لم تكن (رسمية محيبس زاير) مجرد امرأة أقفلت دائرة النساء في حياة رجل اطمأن لفيض الحنان أخيراً، وإنما هي المرأة التي إن جاد بها الوقت اكتملت حياة الفرد...((قدرَك اللهُ عليَّ لحدّ (الملم))(الأعمال الشعرية لكزار حنتوش:358)، والحبيبة التي بدأت يوماً أثر آخر بإثراء معاني الحياة لدى الشاعر الحبيب (كزار حنتوش) إلى مناحٍ جديدة تمتلك أبعادها الحقيقية. وبعد أن أصلحت بوصلته منحته الوقت الكافي سنيناً نسيها في زحمة القصائد والأصحاب، ليكون كما يريد ويتصالح بشكل دائم مع نفسه كإنسان وشاعر. ولربما لم يفهم البعض من أصحابه أو يحب هذه العلاقة في حياة كزار، ليستمر في تفضيل صورة الشاعر الصعلوك، وهو دور كان الشاعر يلجأ إليه لفقدانه الملاذ الآمن، والذي انتظره طويلاً إلى أن وفرته العاشقة (رسمية) بصورة المركبة والمتعددة (أم – أخت – زميلة – حبيبة – شاعرة): ((طيلة عشرين عاماً/ وأنا أتشمم بحثا عنك/ كالكلب البوليسي/ لم يفلت من أنفي شيء/حتى مرت بنت المختار))م.ن:200
ومن حضر لحظة تهاوي النرجس (كزار) على الأرض في يوم تكريم الشاعرة (رسمية محيبس) في المكتبة المركزية/ الديوانية، لابد له من أن ينبهر ويشيد بقوة الآصرة بينهما، فقد ظلّت تدور بكل خوفها وهلعها حول الحلقة التي تكونت من مجموعة أصحابه غير المصدقين لما يحصل أمامهم، لتصل اليه كأم ذبح وليدها بين يديها دون أن تستطع فعل شيء ما وهنا ضاق المكان ولم يعد كافياً لحزن رسمية.وليس من الغرابة في شيء أمام بهاء المحبة التي أغدقتها الحبيبة (رسمية) أن يتنازل الشاعر (كزار حنتوش) عن ذاته ويسلمها ناصية أمره في سابقة عاطفية نادرة الحدوث: ((قوديني كخروف ضال/نحو ربيعك/خليني أرعى بين بساتينك/ أنت الطين الحري/ وأنا الماء))م.ن: 199
ومع ارتشافة الحب يوماً تلو الشآخر يزداد (بن حنتوش) إنسانية، بل سيتفوق على نفسه: ((بات بإمكاني أن أنسى/ وأصافح أعدائي/ أن أمشي تحت الأمطار الصيفية/ مرتدياً قمصان الماء))م.ن:214
ولشجاعة قلبه النادرة، وحبه الكبير لعاشقته يعترف الشاعر بسهولة لما لها من دور مهم في تكوين واقعه الأروع (كأسعد إنسان في العالم)، لازمة يرددها مثل قصائده: ((لولا فيروز/ وبغداد/ ورسمية/ لأقترنت ضفدعة بيّ/ وألقى العنز علي الفضلات/ ولكنت مجرد عربة/ دون وقود أو عجلات))م.ن: 201
لكنه لسبب ما امتنع عن تكملة القصيدة وقراءة خاتمتها وما تمثله من إعلان لحياته الحافلة بالحب والشعر ومفازات أميرته المدهشة: ((لا رسمية هذا اليوم/ لا صحو غداً/ اليوم غناء تحت التوت/ وغداً تابوت)) م. ن : 201.
حتى وفاته انسحب كزار عن حياة الصعلكة ليمارسها بخجل ووداعة دون ضجيج الآخرين المذهولين بهذا الوفاء النادر.
والذي مازال يواجه الإهمال والصمت، بينما يبقى الآخر يحتفي برموزه وأطرها بكل ما تستحقه من هيبة، فهل يملك الآخرون أروع من حبيباتنا اللائي واجهن الحرب وأهوالها لعقود كي يبقين دائماً ظل القصيدة التي نكتبها. ان تكريم الشاعرة (رسمية محيبس زاير) حبيبة وعاشقة وزوجة ورفيقة قصائد للشاعر الكبير (كزار حنتوش) تكريم لصور جميع الحبيبات الرائعات في الشعر العراقي، وذلك بالتأكيد جزء من الشأن الوطني، واعتراف جميل على مرجعية أول (قصيدة حب وأغنية حب)عرفتها البشرية على أرض الرافدين.