الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
ضياع مدنيتنا
الخميس 01-11-2012
 
صلاح حسن السيلاوي

شغلت الصحراء مخيلة المثقف العربي كثيرا، كونها تمتلك جزءا كبيرا من ذاكرته وحياته اليومية، إذ كانت وما زالت تسهم في صناعة المواد الأولية لكثير من تواريخه وأحداثه المهمة، الصحراء التي لا ينتهي حديث الثقافة العربية عنها إلا ليبتدئ مرة أخرى كونها تشكل محورا كبيرا في تلك الثقافة، وذلك لأن مرتكزات كثيرة في الأخيرة تنتمي أو تنسجم مع تلك الصحراء، ومنها القرآن الكريم، ذلك النص المحوري في حياتنا، وفي اللغة العربية، بوصفها ثوب معارفنا ومنجم مفاهيمها.  

تلك اللغة التي يتضح انتماؤها إلى الصحراء ولهجاتها، فضلا عن احدى صورها الرئيسة ومختبر قوتها وأقصد الشعر العربي الذي تربى بين صهيل الخيول ولمعان السيوف، ولا ننسى مقولات الصحراء من الأمثال والمرويات المشهورة التي تمثل عمقا يرفد وجود الصحراء ويؤسس لها في الشخصية العربية.

الحياة العراقية وعلى الرغم من امتلاكها لخصوصيتها المدنية والريفية تأثرت كثيراً بالمفاهيم الظلامية للصحراء، تلك المفاهيم التي ابتعدت بحياتنا عن ملامح فاعليتها وقوتها القائمة على ذهنية الاحتفال بالحياة، إذ لم يكن للصحراء التي هي احتفال  مختلف الصور بالموت، دور رئيس في حياتنا إلا ما كان مقبلاً إليها من خارج حدود التأثير العراقي.

العراق الذي كان من أوائل صناع المدنية في العالم،  يقول واقعه المعلن عنه اليوم، أنه يتناقض مع تلك الصناعة التي طالما ابتكرها على طول جغرافيته وعرضها، فلا انتماء عمراني ولا ثقافي واضحٌ يتوافق مع خطاب المدنية العالمية المتجهة لخدمة الإنسان بوصفه الهدف الأسمى الذي تذوب حوله كل القيم لتصب في مصلحة وجوده وبقائه، وليس هنالك أيضا خطاب مدني متوافق مع خصوصيات النخب المؤثرة في المجتمع أو الحاكمة، لا سيما النخب السياسية التي تحكم البلاد، فهي نخب تتصارع من أجل البقاء، تعيش دور الغابة الذي لا يمكن أن تتبلور فيه الهوية، إذ لم تحظ حتى الآن بضمان البقاء، فكيف تستطيع بلورة هويتها التي تمكنها من صناعة خطاب مدني متوافق مع تلك الهوية فيما بعد.

الثقافة العراقية التي طالما عاشت المدنية أو حلمها على الأقل، تعرف أنها ما زالت معرضة لهجمات الصحراء المحيطة بها، لذلك كانت وما زالت تلتف كثيرا حيثما تلتف الأنهار لتقيم مدنيتها وتقومها فتزداد خصبا، وتكون مناخا طاردا لقيم البداوة، إلا أن الأمر اليوم أصبح أكثر خطورة، فالصحراء لم تعد جِمالاً وسيوفا وبيوت شعر، بل هي أفكار تعشش في رؤوس ساسة ومتسلطين، يفكرون بالقيم  قبل الإنسان الذي صنعها، وبالحجارة قبل يده التي بَنتْها.

 بلادنا التي طالما كانت مثالا مدنيا مهما في المنطقة والعالم، ظلت تخرج من كل الأدوار الظلامية التي تجبر أن تمثلها في لحظة ضعف، تخرج إلى بهاء الحياة المدنية التي تجعل الإنسان وما يحيطه من حياة قيمة أولية ونهائية على الأرض، لهذا لا بد أن تكون هوية دولتنا، مدنية، ليست قبلية ولا بدوية أو دينية، مع الاحتفاظ بالاحترام لكل خصوصيات تلك العناوين.

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
السويد تتحرك بعد حكم بالإعدام على 3 من مواطنيها في العراق
السوداني: زيارة بارزاني لبغداد مهمة .. بارزاني: سعيد جدا بلقائك
بغداديون يحاربون الصيف بـ"مراوح الماء" ويطالبون الأمانة بانقاذهم
متفجرات تحت جامع النوري الكبير في الموصل تعلق أعمال إعادة إعماره
أميركا تعرض "صياغة جديدة" لمقترح وقف إطلاق النار في غزة
الزميل العزيز موسى مشكور (أبو نضال).. وداعاً
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي
بحضور الجالية العراقية.. نصب تذكاري للجواهري يضيف بهجة لعاصمة التشيك
صالات القمار.. بعضها لغسيل الأموال وأخرى تتبع لجهات متنفذة
المالكي يبحث عن "نهاية سعيدة".. ولاية ثالثة قبل تقاعده
في كردستان العراق مقابر منسية لنساء ضحايا جرائم العنف الأسري
في يوم مكافحة المخدرات.. بيان عراقي عن "المتاجرين الدوليين والمحليين"
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة