الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
زنبقة زاهية في إسطبل
الثلاثاء 18-06-2013
 
مهدي قاسم

كانت صباحاتنا تشرق و تزدهي بحضورها البهي والجميل الرائع ، تلك السيدة الجميلة و الأنيقة بأثوابها زاهية الألوان التي كانت ينم اختيارها لملابسها عن ذوق راق ، قد يكون أقرب إلى ذوق رسام ماهر أو مصمم أزياء موهوب ، إذ كانت ترتدي كل يوم ثوبا جديدا وجميلا بألوانه المتناسقة و الرصينة يضفي عليها رونقا و حضورا خلابا ..

وعندما كانت تدخل ممر الدائرة متهادية بخطواتها الواثقة ذات رنين هادئ ، كانت تبدو و كأنها باقة من قوس قزح مذهل و ساحر وهي تضيء الممر بحضورها المشرق ، لتبدو و كأنها محاطة بفراشات ملونة و بطيور جنة مرفرفة حوليها ، تتقدمها ، مشعة ، ابتسامتها الودية و الدافئة وهي تلقي تحياتها الصباحية على زميلاتها و زملائها كمن ينثر باقات من زنابق على أحبائها بتلك الطيبة و المحبة الصادقتين ..

غير أن الخلل الوحيد الذي كان يعّكر و يفسّد ذلك الجو الجميل و البهي الذي يخلقه حضور تلك السيدة الجميلة و الأنيقة ، هو طبيعة المكان الحافلة بالنفايات و الزبالات ، بحكم الإهمال و اللامبالاة المطلقين إزاء النظافة شبه المعدومة هناك ، بحيث كان يبدو المكان أشبه إلى إسطبل منه إلى دائرة حكومية أو رسمية ، بالرغم من وجود منظفين الذين كانوا يفتقرون إلى حس النظافة و أهميتها الصحية و الجمالية ، و بالتالي كانوا يخطون فوق ركام النفايات عابرين ماضين إلى دهاليز كسلهم و نعاسهم و غفوتهم حتى نهاية الدوام ..

فآنذاك كانت تلك السيدة الأنيقة تشمر على ساعدها وتناول مكنسة و سطل ماء لتقوم بعملية تنظيف واسعة و دقيقة ، قائلة : بأنه لا يجوز التوافق مع القذارة و العيش معها حتى ولو لساعات قليلة !.. فالبهائم هي وحدها فقط ترضى لكي تعيش في وسط نفايات و قاذورات ..

و بعدما تنتهي من كل ذلك و تمسح طاولتها مرارا ، معقمة إياها بسائل مطهر ، تسحب حقيبتها الكبيرة واضعة إياها فوق الطاولة لتخرج منها أطعمة مختلفة الألوان والنكهات الطيبة كدولمة أو كفتة أو صدر دجاج أو بيض مسلوق أو " لوبية " أو شرائح لحم مشوية مع كميات كبيرة من خضار و صمون ، داعية ــ بكرمها المعهود ــ زميلاتها و زملاءها إلى مائدة الإفطار الشهية ، طبعا دون أن تنسى أن تعمل " سندويشة " أحيانا حتى للمنظفين الكسالى !..

كانت تلك السيدة الجميلة والأنيقة وبحكم طبعها الجميل و الطيب تبدو مستعدة لتساعد هذا و ذاك ، و أي كان ، عندما يصبح المرء بحاجة إلى مساعدة ما ، فكل ذلك كان يجعلها أجمل و أروع :

إذ أن تكون المرأة جميلة و طيبة و نبيلة روحا و جسدا في آن واحد ، فذلك هو قمة الجمال البهي و الصافي و الخالص المشرق ..

و كم اعتبرت نفسي محظوظا من قبل قدري ، الذي أنعم عليَّ بتلك الصباحات الجميلة التي كانت تهبها لنا تلك السيدة الأنيقة ، ليصبح يومنا محتملا ومريحا و شيقا و بهيجا حتى نهاية الدوام ..

و ها أنا أوشك على المغادرة و الرحيل ، محتفظا في ذاكرتي مكانا مزدهيا بإشراق و حقل زنابق ورياحين فراشات ملونة و طيور جنة وأسراب من بلابل صباح تغرد باسم تلك السيدة الطيبة و الأنيقة لتذكرني بحضورها البهي و المقيم بين غابات تمتد من تلال ذاكرتي حتى تخوم قلبي .

mahdikkasim@yahoo.com

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
بغداديون يحاربون الصيف بـ"مراوح الماء" ويطالبون الأمانة بانقاذهم
متفجرات تحت جامع النوري الكبير في الموصل تعلق أعمال إعادة إعماره
أميركا تعرض "صياغة جديدة" لمقترح وقف إطلاق النار في غزة
الزميل العزيز موسى مشكور (أبو نضال).. وداعاً
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي
بحضور الجالية العراقية.. نصب تذكاري للجواهري يضيف بهجة لعاصمة التشيك
صالات القمار.. بعضها لغسيل الأموال وأخرى تتبع لجهات متنفذة
المالكي يبحث عن "نهاية سعيدة".. ولاية ثالثة قبل تقاعده
في كردستان العراق مقابر منسية لنساء ضحايا جرائم العنف الأسري
في يوم مكافحة المخدرات.. بيان عراقي عن "المتاجرين الدوليين والمحليين"
أردوغان: خطط نتانياهو ستتسبب بـ"كارثة كبرى" ونحن نقف إلى جانب لبنان
انخفاض ملحوظ.. رياح شمالية تكسر من حدة الموجة الحارة في العراق
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة