الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
النص المفتوح والالتفاف على المعنى
الإثنين 22-10-2012
 
حسن السلمان

من بحوث مهرجان الجواهري التاسع

 يرتبط مفهوم النص المفتوح ‏بالمنظر الايطالي ( امبرتو ايكو ) ‏بوصفه نصا تعدديا  قابلا  للتأويل ‏والانفتاح على مجمل الأنشطة ‏الثقافية الإبداعية وهو بالضرورة ‏والنتيجة، نص متعد لبنيته ‏الداخلية على مختلف مستوياتها ‏الجمالية والخطابية والزمنية ‏خلافا للنص المغلق  بوصفه نصا ‏مكتفيا بذاته على المستوى ‏الدلالي وعلاقته التي لاتتعدى ‏حدوده النصية.حيث يفترض ‏بالنص المفتوح توافره على ‏منظومة من الفجوات والبياضات ‏واللامتحقق وهي مساحات ‏متروكة أو متاحة للمتلقي الذي ‏يعتبر أحد طرفي معادلة احياء ‏النص المفتوح لملئها والاستحواذ ‏عليها تفاعليا أو تشاركا نصيا ‏لإنتاج المعنى

والمعنى هنا ليس ‏المعنى المستقر بطبيعة الحال  ‏وهو أيضا ليس المعنى المحدد ‏بمشيئة المؤلف وذلك عبر شروط ‏وإمكانيات عديدة  يجب أن تتوافر ‏لدى المتلقي وفي النص على حد ‏سواء. منها مايعرف بالموسوعة ‏حسب ايكو والتي تعني وجود ‏الأرضية المعرفية المشتركة بين ‏النص والمتلقي بوصفها رصيدا ‏لغويا وثقافيا عاما، لذلك: ( فإن ‏أي فعل للقراءة هو تفاعل مركب ‏بين أهلية القارئ، أي معرفة ‏الكون الذي يتحرك داخله القارئ ‏وبين الأهلية التي يستدعيها ‏النص لكي يقرأ قراءة اقتصادية ). ‏ومن إمكانيات قراءة النص ‏المفتوح بوصفه فعالية انتاجية ‏هو تحديد الموقع الافتراضي الذي ‏يحدده ايكو بالأداة السابقة على ‏النص أو الترسمية التي يفترضها ‏المتلقي التي تعني التصورات ‏الحدسية الأولى لتحديد مسار ‏القراءة وفقا للإشارات التمهيدية ‏كالديباجات والعلامات التي يقدمها ‏ويبثها النص تاركا حرية الاختيار ‏للمتلقي في تحديد وجهته ‏القرائية. كما يدخل ضمن ‏إستراتيجية النص المفتوح ‏مايسمى بالعالم الممكن الذي يأخذ ‏المتلقي على عاتقه انشائه ‏اعتمادا على معطيات النص.‏

‏ من خلال ماتقدم يتضح جليا فيما ‏يخص عملية التأويل أنها محددة ‏بآليات وسقوف للحد من السقوط ‏في براثن التأويل الذهاني وبالتالي ‏الوصول الى حالة من العدمية ‏والعبث واللاجدوى. كما يتضح أن ‏عملية القراءة تخضع لنوع من ‏التكافؤ المعرفي والانتاجي بين ‏النص وبين المتلقي كما لو أنها ‏عقد بين طرفين متناظرين.‏

‏ وقبل الدخول في مقاربة نقدية ‏مقارنة بين مفهوم النص المفتوح ‏كما تقدم وبين فهمه واجرائياته ‏لدى الشاعر والباحث خزعل ‏الماجدي، علينا التنويه بأن النص ‏المغلق لايعني فقط من استقر ‏معناه بل يتعدى ذلك الى النص ‏الذي لايمكن تحديد معناه. في ‏بيانه الشعري ( سينوغرافيا ‏الفضاء الشعري) يعرف الماجدي ‏النص المفتوح بأنه ( نظام شعري ‏مفتوح له بداية وتفاصيل ولاتحدّه ‏نهاية بل يكون تائهاً وقابلاً ‏لنهايات كثيرة. وبذلك يصبح ‏أميبياً وغير محدد .. و يمتاز ‏بغباريته وامتداده وفضائه ‏السينوغرافي وتشتيت الفكرة ‏الشعرية وجعلها متنا مثل دخان ‏في فضاء وربما ظهر الاستطراد ‏أو الشرح . نص رجعي ماقبل ‏حداثي ... و يعتمد على البذخ ‏اللغوي ويسعى لتفجير اللغة ‏وشحنها وتصادمها وهو نصٌّ ‏لغوي بالدرجة الأولى، كما لو أن ‏اللغة كائن من كوكب آخر إن جاز ‏التعبير لاكائنا معبأ بمختلف ‏بضائع ومحمولات الثقافة .. ‏والتركيب العضوي والخلط الحر ‏هما أساس النص المفتوح ويمكن ‏الحذف أو الاضافة في سياق ‏العمل .. ينفتح الشعرُ على ‏السرديات الحكائية القديمة وعلى ‏السير والتاريخ والحوليات ‏ونصوص الجغرافيا ونصوص ‏الأحلام والخرافات والملاحم ‏الشعبية وأصناف الشعر الشعبي ‏القديم والأغاني وغيرها هذا من ‏جهة الأدب القديم، أما من جهة ‏الدين فينفتح على النصوص ‏الكتابية المقدسة والنصوص ‏الأسطورية ونصوص التصوف ‏والإشراق والغنوص بشكل عام ‏ويحاول(إعادة تركيب) الطقوس ‏والدورات الدينية المقدسة ‏الآخروية ونصوص العود الأبدي ‏وغيرها).‏

‏ إن هذه المقتطفات من بيان ‏الماجدي تكشف أو تقدم لنا نصا ‏في غاية العدمية والاقصائية ‏والفوضى وللأسباب التالية: ‏فبدلالة قوله أن النص المفتوح ‏نص تائه أميبي وبلا حدود، فان ‏ذلك يعني وقوعنا ( وأنا هنا ‏أفترض وجود القارئ حيث لم ‏يشر الماجدي في بيانه لامن قريب ‏ولامن بعيد لوجوده بشكل ‏مشخص كطرف لازم في القراءة ‏وهي نظرة متعالية اقصائية لأهم ‏عنصر من عناصر حياة النص أي ‏نص) في التأويل الذهاني والعبث ‏‏. وبدلالة قوله من أن لغة النص ‏المفتوح من كوكب آخر وخالية ‏من البضائع والمحمولات الثقافية ‏وقبل ذلك قوله انه نص لغوي.. ‏الخ يكشف لنا عن رؤية يوتوبية ‏لا وجود لها الا في أحلام الشاعر ‏ويتنصل من روافد السيرورة ‏التاريخية الحافلة بالمتغيرات ‏سواء كانت اضافات أو تجاوزا ، ‏وبذلك يبتعد عن صفته كمثقف، ‏أي فرد ملتزم بمختلف اشكاليات ‏الحياة وقضاياها. وبدلالة قوله من ‏أن أساس النص المفتوح هو ‏التركيب العضوي والخلط الحر ‏والحذف،  فأننا نجد أنفسنا إزاء ‏تناقض واضح فكيف يكون النص ‏المفتوح مركبا تركيبا عضويا ‏والعضوية كما هو معروف تعني  ‏وجود وشائج  وصلات بين ‏مكونات النص حيث تؤدي الى ‏التماسك والنظام والضبط  وبين ‏الخلط الحر الذي يعني البعثرة ‏والفوضى ؟. كما أن قوله بأن ‏شاعر النص المفتوح يحاول ‏‏(إعادة تركيب) الطقوس ‏والدورات الدينية الخ .. يوحي، ‏أي عبارة إعادة التركيب بأننا ‏إزاء حالة تحبيك مجردة لهذه ‏المواضيع دون التطرق الى ‏انتاجها وتحبيكها تحبيكا معنويا. ‏كما يؤكد قوله بغبارية ‏واستطرادية وبدائية ورجعية ‏النص المفتوح حيث يثير قوله في ‏البيان إن النص المفتوح  نص ‏رجعي ماقبل حداثي قضايا عديدة، ‏منها أن نص الماجدي المفتوح ‏نص لايمت للثقافة بصلة بوصفها ‏تحضرا وتمدنا وتطورا،  إذا ما ‏عدنا الى توصيف الثقافة لدى ‏تيري ايغلتون في كتابه (فكرة ‏الثقافة) حيث نجدها انتقالا من ‏مرحلة البداوة والزراعة أو ‏المحراث  إلى التحضر والرقي ‏وتشذيب الجانب الفطري ‏المتوحش للإنسان.‏

‏ وبعبارة أخرى أن الثقافة هي ‏عملية تأهيل أوتنمية (للنواحي ‏الفكرية والجمالية والجمالية) ‏وليست ارتدادا ووعيا بدائيا ‏ورجعية واستطردا لا ينسجم مع ‏ايقاع العصر بديناميته واختزاله ‏للكثير من القضايا التي تؤدي الى ‏الترهل والتفكك واللامعنى. ‏واستدراكا لما تقدم من رؤى ‏الماجدي، وبالعودة إلى مجاميعه ‏الشعرية وعلى وجه التحديد ( ‏خزائيل) يتضح جليا أن الماجدي ‏اختط له نصا مكتفيا بذاته ‏متمحورا حول شخصيته التي كان ‏مهووسا بأسطرتها عبر إحاطة ‏نصه بهالات من الغموض ‏والشطحات الغنوصية الهذيانية ‏الى درجة أن تسمية كتابه ب( ‏خزائيل) تعني في اللغة الآرامية ( ‏الله يرى أو رؤيا الله) كما ورد في ‏حوار أجراه مع الكاتب عبد الجبار ‏العتابي، ليصبح المعنى  ملكية ‏خاصة لايمكن الاقتراب منها الا ‏لمن امتلك تأشيرة دخول خاصة ‏الى عوالم نصوصه الكهنوتية ‏بطلاسمها وألاعيبها اللفظية ‏وادعاءاتها بالقدرات الاعجازية ‏لنفاذ الذات الشاعرة من مسامات ‏الكون لمعانقة المطلق والتمتع ‏بخزائنه واسراره الخفية.‏

‏ المستغرب في أمر الماجدي أنه ‏قال في حواره: (  بدأتُ التفكيرَ ‏بكتابة خزائيل في مطلع ‏الثمانينيات عندما وضعتُ، فجأة، ‏في جبهة الحرب العراقية ‏الايرانية، وكان الناس يتساقطون ‏مثل أوراق الشجر).وهنا يتضح ‏وبشكل لا لبس فيه التفاف ‏الماجدي على المعنى في نصه ‏المفتوح على كل شيء الا المعنى، ‏معنى أن يكون المبدع المثقف ‏أمينا على نقل تجربته كما عاشها ‏كتفا لكتف مع الواقع بما هو كذلك ‏ومع آلاف الضحايا الذين وصفهم ‏بأوراق الأشجار المتساقطة لا أن ‏يحاذي تلك المآسي ويصغي إلى ‏ذاته حصرا ويصدع رؤوسنا بتلك ‏الاسطوانة المشروخة عن ‏المصير واسئلة الحياة والموت ‏وشطحات الغنوص جنبا الى جنب ‏مباهجه الروحية ذات الصبغة ‏المثالية الصرف. ‏

• مجتزأ من بحث مطول ألقي في مهرجان الجواهري الذي اقيم للفترة بين 11 - 13 / 10/ 2012

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
أدباء العراق يستنكرون اقتحام ناديهم الاجتماعي: على القوة المقتحمة تقديم الاعتذار
"جراح القلب معارض لحملة القمع".. من هو مسعود بزشكيان الفائز بانتخابات الرئاسة الإيرانية؟
بعد توقف 10 سنوات.. الجوية العراقية تعلن بدء تسيير رحلات بين بغداد وبكين
راصد جوي يبشر العراقيين بانخفاض في درجات الحرارة ويحذر من الكهرباء
ما علاقة "جماعة القربان"؟.. البصرة تسجل 70 حالة انتحار في 6 أشهر
ستارمر: عملنا عاجل، ونحن نبدأه اليوم!
السويد تتحرك بعد حكم بالإعدام على 3 من مواطنيها في العراق
السوداني: زيارة بارزاني لبغداد مهمة .. بارزاني: سعيد جدا بلقائك
بغداديون يحاربون الصيف بـ"مراوح الماء" ويطالبون الأمانة بانقاذهم
متفجرات تحت جامع النوري الكبير في الموصل تعلق أعمال إعادة إعماره
أميركا تعرض "صياغة جديدة" لمقترح وقف إطلاق النار في غزة
الزميل العزيز موسى مشكور (أبو نضال).. وداعاً
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة