حين أمعنتَ في اللُجاج، التفتَ إليك، هادئاً، وسألكَ:
هل قرأتَ، طوال هذا العام، وقد أوشكَ على الانتهاء: قصيدةً جيّدةً ؟ قصّةً قصيرةً جيّدة؟ روايةً جيّدة؟ مسرحيةً جيّدة؟ مقالةً نقديةً جيّدة ؟ وحين لم تجبه، صرخ في وجهكَ: صمتّ! بيد أنَّكَ، في الحقيقة، لم تصمت، فلقد كُنتَ خلال هذه الدقائق، مُنشغلاً، تبحث في ذاكرتك، عمّا تمسك به، سُدىً. كان ظلامها دامساً. طال صمتك. فواصل ساخراً: فيمَ، إذنْ، تلعنون السياسيين، صباحَ مساء؟ ألطمطمتِهم لبعضهم؟ إنّكم تُطمطمونَ، أيضاً !
وقف الشاعر الكبير، والقاصّ الكبير، والروائيّ الكبير ، والمسرحي الكبير، والناقد الكبير، وقفوا مُنزعجين. بعد أن رقى إلى أسماعهم، ما لم يسمعوا له مثيلاً، قبلاً. لدْلدَ بعضُهم في وجه بعض : خمسة ضحايا، ليس لهم أيّ يد في ما هُم فيه، ليستحقوا هذا، سوى أنّهم صدّقوا. قال أكبرُهم، بعد أنْ لم يعُد قادراً على الصّمت أكثر: صحيحٌ إنّنا كِبارٌ في السنّ، ولكنَّنا، مع ذلك، استطعنا أن نُقدّم أشياءً؛ وهذا ما لا يشكّ فيه أحد. قال آخر: يالها من إهانة! فيما فكّر الثالث، على نحوٍ جادّ، في طريقة لا تقلّ لذعا ، في ردّ الاعتبار .
وحين اكتشفوا أنَّهم يقفون، ولم يكُن هذا عَرَضاً، على منصّة، لم يجدوا ما يردّون به، على ذلك الدعيّ، أفضل من مشهدٍ مسرحيّ، وإذا ما كانَ كوميدياً، سيكون بمثابةِ صاعين.
لأنَّه سيكونُ، عندئذٍ، أكثر تأثيراً. وشرعوا، استجابةً، لسلائق طليقة ، وألْفُوا، أنفسهم من بدايته، يبتسمون. قالوا، جميعا، في أنفسِهم: رائع! وسرعان ما استحالتْ ابتساماتُهم إلى ضحك، وضحكُهم إلى قهقهات. عَلتْ. حتّى ملأت القاعة، إلى حدِّ جعل كُلّ ما فيها يرتجّ .
قطعوها، فجأةً، كما لو أنَّ ذراعاً هائلةً امتدّت إليهم، من وسط القاعة، ولطمتهم. سدّوا أشداقهم، ووقفوا واجمين. وعيونُهم مُتّجهةٌ، إلى ما استقرّ بينهم: رأسُ لهانةٍ كبير! لم تكُن ذراعاً، إذنْ. استداروا بعيونهم، وتفرّسوا في النظّارة. ازدادوا وجوما. إذ لم يعثروا، في أضواء القاعة الساطعة، على أحد. لا نظّارة، هناك. كانت كراسيُّها فارغة، ولا يشغلُ فضاءها الشاسع، غير خواء أعمى، أصمّ، لا يرى ولا يسمع.
اخرس: صاح صاحبي. ولقد وجدها فرصةً، ليُمعن هو، هذهِ المرّة، في اللُجاجِ. فأجبتَه: سأنطقُ، قطعاً، طالما أنَّ، هناك، عاماً قادماً، سيبدأ بعد أسبوع.
* من مجموعة قصصية، بعنوان: ضحك أسود وهي: 50 قصة قصيرة جدا. 2012
[طباعة]