الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
الوهم الآخر
الإثنين 19-11-2012
 
ياسين طه حافظ

أدري تماماً لماذا ترتبط عندي الثقافة بالحرية أو الحرية بالثقافة. ربما هو الوهم بالأولى؛ بأن هناك شيئا اسمه الحرية. قد تكون خديعة كبرى وقد تكون حلماً من نوع تلك الأحلام التي ترد للمصابين بالحمى، فهي مرةً تكون الاستقلال الوطني ومرة تكون رفع الاضطهاد ومرة تكون السماح بالممنوع... إلى آخر أمنيات الناس أو استنجادهم مما يطأ نفوسهم ورؤوسهم. والغريب أن الثقافة تمرّرني بسلسلة من الإحباطات مشابهة لتلك التي مررتني بها الحرية.

أذكر سؤالاً ما يزال عالقاً في رأسي منذ 1960، حين دخلت أول معتقل في حياتي، وجدتُ أمامي الزعيم الكردي المرحوم صالح اليوسفي، ذلك الشيخ الحصيف الحكيم والهادىء هدوءعجيباً. قال لي حينها وأنا بعد في السنة الثالثة من "العالية": "نحن هنا لأننا لا طريق لنا غير هذا. أنت لماذا؟"

وسؤاله الذكي والعميق يعني: هل استوعبت عميقاً ما دخلت المعتقل من أجله؟ هل رأيت أن "المسألة" تستحق أن تفقد من أجلها حريتك؟ أو أنك لا تصل إلا من هذا الطريق؟ وربما كان معنى السؤال: هل ما تخيلته عرفتَ حقيقته؟ وهنا نعرف مصدر الحزن. فأنا الشاب، في الخامسة والعشرين مع هذا الشيخ القيادي في غرفة واحدة. هو رأى شيئاً واقتنع به، فهل أنا رأيته؟

نحن كثيراً ما ندفع أثمانا باهضة لما لا يستحق وكثيراً ما ساقنا الشائع العام عن مُدْرَكنا الشخصي. وكما السياسة تخدع وتضيّع، الثقافة تخدع وتضيّع.

فقناعتنا أننا بالثقافة ننقذ أرواحنا وبالثقافة نحمي القيم الإنسانية وبالثقافة نتقدم.. هذه كلها كما أرى الآن، أفكار قلِقة لا تقف أمام أول زوبعة، سيُعْصَف بها. وإذ بالقيم مستباحة وأرواحنا منكسرة ونحن بالثقافة قابعون في زوايا الغرف، ربما ننتظر هِبَةً أو أجرَ علاج. ومن زوايانا ننظر للاستعراضيين من الكذبة واللصوص والفاسقين وأدعياء العلم والفهم يزيحون سواهم ليخلوا لهم الطريق والمكان.

وإلا فهل ننتظر من الثقافة أن تقول للسياسة، بمعناها اليومي، كوني شريفة وتلك تقول "نعم؟" وهل نأمل من الثقافة أن تؤهل بشرية خالية من الصراع؟ شخصياً، لا أفهم سبب قناعتنا هذه، كيف وأن أكبر مؤسسة ثقافية هي أقل قيمة مادية من مصنع اسمنت أو مصنع بنادق؟ وأننا نرى مثقفاً كبيراً يمد يده لورقة نقدية من سياسي لا يحترمه، من حزبه أو من صحيفته أو من نثريات دعايته؟

غير هذا، هل ننتظر حقاً من الثقافة أن تمنحنا قيماً وأمان عيش فلا نخون ولا نبيع أسراراً ولا نكون عملاء وأننا نخلص في محبتنا ونبقى في مستنقعات العالم نظافاً؟ أظن أننا نقنع أنفسنا بما لا يُقنِع!

الغريب  أن الانسان ظل يصطنع لنفسه يوتوبيات، ينتقل من واحدة إلى أخرى، صغيرات قدْرَ حلم شخصي أو كبيرات تشترك بها مجتمعات، وربما العالم كله. وفي عصرنا ننتقل من يوتوبيانا الإنسانية النظيفة، العدالة الشاملة و الثقافة التي تنظم العالم وناسه، إلى السياسة التي ستؤسس أنظمة وقوانين وتمضي بالمجتمعات إلى الفردوس، وليس في جميع الأحوال سوى الجحيم!

يا سادتي لنواجه الحقائق ونستسغ المرارة أو لنَعْتَدْ عليها. كان الحاكم بعدد من جنده يشتري العلماء، يدفنهم أو يعيشون في ظله شحاذين. اليوم مؤسسات ضخمة برساميل وفضائيات وبرامج من الأرض ومن الفضاء، كلها تريد الإنسان كما هي تريد. كم تحتاج الثقافة لتغيّر الاتجاه؟

ما يفجع أن في الثقافة أيضاً مصالح، ادفع مالاً وابدل مثقفاً بمثقف. ادفع مالاً واشهر سلاحاً. ومادامت هناك أجهزة و"معاهد" يُصْرَف عليها، إذن المؤسسات اليوم تعيد صناعة البشر ليكونوا أتباعاً خُرْساً، وليكون الإنسان، في بعض منه في الأقل، آلياً يُوجَّهُ من بعد!

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
السويد تتحرك بعد حكم بالإعدام على 3 من مواطنيها في العراق
السوداني: زيارة بارزاني لبغداد مهمة .. بارزاني: سعيد جدا بلقائك
بغداديون يحاربون الصيف بـ"مراوح الماء" ويطالبون الأمانة بانقاذهم
متفجرات تحت جامع النوري الكبير في الموصل تعلق أعمال إعادة إعماره
أميركا تعرض "صياغة جديدة" لمقترح وقف إطلاق النار في غزة
الزميل العزيز موسى مشكور (أبو نضال).. وداعاً
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي
بحضور الجالية العراقية.. نصب تذكاري للجواهري يضيف بهجة لعاصمة التشيك
صالات القمار.. بعضها لغسيل الأموال وأخرى تتبع لجهات متنفذة
المالكي يبحث عن "نهاية سعيدة".. ولاية ثالثة قبل تقاعده
في كردستان العراق مقابر منسية لنساء ضحايا جرائم العنف الأسري
في يوم مكافحة المخدرات.. بيان عراقي عن "المتاجرين الدوليين والمحليين"
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة