الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
صرخة شعب في زمن الانهيار
الثلاثاء 09-10-2012
 
حسن الكعبي

الفيلم المصري (صرخة نملة)

الفيلم المصري ( صرخة نملة) الذي أخرجه المخرج سامح عبد العزيز وكتب قصته طارق عبد الجليل وأدى أدوار البطولة فيه عمرو عبد الجليل ورانيا يوسف وأحمد وفيق ويوسف داوود واخرون، هو من بين الأفلام القليلة التي ظهرت في أعقاب انهيار حكومة مبارك، تميز الفلم بأنه من نوعية الأفلام الواعية التي لم تتخذ طابع المبالغة والدعائية غير المبررة ضد الخصوم، بل أنها كانت تعنى بالأسباب التي أدت إلى الانتفاضة الشعبية بعد سلسلة الانهيارات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدها المجتمع المصري ،وهي انهيارات تتوزع بين الطابع الاقتصادي عبر صعود الانتهازيين والمتسلقين من الكانتونات الحزبية التي تتخذ من السياسة غطاء للصفقات التجارية التي تستنزف المال العام للشعب ، وهو استنزاف يعود بالضرر على المجتمع المصري فمع الثراء الفاحش للسياسيين هناك فقر مدقع للمجتمع كحتمية تحكم حركية السوق فثراء الطبقات العليا المتسيدة يستدعي فقر الطبقات التحتية أو الدنيا، والفيلم حرص على السير بخيطين خيط إظهار هذا النوع من الثراء بالتوازي مع خيط الانهيار بإبرازه لحتمية ان الفساد السياسي يستدعي فسادا اجتماعيا مضاعفا .

تدور أحداث الفيلم حول بعض الأسرى الذين اعتقلتهم القوات الأميركية بعد دخولها إلى العراق واعتقالها لبعض الأشخاص من جاليات أخرى ومن هذه الجاليات بعض الأشخاص المصريين ومنهم شخص يدعى جودة يؤدي دوره( عمرو عبد الجليل) الذين تطالب الحكومة المصرية بالإفراج عنهم بعد ستة أعوام من الاعتقال من قبل الأميركان، ويتحرك الفيلم منذ عودة الأسرى باتجاه إبراز الطابع التهكمي والانتقادي عبر نوعية القفشات التي يطلقها جودة بعد لقائه بالإذاعات التي تجمهرت أمام مبنى السفارة المصرية بعد وصول الاسرى والتي كانت تسعى (أي الصحافة) إلى تلميع صورة السلطة في حين أظهر (جودة) في حديثه مع الإذاعة وبطابع كوميدي انتهازية السلطة التي لم تطالب بالأسرى إلا بعد أن أصبحت أميركا تهدد مصالحها .

يظهر هذا النوع من التزاوج بين الكوميديا السوداء والتراجيديا ( وإن كانت الكوميديا السوداء هي تراجيديا مأسوية من نوع خاص) ، عبر مشهد استدعاء (جودة) لمقر المخابرات المصرية، وتوجيه نوع من الأسئلة الصارمة التي تحمل نبرات من التوعد يوجهها ضابط التحقيق والذي يؤدي دوره النجم السوري داوود سلوم، التي لم يتخلص منها جودة إلا بتدخل عضو البرلمان، يؤدي دوره الفنان القدير ( حمدي أحمد) .

مأساة (جودة) تتكشف بعد أن يشاهد التغييرات التي حدثت في المجتمع المصري التي ازدادت سوءا بعد هذه المدة التي قضاها سجينا في العراق، فالفقر في تزايد مستمر وتردي الخدمات بلغ حالة لا تطاق، والأسر المصرية نتيجة لذلك في حال من التفكك دفع بكثير من العوائل للتخلي عن أبنائهم أو دفع بناتهم للاتجار بالجسد، بل والبكارة التي يرتفع ثمنها بالنسبة لطلابها من الأثرياء العجزة، هذا الواقع المزري يكتشفه جودة في رحلة بحثه عن زوجته ( رانيا يوسف) التي اعتقدت أن زوجها قد توفي بعد كل هذا السنوات فتضطر للعمل كراقصة لإعالة ابنها، ولكنها تتعرض لا بتزاز أبيها فتضطر لهجرة البيت بدون رجعة ومن بعدها تسافر إلى واحدة من دول الخليج وتترك ابنها في عهدة خالها الانتهازي، حيث يعتبر ابنة أخيه مصدر ربح سهل إضافة إلى استغلاله لولدها وتسخيره على صغر سنه لأعمال شاقة.

تترافق هذه الانتهازية الاجتماعية مع الانتهازية السياسية في سياق المنظور الطباقي الذي يشير في إطار ثنائية السلطة والمعرفة إلى التأثير المتبادل بين السلطة كبنية فوقية والمجتمع كبنية تحتية ومادة للفحص للمعرفي، وذلك مايظهر في رفع قضية من قبل (جودة) تشكك بنزاهة الدستور الذي استغل جهل المجتمع في التصويت على مواد تصب في صالح السلطة وتعود بالضرر على المجتمع نتيجة  لجهل اكثر الشرائح للقراءة، ولذلك فإنه يقدم نماذج من المجتمع كعينة على الاستغفال الحكومي، خصوصا أن العينات المقدمة لا تتذكر أي بند من البنود التي تم التوقيع عليها، إزاء هذا التصعيد من قبل جودة، الذي ينشغل بمحاولات الإصلاح في المجتمع، وينسى البحث عن زوجته التي لم يعثر عليها بسبب تمويهات خالها، فإن الأجهزة الأمنية تعتقله وتخضعهإ لى تعذيب مذل وتقترح أن يكون (نملة) التي يتخذ الفيلم عنوانه منها، إزاء ما يحدث في الواقع، يذعن جودة لهذه المطالب، ولكنه بعد فترة ومع تفاقم الأزمات يعاود الظهور بمظهر الثوري فتلجأ الحكومة إلى إدماجه بعملها واستخدامه كواجهة للتموية على صفقات تجارية مشبوهة براتب ومنصب مغر.

 وفي واحدة من رحلاته إلى الخارج  لعقد صفة تجارية مع مستثمر خليجي وشريك لمستثمر يهودي يكتشف جودة أن حجم الفساد أكبر بكثير مما كان يتوقعه خصوصا مع حفلات المجون التي أقيمت على خلفية هذه الصفقة التي ضمت نساء من مختلف الجنسيات ومن بينهن زوجته التي يشاهدها في وضع مزر مع واحد من رجال الأعمال الأجانب، فيغادر الحفلة وهو في هيجان وبعد حوارية بينهما تحاول فيها أن تشرح الظروف التي دفعتها إلى ذلك ، إلا أنه يطلق عبارة دالة (أنت طالق وبكدة تنتهي الروابط بيننا بس في رابطة ما تنتهيش وهي انك أم ابني) الدلالة الرمزية في هذه العبارة هي الطلاق مع مصر التي بيعت بالكامل للأجنبي، لكن رابطة الأمومة بها لن تنتهي، ولذلك فإنه يعود إلى مصر، وهناك تبدأ شرارة الانتفاضة التي بدأت تهدد السلطة وفي محاولة منها لتبرير أفعالها تشن حملة على رؤوس الفساد الذين هم في الحقيقة المستغفلون والمستغلون من الساسة ك(جودة) وأمثاله، ولذلك فإن جودة يهرب ويختبىء في العشوائيات، ولكنه بعد أن يسمع الثورة في ميدان التحرير وهي تطالب بالتغيير يقرر الخروج والالتحاق بموكب الرئيس ورغم تحذيرات أصدقائه إلا أنه يجري بسرعة ويشق صفوف الحماية ومع جريه تتوالى صور الفساد إلى أن يصل إلى سيارة الرئيس فتطلق الحماية عليه الرصاص لكنه يصل إلى سيارة الرئيس ويكتشف أن السيارة فارغة في دلالة بأن لاوجود للرئيس ولا للحكومة، بل فقط لشعب يتظاهر ضد أجندة خارجية حولته إلى دخيل في بلاده .

ينتهي الفيلم بظهور صور حية وثائقية مع قصيدة معبرة عن الواقع المزري الذي وصلت إليه مصر في زمن الاستبداد السياسي، والفيلم في المحصلة الأخيرة رغم أنه لم يخل من هفوات إلا أنه توافر على عناصر النجاح والأداء المميز لأبطاله سيما عمرو عبد الجليل الذي أظهر إمكانية في التنوع بين الكوميديا والتراجيديا أو المزج بينهما وهو ما يستحق الإشادة .

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
أدباء العراق يستنكرون اقتحام ناديهم الاجتماعي: على القوة المقتحمة تقديم الاعتذار
"جراح القلب معارض لحملة القمع".. من هو مسعود بزشكيان الفائز بانتخابات الرئاسة الإيرانية؟
بعد توقف 10 سنوات.. الجوية العراقية تعلن بدء تسيير رحلات بين بغداد وبكين
راصد جوي يبشر العراقيين بانخفاض في درجات الحرارة ويحذر من الكهرباء
ما علاقة "جماعة القربان"؟.. البصرة تسجل 70 حالة انتحار في 6 أشهر
ستارمر: عملنا عاجل، ونحن نبدأه اليوم!
السويد تتحرك بعد حكم بالإعدام على 3 من مواطنيها في العراق
السوداني: زيارة بارزاني لبغداد مهمة .. بارزاني: سعيد جدا بلقائك
بغداديون يحاربون الصيف بـ"مراوح الماء" ويطالبون الأمانة بانقاذهم
متفجرات تحت جامع النوري الكبير في الموصل تعلق أعمال إعادة إعماره
أميركا تعرض "صياغة جديدة" لمقترح وقف إطلاق النار في غزة
الزميل العزيز موسى مشكور (أبو نضال).. وداعاً
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة