة العاصمة من فنه المتقن إلى هذه النتيجة. كان عليه، رحمه الله، أن يرفض، ولكنها الحاجة التي لم يتحرر منها أديب في العراق ولا فنان، جعلته يوافق على جملة أعمال.

جملة ملاحظات على منجزه، تمثال نازك الملائكة وهذه الملاحظات التي أذكرها "اجتماعية" لكنها مما يحتاج لها الفنان، أترك الآن ملاحظاتي الفنية، فلدى الفنانين العراقيين ما هو أكثر منها وأدق في هذا العمل الفني أو ذاك.

من يعرف الشاعرة المحترمة نازك الملائكة ومن رآها في التدريس أو في لقاء ثقافي، يعلم جيدا كم هي متحفظة في ملابسها. هي من عائلة كريمة محافظة ولا يمكن أن ترى يوما مفتوحة أعلى الصدر وبارزة الأثداء. هي كريمة محتِد وقد ارتكبتم خطأً مؤسفا في حقها. هي سيدة غاية في احترام النفس والانتباه إلى الجلسة واللبس والحركة كان واجباً على الفنان أن يأخذ ذلك في الحسبان.

اما ان يوضع تمثالها في الساحة العامة، مفتوحة أعلى الصدر وناهدة الثديين فهذا خطأ خطأ خطأ!

ثانيا، لم يشاهد أحد يوما من كل الذين تعرفوا على السيدة الملائكة من تدريسيين إلى مثقفين أنها وضعت ساقا على ساق واتجهت بحذائها إلى الناس أو إلى الأفق  على طريقة الانجليز أو الأميركان هذا خطا آخر في اللياقة الاجتماعية لا يليق بالسيدة الملائكة العراقية المحافظة. الفهم الاجتماعي مطلوب قبل العمل والتعرف على مستوى العائلة وطبيعتها مطلوب والإلمام الدقيق بروح "المحافظة" للعوائل الكريمة، التي احتفت بها الشاعرة طول حياتها، مطلوب. هذه كلها أمور جوهرية لكي لا نخطئ بحق المحتفى به وبحق طبيعة العائلة في تلك الفترة من التاريخ الاجتماعي للعوائل العراقية وسيدات البيوت الوجيهة.

بعد هذا، ما هذه الكثرة المزعجة من الشواهد الشعرية على جوانب التمثال؟ هل هو نشرة مدرسية؟ كان يمكن أن تكون كتابات، شواهد، بتاريخ حياتها، أعمالها الأدبية، ما قيل في انجازها وبخط معقول الحجم يتم اختيار خطاط فنان مجيد يحسن إخراجه... وأن يكون من الخطاطين المعروفين ولا يزيد على بضعة سطور موجزة تعطي معرفة وتعريفا.. ولعلم السادة في أمانة العاصمة أن أحد الأبيات المنقوشة على التمثال فيه خطأ عروضي. ذلك يعني أن أحدا متخصصا لم يراجع النصوص.

أحيي القائمين على تزيين ساحات بغداد بتماثيل الناس الذين أبدعوا أو خدموا الأمة والوطن. لكنني في الوقت نفسه لا أريد الجهلة يتبنون أمور الفن ويحكمون الفنان بشروطهم فيفسد العمل الفني، وينال الفنان الضرر ويلحق الخطأ بمن أردنا الاحتفاء به!

أرجو أن تكون الملاحظات مفيدة للأعمال القادمة التي ننوي انجازها، فذلك هو لا غيره ما يتمناه الجميع. تعبنا من الأخطاء يا الهي! لقد أربكوا الرؤية حتى على الفنان الذي يرى !