الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
عين لخريطة المدينة مكان لجسد ذكوري على رمال خشنة
الثلاثاء 04-12-2012
 
خضير فليح الزيدي

يقول بنيويو المدرسة الفرنسية إن الكتابة على نسيج ورق القصب الخشن حتما ستسلك الطريق المؤدي إلى انفتاح النص .. هذا الأخير يؤدي بالنتيجة القطعية إلى اعتبار هذه المجانسة مؤسسة اجتماعية لها شفرتها أو حجبها المتوارية تحت عباءة منظومات المعارف الفكرية الحديثة.. هذه المؤسسة الاجتماعية تضم في حجرتها جميع أنواع إشكال الكتابة بما فيها هذا النص..

قلت: ترى هل يقرأون ما نكتب لمدنهم؟

( قيلولة ميشيل فوكو  .. رولان بارت .. باشلار.. بول ريكور .. في مقهى الفرات الصيفي  قبالة ضفة النهر.. لفك اشتباك نصوص المدن المفتوحة.. ثم محاولة وضع حلول مناسبة لعصيان المرادفات في الكلمات المتقاطعة،  التي تبيض ذهبا في فجر المدن الناتئة من العدم.. بعيدا عن مدن لا مرئية لكالفينو  وطنجة محمد شكري وجزائر البير كامو وأزقة القاهرة القديمة لنجيب محفوظ، تراني أشق طريقي  بين هؤلاء للبحث عن مدينتي الأرضية الضائعة..  اذ ازيح بعيني حواجز الاسمنت لاكتشف الخريطة الضائعة من الركام).

الآخرون مدن وأمكنة,, أنا  مفتاح وخريطة الاعمى للوصول الى الغاية.  مكين لمدينة استعارت التحديث وتركت الحداثة.. وضعت المساحيق فوق ندوب وجروح مندملة وثآليل نائلة وتجاعيد الهرم.. انا لست سوى رؤيا مفتاح لتاريخ منسي وخريطة مكان وذاكرة المحق الكلي للمدينة.. التسلسل الزمني للوقائع حتما سيشير الى أمكنة جرت عليها تلك الوقائع في حاضنة الزمن.. نحن مدن تؤسطر الشر والخديعة والمكر والهزيمة المرة وتتلذذ بطعم خيانة المدن..  أسطورة غدت رمزا للحزن والكمد والعويل.. تدوّن هوية سردية لأمكنة كادت أن تكون لولا  استعارات الاساطير النائحة..                                                      

                               

تداعي مكعبات الهرمينوطيقا

غريبة الأطوار هي اللغة المتداولة في سوق الهرج وكراج النقل الداخلي وصيادي السمك.. في علوة الاغنام.. في الحي الصناعي .. في سوق الخضار والسمك .. في أحياء أنصاف الأكمام .. في المجزرة .. في مقهى البنائين .. في الدهليز الرطب لشم  السيكوتين لصباغي أحذية الجيل الجديد..في حي التنك .. حي العدس.. أحياء الحواسم الجديدة .. في  حي أم الدود .. في تل العقارب .. في أم قِصة ..في  حي الطناطل .. في حي الشيشان .. في حي المعدان والحواسم .. أحياء تظهر للعيان وتختفي وفق عواصف موسمية.. اللغة خلطة عجيبة  وهجينة.. وضعت الأمم المتحدة في مكاتب الهجرة قاموسا للناطقين بالعراقية.. لفك التباس السودانيين المتلبسين في العراقية.. فالسوداني طالب اللجوء يختبرون بفك مصطلح(كمش على التيغة) او(اشطح يمعود) ..

اما تلك الاحياء فهي إحساس القاطنين تحت سقوفها إنها بيوت معيشة ليس الا .. طبق الستلايت ملمح الوجود وخدمة لإحساس أهمية ذلك المكان .. لولا الطبق الضاحك فوق السطح لما وجدت السقوف .. تقام السقوف لتحمل أطباق الفضاء  وتصطاد اللغة الفضائية المسرطنة.. فيما غدت دوائر الدولة والمصابة بالعطب أمكنة تشبه البيوت.. حتى إن ساكنيها أضافوا ملامح الوجود، فكتبوا على جدرانها (سكن عوائل.. اللهم صل على محمد وآل محمد) .. فيما الشفلات الديناصورية تكشر عن أسنانها لأطفال بيوت الحواسم كل صباح .. تقف أمام البيوت وتهددهم بابتلاع أسرة النوم والخرق البالية وصفائح الماء وأطباق الستلايت .. أمكنة مهددة بالزوال .. ذاكرة متخيلة وأخرى بصرية تعملان على إعادة المشهد قبل لحظة الزوال من خلال النظر في تفاصيل الأطلال الحزينة ..  لغتها موحدة تشبه لغة الطبيب المكتوبة.. في مدونته المكثفة .. لغة  مقطوعة اليدين والساقين.. يفض بكارتها صيدلاني طاعن في السن بعدما يضع نظارة القراءة على عينيه ويبدأ تفكيك مكعبات اللغة.. كلغة أهل السوق في رقصها على لسانات من مروا خلف حواجز الاسمنت العظيمة.. ترتبك اللغة داخل وصفة الطبيب خجلة من نحافة المعنى .. لكنها متداولة رغم الادغام في معظم حروفها الأخيرة .. مثل شرطي المرور في ميدان الساحة العامة  يشير لزوجته بالمرور نحو المطبخ بحركة يده المقنعة بالبياض.. يستفهم عن إشارات العبور والتوقف في لوحة الدلالة بخطوطها الحمر والزمارة الملغاة.. لغة أبناء الشوارع والشقاوات هي اللغة التي استل منها ما يدعم هذا النمط من النصوص الجديدة .. لابناء الأسواق لغة مبتكرة يختلط في متنها التكرار والإيقاع السريع وانسيابيتها على الألسن وإبعاد ما هو يصعب تلفظه، الكلمات مبتورة النهايات.. الجيم تتحول الى حرف الياء والقاف كافا مثقلة والهمزة عينا مثل دجاجة مجمّدة متحولة الى( دياية ) والسلم الى ( دري ) والمسؤول الى (مسعول) والهيئة الى (هيعة ) والمضطر الى (منطر)..والذي يتفلسف (يتفلفس) والمزيج (زميج) ورأس الخروف المسلوق الى (باجة) .. هكذا تنتحر لغة المدينة الأم وتحل محلها وليدة من بغة ما خلف حواجز الكونكريت لتلك الأحياء المسورة والأسواق المشار اليها سلفا مختلطة مع لغة القرى والأرياف ومستنقعات الاهوار المحيطة لها .فهي اذن لغة الحقبة.. إذ يكون زمنها سريع الزوال كالإحياء التي ذكرت.. حتى تنشأ البدائل اللغوية الجديدة وفق تاريخ الكولينياليات الجديدة ..

جسد ذكوري

خريطة المدينة أشبه بأثر لجسد ذكوري قد حفر مكانه على الرمال الخشنة .. سرعان ما يتحول عندما تهب رياح السموم الى شكل هلامي.. رجل ينام على الرمال.. أو امرأة فخذاها الفرات وشطيط ووركها من حواجز الاسمنت أطرافها بقايا أثر لبساتين محيطة بمربع المدينة .. تحت مستوى النظر منظور متعال، لا يمكن اعتماده في تفكيك ظواهر المدينة، كان الأجدى اعتماد المنظور الأفقي والموازي لبقر باطن الفضاء .. ذلك مناسب في تنامي قطع الدومينو وتضخمها لتصبح عمارة شاهقة متخيلة لدى ابن الشارع .. عندما تنهار قطعة من حواجز الكونكريت ستنهار المدينة او قل تحترق الأحشاء  في منظورها الأفقي يظهر داخل صورة المدينة .. شخوصها المترددين في أسواقها وشوارعها ..تجار ولصوص وفقراء يتحركون بظل الجدار .. موظفو المشفى العام .. معلمو المدارس والبريد.. حلاق ومركب أسنان وختّان وحداد ونجار ونداف وصائغ  وصفار و معمار وشغيلة بأجر يومي .. علوة للحنطة والعلف ومقاهي وفندق بنجمة يتيمة.. هل هكذا تتشكل المدن الجديدة ؟؟  لمديرية البلدية قسم يعنى بتخطيط المدن.. فيه أربعة موظفين ومهندس واحد . تنحسر وظيفتهم بتخطيط ورسم الخرائط للمساحات المتروكة في رقعة المدينة وفق قاعدة حضرية غالبا ما تعتمد النظام الفرنسي في توزيع العرصات وترك مساحات متروكة كحدائق مستقبلية أو ساحات رياضة أو لإنشاء مدارس ورياض أطفال وغيرها .. تتحول الى مساكن للحواسم .. تخطط المدينة وفق آلية حضرية في توزيع العرصات المتراصة الى قطاع  مزدوج ومن ثم شارع رئيس وثلاثة أخرى ومساحة متروكة كحديقة مستقبلية .... كل  ثلاثة قطاعات  هي منطقة وكل ثلاث مناطق هي حي وكل ثلاثة أحياء هي مدينة لمستقبل خال من حواجز الاسمنت المرعبة ومفتاح  لخريطة تؤدي لمدينة وديعة وغافية على ضفة النهر.

[طباعة]

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
السويد تتحرك بعد حكم بالإعدام على 3 من مواطنيها في العراق
السوداني: زيارة بارزاني لبغداد مهمة .. بارزاني: سعيد جدا بلقائك
بغداديون يحاربون الصيف بـ"مراوح الماء" ويطالبون الأمانة بانقاذهم
متفجرات تحت جامع النوري الكبير في الموصل تعلق أعمال إعادة إعماره
أميركا تعرض "صياغة جديدة" لمقترح وقف إطلاق النار في غزة
الزميل العزيز موسى مشكور (أبو نضال).. وداعاً
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي
بحضور الجالية العراقية.. نصب تذكاري للجواهري يضيف بهجة لعاصمة التشيك
صالات القمار.. بعضها لغسيل الأموال وأخرى تتبع لجهات متنفذة
المالكي يبحث عن "نهاية سعيدة".. ولاية ثالثة قبل تقاعده
في كردستان العراق مقابر منسية لنساء ضحايا جرائم العنف الأسري
في يوم مكافحة المخدرات.. بيان عراقي عن "المتاجرين الدوليين والمحليين"
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة