تختلف أدوات المثقف في الألفية الثالثة عما كانت عليه في العقود الماضية، وهذا الاختلاف الكبير جدا منح المثقف فرصة أن يتواصل مع الجميع بلا حدود ولا رقابة وأن يوصل ما يريد إيصاله بأسرع وقت ممكن وبأقل تكلفة .ومنذ سنوات انفجرت مخرجات التكنولوجيا الحديثة لتستثمر في مناحي عديدة أهمها الجانب الثقافي وتفرعاته الكثيرة وباتت تمثل هذه المخرجات التكنولوجية حالة لا بد منها وضرورة من ضرورات المثقف في العالم بصورة عامة وعالمنا العربي بشكل خاص وخاصة، وإن هنالك ثمة فجوة كبيرة بين العالم وعالمنا العربي الذي وصلته هذه التكنولوجيا متأخرة جدا . لهذا نجد اليوم أكثر من ملياري شخص يستخدم الشبكة العنكبوتية في الحصول على المعلومة والثقافة معا، وبالتأكيد فإن العالم العربي لا يخرج عن نطاق هذه النسب والأرقام، خاصة أن الشباب العربي سخر تكنولوجيا المعلومات في تحطيم أنظمة استبدادية قوية في المنطقة في العامين الماضيين، وهنا نجد بأن الثقافة الرقمية أو (الديجتل) تفوقت على الثقافة الورقية أو بعبارة أدق المثقف (العنكبوتي) تفوق على المثقف التقليدي الذي وجد نفسه لا يجيد قراءة الواقع لأنه أصلا أبتعد كثيرا عن هذا الواقع وهنا يبرز السؤال عن الثقافة وأزمة التأثير.
وهنا علينا أن نسأل مدى استثمار المثقف للأدوات المتاحة أمامه لكي يكون مؤثراً؟ حقيقة الأمر.. قبل عامين من هذا التاريخ كنت في جلسة جمعتني وعدد من المثقفين ممن صالوا وجالوا في العقود الماضية لدرجة لم يتركوا شأنا إلا وكتبوا به ولم تخل صحيفة أو مجلة من نتاجاتهم آنذاك ، وكنت أتحدث عن دور التكنولوجيا الرقمية في نهضة الثقافة خاصة في العراق بعد عام 2003 ودور شبكة الانترنت التي أصبحت جزءا من متطلبات المثقف اليومية خاصة وإنها متيسرة وزهيدة التكلفة، كنت أتحدث وشعرت بأنني ربما فشلت في أن أجعل هؤلاء أن يدركوا معنى ما أقوله فكيف لي أن أجعلهم يقتنعون بأنني دائم التواصل مع الصحف وأطالع ما يصدر منها قبل أن تصل لبائع الصحف نفسه ؟ حاولت بشتى الطرق أن أوصل هذا لهم لكنني فشلت وأعترف بهذا الفشل الذي جعلني في لحظتها أشعر بأن هنالك فجوة ستحدث إن لم تكن قد حدثت بالفعل بين جيلين اختلفت أدوات استخدامها لنقل الثقافة فالأول تقليدي في كل شيء والثاني استخدم الحداثة وسخر التطورات العلمية وما توفره له من مواكبة سريعة جدا لما يدور في مختلف بقاع المعمورة دون أن يفقد ثقافته وتراثه وخاصيته.لهذا تشكل ثمة مشهد أشبه ما يكون بالخالي من التوازن الستراتيجي كما يحلو للبعض تسميته، المشهد التقليدي والأدوات التقليدية، والمشهد الثاني هو التواصل عبر الآليات والأدوات الجديدة التي تتلاءم والعصر الحالي .وبكل تأكيد فإن من يتربع على عرش التأثير في الرأي العام الآن ليس في العراق فقط بل في عموم العالم هو من يكون قادرا على استثمار ما متاح من أدوات تواصل توفرت بحكم التغيير الذي حصل في البلد أولاً وثانيا بحكم التطور العلمي الذي منحنا جميعا فرص متساوية للوصول لما نريد.