في ساعات الليل المتأخرة ايقظه الحر الشديد ورائحة الغبار التي تسربت الى تلك الغرفة الكونكريتية، فتح عينيه واجال في المكان، كان الظلام سيد الموقف والصمت الذي يكاد يطبق حتى على الانفاس، للوهلة الاولى لم يكن قد تعرف بعد على مايجري الا ان المرأة التي ترقد كل ليلة الى جانبه ذكرته بحكاية كل يوم، اذ همست بأن ( التيار الوطني ) قد انقطع، قال لها ولماذ تهمسين؟ قالت الاترى؟ قاطعها على الفور، من اين لي ان ارى في هذا الليل الادهم؟ قالت لم اقصد هذا، بل اقصد ان سبب الهمس هو ان كل العائلة تتكدس في هذه الغرفة من اجل الحصول على نعمة المروحة، في هذه الحالة هو يعرف ما الذي يتوجب عليه فعله، نهض بتثاقل، سربل جسده الى خارج الغرفة، وكالاعمى المدرب على المكان خطا بضع خطوات، توقف، رفع ذراعه الى اعلى، كفه لامست بضعة ازرار، انزل ( زر التيار الوطني ) ورفع زر المولدة، اضاء المكان، عاد ادراجه الى الغرفة كي يعاود النوم، ما ان وضع رأسه على الوسادة حتى استدارت اليه وهمست مرة اخرى، هل اطفأت (الثلاجة والمجمدة)؟

بسمل وحوقل، وعاد مسربلا مرة اخرى الى المطبخ وانجز واجبه حسب الاصول وعاد، في الحقيقة ايها السادة ان هذه اللعبة اخذت تتكرر في كل ليلة ومنذ سنوات بين قط التيار الوطني وفار المولدة فيجافيه النوم ويقوم من ساعته يلعن (السياسة والسياسيين والروس واليابنيين والناس اجمعين).. في الصباح اعتاد ان يقول طاب الصباح فترد هي بدورها طاب الصباح، على مائدة الافطار وفي السنوات الاخيرة اخذت تسأله كل صباح: متى انقطع التيار الوطني؟

فيجيبها بطريقة كل يوم، اقتضاب وكسل: من اين لي ان اعرف وانا كنت نصف نائم، فجأة تلفح  وجهه تنهيدتها الحارة وسؤالها التالي المتكرر ايضا كل يوم، متى تنتهي هذه الحالة ؟

يرشف رشفة بطيئة جدا من قدحه، يتطلع اليها ويجيب باقتضاب وكسل: من اين لي ان اعرف؟ لكنه يضيف بسرعة، اظنه سيستمر حتى النهاية , فيما مضى كان اللئيم يذكرها ويعيد عليها بعضاً من همسات ليلهم العذب ليستمتع بربكة قدح الشاي بين اصابعها واحمرار محياها الجميل، الان فقدت الحوارات حرارتها ولم يعد هناك سوى تلك الاسئلة التي تسرع الى الحتف، ترى اى بؤس فظيع ان يجد الانسان العظيم وقد تبددت حياته بالعيش ..