طالما نلمس تناقضا واضحا بين مستويات نتاجات عديدة وكتابها، نلمس اختلافا معنويا وشكليا قد يصل إلى حد الغرابة، فتارة نجد نصوصا تسرد أو تكثف علينا مفاهيم وقيما، تنتمي إلى عالم التسامح والمحبة والصوفية،ولكن سرعان ما تبرد حماسة تلقينا لتلك النصوص، حالما نكتشف بأن أصحابها لا تمثل سلوكياتهم أدنى مستويات ما تحتويه منجزاتهم، وتارة أخرى نلتقي بكتاب تطير أرواحهم مع أنفاس الكلمات لشدة شفافيتها، وعلى الرغم من ذلك لا نستشف أثرا لتلك الشفافية في نصوصهم.
أدباء قلة هم الذين نستمتع بتشابه روحية منجزاتهم مع حيواتهم وقوة وعيهم وعمق إبداعهم، فنلاحظ أن تلك القلة تحيا ثقافتها، تترجم وعيها وتقترب مما تقوله بما تفعله، فلا نشهد تناقضا بين النص وكاتبه، بل قد يكون الكاتب بسيرته وحياته نصا آخر يوازي أو يفسر أو يناصر ما كتبه.
لكن ندرة مثل ذلك يحفزنا للبحث عن سبب تلك الندرة، عن سبب الغربة العجيبة بين ما يحتويه نصٌ من فهم ٍ ووعي ٍ ومحبة ٍ وتسامح، وما يفيض في سلوكيات كاتبه من سطحية وكراهية وتطرف، عن سبب العاطفة السائلة في المنجز، والقسوة المفرطة في شخصية صاحبه.
أرى أن الواقع بحروبه ومراراته المتعددة قد يبرر ما أسلفت ذكره، حيث يكون النص متنفسا ومهربا من قسوة ذلك الواقع، ومرسما حقيقيا لما تريده الذات من صورة جميلة لها، ولكن ما أتحدث عنه من اضطرار الكاتب لعدم التشابه بين ذاته وجوهر مقولاتها لا ينفي دخول ذلك الكاتب في منطقة الازدواجية المَرَضيّة على الرغم من كل الضغوطات التي أدت إلى إيجاد تلك الازدواجية.
الأصل في الإبداع، ذات تحاول قول وتجديد وتجميل نفسها، أي أن الكاتب وعلى الرغم من كل ما يصنعه من ابتكار أو غرائبية في نصه لا يخالف جوهر الإبداع المنطلق من فكرة توسعة دائرة الجمال في الذات واللغة والواقع بكل تنوعاته.
إن ضيق الحياة العراقية ومرارة عيشها لم تسمح للمثقف العراقي بخلق أحلامه على الأرض، لذا فهو يعيش على وفق ما يفرضه الواقع، ويكتب حياته الحالمة على الورق، إلا أن ذلك تبرير مؤقت لا يمكن اعتماده إلا حسب استثناءات معدودة وضمن أزمان مأزومة ،أما حين تستمر ازدواجية الكاتب فلابد لنا من مراجعة ذاتنا الثقافية ومساءلتها بجدية عن أسباب تلك الازدواجية.