في الوَسَنِ يُكلِّمُ أرواحاً جريحةً ويصفِرُ لحنَ (لِمَ الشموعُ مُطفأة) يسمعُ في ذُروةِ اللحنِ صريرَ مزلاجٍ وفي أوجِ يقينِهِ يقول: إنّهُ الجحيمُ ثانيةً. مُؤلمٌ هذا المصير. غمغَمةُ الموتى تضجُّ إثرَ كلِّ خيبةِ أمل. الليلةَ سبتٌ في الجدارِ يحفرُ ما أمكنَ فربما تسرَّبَت روائحُ من قارّتهِ الضائِعة. يعاودهُ الكابوسُ ذاتُهُ، لا يَدَ لتَحنُوَ عليهِ، لا بشائِرَ ولا وُعود.
تدخلُ المشهدَ امرأةٌ، تَملأُ أوقاتَهُ بالضجيجِ، تقرَعُ البابَ عادةً ساعةَ إنصاتِهِ لنفسِهِ، تطلُبُ هواءً أو ماء وفي الربيعِ الماكرِ حينَ تجوبُ أرضَ الأحلامِ فإنَّ وقعَ أقدامِها يؤلِمُه. يحاربُ ضدَّ تعاسةِ الخطى التي تتناءى. وكي لا تنامَ وحيدةً يشحذُ فأسَهُ ويُجهزُ على بقيّةِ الزمن.
حياةُ المحارِبِ ثرَّةٌ وجِدُّ مُؤلمةٌ. يُصارعُ من أجلِ دوامِ الخُضرةِ وأن لا تُذرَفَ دمعة. يَقِظاً يرقبُ كالنَسرِ أنثاهُ مِن علٍ وينقضُّ بِحُنوِّ فراشة.
فيما تنوءُ المرأةُ بكومٍ من القَشَّ تكوِّرُهُ وترتقي لا مُباليةً تحت مطرٍ خفيف، حيثُ في كلِّ ركنٍ من قصرها الذي يتناوبهُ الأنينُ، شمعِدانُ فِضّةٍ تعبثُ بهِ الريحُ. تُشعلَ بعنادٍ حطبَ يأسِها لِتَدْفأَ.
وفي انتظارِ روائِحِ (أنتاركتيكا) يُسمعُ عبرَ الشقوقِ وقعُ خُطىً تتسارعُ. يقولُ وفي فمهِ يخفتُ الصفيرُ: أعرِفُها من الطَرْقِ الذي يُفزِعُ الموتى. في المشهدِ امرأةٌ في الفناءِ تتَّقي زمهريرَ الوقتِ بجِلبابها المرفُوِّ، تسألُ عودَ ثِقابٍ. المحاربُ رجلٌ نبيلٌ، بِشكيمةٍ يُقاتِلُ ويموت من أجلِ أن لا تَذرَفَ امرأةٌ دمعةً ولا تنامَ مُطفأةَ الشموع.
* شاعر عراقي مقيم في كندا