الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
الثقافة سياسة أيضاً
الإثنين 22-10-2012
 
ياسين طه حافظ

نعم، كيفما اتجهنا لفهم الثقافة، ‏سواء رأينا تضامناً خاصاً في ‏حركة مضمونها، أو رأيناهُ ‏اجتماعياً أو إنسانياً عاماً، فلسنا ‏نحن من اتجه ولكنها حركة ‏المجتمع صانع الثقافة. أعني بهذا ‏حركة العقل الجمعي الابتكاري. ‏ولهذا نحن بإزاء حركة مجتمع ‏وقدرات محركة خاصة، انبثقت ‏من العقل الجمعي لتقود هذه ‏الحركة أو لتؤثر في اتجاهاتها.‏

فبعد التصور الكلامي القديم في ‏السموّ المعرفي وانتحاء الثقافة ‏عن "غثاء" حركة الحشد، ‏صارت هي الفن والرفعة الذوقية، ‏والسلوك المهذب والى جوارها ‏الثقافة العامة يقودها الراديكال ‏الصعب والحاسم الذي أدخلها من ‏بعد في الشارع وفي صميم حركة ‏المجتمع. وبهذا صارت الثقافة ‏كلها ضمن حركة المجتمع، ‏الأساطير والفنون والمثل العليا ‏والأدب والعلوم الأساسية. وإذا ‏بقي الدين متنحياً بنوع من ‏الرفعة، فبقاؤه بطبيعة وبفعل ‏ايديولوجيين. بقاؤه سياسة ‏لفرض نظام وقوانين وحراك ‏دولة. لكنه في كل هذا يعمل في ‏ظل القوة المركزية أو محصلة ‏القوى الثقافية. وحده لا ينجز ‏فعلاً!‏

في العصر الحديث صار الأدب هو ‏وريث المهام الأخلاقية ‏والايديولوجية. وكما الثقافة حلت ‏محل الدين بين الجماهير الكادحة ‏‏(العامة)، صار الأدب يعمل ‏بطريقة شبيهة بالتي يعمل فيها ‏الدين: دينية رمزية، هوية ‏جمعية، وتوحيد الأخلاق العملية ‏والمثالية الروحية.‏

ولذلك اهتمت السلطات الشمولية ‏بالأدب لميزاته هذه، ولأنه حلقة ‏الوصل بين الثقافة والعامة. في ‏السياسة، التطبيقية، استفادت هذه ‏السلطات من جانب آخر لا يبدو ‏واضحاً، هو أن "الثقافة ‏الرفيعة"، كارهة التخلف ‏والدناءة، تحتاج الى منفِّذ فاعل ‏لرؤيتها في عيش وسلوك ‏الأكثرية. بعبارة أخرى، السياسة ‏تجعل من الثقافة الجمالية مدفعاً، ‏عصابة، قذيفة، أو خطابات ‏مرسومة بوعي ثقافي مُسَخَّر فهي ‏تنجز بالثقافة الرفيعة ما يرفضه ‏التصور الرفيع.‏

كما أن مجموعات الثقافة ‏المتنوعة والمتضادة، أو المختلفة ‏في أحسن حال، تستعين بالسياسة ‏أو برأس المال في تطورها وفي ‏الازاحات التي تريد. فالنازية، مثلا ‏ثقافة ونعرف أي رداءات قامت ‏بها! مشكلتنا إذن أن الثقافة كثيراً ‏ما تفعل ضد نفسها أو هي، كما ‏سنرى، تمارس حقيقتها ‏المزدوجة. في الثقافة مجموعات ‏متضادة، والحال الخارج عن ‏السيطرة هو سبب الفوضى في ‏العالم وهو، لا غيره، وراء محنة ‏الانسان! والمشكلة الأخرى، أو ‏الطامة الكبرى، ان للسياسة أيضاً ‏مجموعات متضادة او مختلفة في ‏الأحسن..‏

للأستاذ تيري ايجلتون رأي في ‏المسألة أوسع مدى: يقول: ‏المدافعون عن سياسات الهوية ‏يوبّخون حراس القيمة الجمالية ‏على مبالغتهم الزائدة في أهمية ‏الثقافة بوصفها الفن. غير أنهم ‏أنفسهم يبالغون في أهمية الثقافة ‏بوصفها السياسة. والحق أن ‏الثقافة هي ذلك الجزء من ‏السياسة الذي تضعه ما بعد ‏الحداثة في رأس جدول ‏أعمالها.."‏

إذن، نحن عملياً في صراع مع ‏أنفسنا. الثقافة الرفيعة التي ‏رأيناها فنا والثقافة "العملية – ‏النظرية" التي رأيناها سياسة. ‏مكونان في "حياة"، في جسم ‏واحد. والتضاد والاختلافات بين ‏المجموعات المكوّنة للأولى ‏نفسها والمجموعات الثانية بين ‏بعضها أولاً ثم بينها وبين ‏مجموعات الطرف الأول. هذا ‏يجعلنا في حراك دوّامي، نتيجته ‏أن التقدم يبدو يسيراً بالنسبة ‏لحجم الحركة وزخمها. نحن إذن ‏في حال الدوران على الذات. ‏والتقدم ناتج جد ضئيل من تزاحم ‏وتضاد كل هذه الطاقات. لا أظن ‏أن لنا الحق، علمياً، في الكلام ضد ‏السياسة وكأنها تكوين مستقل ‏ومعادٍ. الدراسات الثقافية اليوم لا ‏تترك للسياسة أي مجال خارج ‏الممارسة الثقافية. كما لا تترك ‏للتضامن السياسي أي مجال ‏يتعدى خصوصية الاختلاف ‏الثقافي. وهذا ما كان عليه الفهم ‏الكلامي أصلاً، لكنه لم يكن بهذا ‏الاشتباك.‏

لذلك تراني حين أرى أصدقاء ‏أدباء، نقاد أدب، يكتبون في ‏السياسة، وحين أكتب أنا عن ‏ضمنيات سياسية في النص ‏الأدبي، نحن لا نخرج عن ‏السياسة ولا عن الأدب، نحن في ‏عالمنا المشترك والمتكامل، أكثر ‏مما نحن في عالمين منفصلين ‏متضادين. وللعلم، أو لتقديم ‏‏"صحة صدور"، كما هو ‏المطلوب في العراق، أقول لا ‏يذهب بنا الظن بعيداً، الثقافة، ‏ثقافتنا نحن، لا تحرّك السياسيَّ. ‏السياسيُّ هو الذي يحرّك الثقافة ‏من داخل دائرتها ولا يُرى. لذلك ‏فهي، بين حين وحين تلفظ مثقفين ‏جيدين يخالفون عجينتها، تلفظهم ‏الى الخارج ليكونوا متفرجين على ‏لعبة دموية لها جمالياتها ‏المبهجة!‏

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
أدباء العراق يستنكرون اقتحام ناديهم الاجتماعي: على القوة المقتحمة تقديم الاعتذار
"جراح القلب معارض لحملة القمع".. من هو مسعود بزشكيان الفائز بانتخابات الرئاسة الإيرانية؟
بعد توقف 10 سنوات.. الجوية العراقية تعلن بدء تسيير رحلات بين بغداد وبكين
راصد جوي يبشر العراقيين بانخفاض في درجات الحرارة ويحذر من الكهرباء
ما علاقة "جماعة القربان"؟.. البصرة تسجل 70 حالة انتحار في 6 أشهر
ستارمر: عملنا عاجل، ونحن نبدأه اليوم!
السويد تتحرك بعد حكم بالإعدام على 3 من مواطنيها في العراق
السوداني: زيارة بارزاني لبغداد مهمة .. بارزاني: سعيد جدا بلقائك
بغداديون يحاربون الصيف بـ"مراوح الماء" ويطالبون الأمانة بانقاذهم
متفجرات تحت جامع النوري الكبير في الموصل تعلق أعمال إعادة إعماره
أميركا تعرض "صياغة جديدة" لمقترح وقف إطلاق النار في غزة
الزميل العزيز موسى مشكور (أبو نضال).. وداعاً
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة