الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
«حياة الآخرين» .. عندما تصبح نبراساً للضالين...
الأربعاء 19-06-2013
 
عبد السادة جبار

حماية الدولة، تحصين النظام، الحفاظ على المنجزات، مراقبة الخاطئين، وجود عدو متربص، تنمو تلك المفاهيم في سياسات الأنظمة الشمولية وتعشش في رؤوس من أوكلت له مهمات (حماية الأمن وحراسة البلاد!)، ولا يتعلق الأمر بالوظيفة والالتزام بالواجب المهني بل هي (المبادئ)، والأفكار الديماغوجية، وثمة ارتباط مصيري أعمى بين تلك الروبوتات البشرية وبين السلطة التي يمسك جميع خيوطها (القائد)، ومن خلال الانضباط الصارم الذي يشكل أدواته أولئك الأفراد تحكم الأنظمة الشمولية قبضتها الحديدية على السلطة حيث تطوح بمصائر الناس على معلومة منقولة أو ريبة بكلمة كتبت أو قيلت وتبرر ذلك التعسف وأهمية تلك القيود كضرورات (لتحقيق النصر.. والدفاع عن المكتسبات!..) تلك سلوكيات وجدت أرضية لها لتفسر تجاوزاتها على الحريات ناجمة عن قناعة الالتزام.. تشرخ هذا الجدار حالات استثنائية لأي سبب أو مصادفة عندها تتحرك البصيرة وتطل على المختبئ  في الأغطية الرصاصية وينقلب الالتزام بالضد ..إذ تتحول المبادئ التي ترسخت عبر قناعات وهمية إلى أخرى مضادة بعد اكتشاف الحقيقة ..الفيلم الألماني « حياة الآخرين Das Leben der Anderen بالألمانية « للمخرج الألماني «فلوريان هنكل»  يسرد لنا تطور حياة واحد من أولئك المؤدلجين بعد أن تتاح له فرصة النفاذ إلى الحقائق لتعصف به التحولات باتجاه آخر.

سيناريو الفيلم

يكشف لنا المخرج/ المؤلف الألماني: فلوريان هنكل» عما كان يجري في ألمانيا الشرقية قبل سقوط جدار برلين وأساليب السلطة الشمولية في مراقبة المواطنين والتجسس على حياتهم، يبدأ الفيلم بمحاضرة معززة بتصوير واقعي لطرق استجواب أولئك المناوئين للنظام يلقيها خبير استخباراتي « هوبتمان ويسلر» الممثل (أولريش  موهي) على طلبة في أكاديمية أمنية، يعرفنا هذا المشهد على مدى إخلاص ويسلر لعمله وقناعته بما يقوم به على الرغم من ممارسته التعسف الذي يفتخر بفعله )خدمة للوطن (!، إخلاص هذا الرجل دفع النظام لتكليفه بالإشراف في التجسس على الكاتب « جورج دريمان « الممثل (سيباستيان كاتش)  يشك بأنه يقيم تجمعاً لمثقفين مناوئين للأفكار الاشتراكية ولهم اتصالات مع جهات خارجية، أعد الرجل نفسه وعقله وإخلاصه لهذه المهمة ويبدأ بالمراقبة عبر الأجهزة التي زرعت في بيت الكاتب لتبدأ رحلة ويسلر، حيث يتمكن من الدخول إلى تفاصيل حياته، يكتشف كيف يعيش الكاتب حياته مع زوجته الممثلة الشهيرة « كريستا ماريا « تلعب الدور الممثلة ( مارتينا جاديك ) كيف يعيشان الحب، كيف يعملان لتجنب السلطة، لتجاوز المحنة، تعترف الزوجة باستسلامها لوزير الثقافة مقابل تمرير أعمال زوجها وتخليصه من الحصار، لقاءات المثقفين في بيته والاستماع إلى مناقشاتهم، هنا تبدأ بذرة الوعي بالنمو ويعيش ويسلر صراع ضغط السلطة للإسراع بإنهاء المهمة، وبين قناعته بان الكاتب على حق ويعيش حياته مع زوجته وأصدقائه بأفضل مما يعيشه هو، وان الحرية التي يتمتع بها دريمان برغم الضغوط هي أفضل من حريته، ومن هنا يتغير كل شيء ويبدأ بكتابة تقارير معاكسة لما يرى مجنباً الكاتب تعسف السلطة متستراً على ما يخطط له، وهنا يتحول من السعي لكشف الأسرار إلى مواربتها (ومخالفة المبادئ) وعندما ينفذ صبر السلطة  تقرر مداهمة المكان، لكن ويسلر يسبقهم ويخفي كل الأدلة التي يمكن أن تدين دريمان وأهمها الآلة الكاتبة المهربة، وتفشل المهمة ويعاقب ويسلر بفصله من عمله ويحول إلى ساعي بريد، يسقط جدار برلين وتتحقق الوحدة الألمانية يسعى دريمان للحصول على الملفات السرية التي أصبحت مباحة ويكتشف انه كان مراقباً وثمة تقارير كانت تكتب حوله من شخص مسؤول عن مراقبته لكنه لم يكشف حقيقة مناهضته للنظام وانه قد غير محتوى تلك التقارير لصالحه، يسعى دريمان للبحث عن ويسلر فيجده يعمل ساعياً للبريد أراد أن يشكره لكنه وجد ذلك أقل مما يجب، فلم  يجد غير أن يؤلف كتاباً يضع فيه إهداء له باسمه، يقتني ويسلر الكتاب وعندما يسأله البائع إن كان يرغب في تغليفه وكتابة اسم يرغب أن يهديه إليه.. يجيبه بفخر بان الكتاب مهدى إليه.

المعالجة

يتخلص الكاتب المخرج من فكرة تقليدية مفادها أن الموجودين في هرم السلطة السابقة هم  جميعاً خاضعون تم اختيارهم ليكونوا صاغرين غير قادرين على التفكير أو اتخاذ قرار على قدر ما، ولم يضع وقته في تقديم فيلم يتحدث عن قضايا حدثت في زمن سابق تحكي عن نظام تعسفي وأناس مغلوبين على أمرهم، أي تجاوزَ ثنائية جلادين/ ضحايا، ليصور لنا فيلماً عن حياة جلادين – ضالين – رافضين، ويسلر شخصية ضالة كان مؤمناً بما يفعل بل كان يدرّس هذه القناعات لطلاب سيقومون بما يقوم نفسه لكن المهمة التي كلف بها أشرعت له مصاريع ليطل بها على نفسه ليكتشف الخيبة، ويطلع على حياة الآخرين وينظر إلى حياته، يتلصص على حياة الكاتب، الجنسية، الثقافية، نوعية الأصدقاء، الاستماع للموسيقى، طبيعة الحوارات المفعمة بالاختلافات الودية، الموقف من السلطة، ويطل على دواخل نفسه، انحرافاتها، حريتها الموهومة، خنوعها لسلطة فاسدة، إذ وزير الفنون في الفيلم يبتز زوجة الكاتب ليحقق رغباته الدنيئة ليكون هو جزء من هذه اللعبة لتحقيق رغبات هذا الوزير الوضيع، يطل على حياته الرتيبة، الممارسة الآلية لحياته الجنسية، علاقاته الوظيفية، الملابس القاتمة التي يرتديها، الأيام التي تتشابه في حياته، ومن هنا تتحرك الذات التي آمنت بمبادئ وأخلصت لها يمكن إن تغادرها حال اكتشافها الخديعة بل يمكن أن تقف بالضد منها، وغالباً ما تحصل التصفيات من الداخل نتيجة لهذه التحولات، فكانت المجازفة، الوقوف ضد التيار لتحقيق الذات، لإنقاذ إنسان ليس عدواً كما يصور، ولتذهب المهمة برمتها إلى الجحيم ما دامت غير إنسانية، تمكن المخرج من إدارة ممثليه بطريقة مذهلة على الرغم من عدم وجود أحداث بارزة وصوّر المناظر بطريقة ملائمة لتلك المرحلة أجواء كئيبة ومعتمة حوارات داخل جدران كأنها زنازين، المكان الذي يقبع فيه ويسلر وانفعالات وجهه وهو يسترق السمع لما يدور، تأثره بعزف دريمان لسوناته بتهوفن، وتميز أداء الممثل الرئيس في الفيلم أولريش  موهي  بقدرة مذهلة في أداء الدور إلا انه فارق الحياة بعد أربعة أشهر من تكريمه في مهرجان الأوسكار متأثراً بداء خبيث.

أصداء ورفض

عد فيلم « حياة الآخرين « واحداً من الأفلام الأوروبية القليلة التي حظيت باهتمام الجمهور في العالم وقد حصل على فرص واسعة في أسواق العرض السينمائي وتجاوز قواعد التوزيع المعروفة والمحصورة على العروض الأميركية وهو من  أهم أفلام الألفية بل أفضل ما صنعت السينما الأوروبية والعالمية ككل، حصل على جائزة الأوسكار 2007 كأفضل فيلم بلغة أجنبية، وحصل على 61 جائزة في مهرجانات شتى وكان تسلسله  58 في أحسن 250 فيلم في العالم، وقد تولدت لدى المخرج الأميركي سيدني بولاك رغبة شديدة بإعادة إنتاج الفيلم باللغة الانجليزية مصرحاً في حينه «نرغب بشدة في أن يشاهد المزيد من الناس هذا الفيلم عبر إعادة إنتاجه»، الفيلم انجاز سينمائي كبير يستحق المشاهدة لأكثر من مرة، استقبل المخرج فلوريان هنكل في مطار برلين بحفاوة بالغة لتحقيقه انتصاراً بحصوله على الأوسكار الثالث للسينما الألمانية حيث خطى بفيلمه نحو العالمية، ولكنه واجه انتقاداً شديداً من بعض النقاد حيث عدّوا الفيلم غير واقعي كونه يجمل صورة بعض عناصر النظام السابق، وان قصته ليس لها أي أساس واقعي في ملفات مخابرات ألمانيا الشرقية على العكس فان تلك الملفات كشفت عن فظائع وجرائم ارتكبت في ذلك العهد، لكن المدافعين عن الفيلم رأوا هذا الرفض فيه الكثير من المغالاة وان الفيلم كان ناجحاً بكل المقاييس ولو كان غير ذلك لما شاهده أكثر من مليوني مشاهد في ألمانيا وحدها فضلاً عن حصوله على عدد كبير من الجوائز.

Das Leben der Anderen»»، إخراج وتأليف: فلوريان هنكل

تمثيل: أولريش  موهي  (هوبتمان ويسلر- المخبر)، سيباستيان كاتش (الكاتب  جورج دريمان)، مارتينا جاديك (الزوجة  كرستيا ماريا)

الإنتاج: ألمانيا  2006

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
بغداديون يحاربون الصيف بـ"مراوح الماء" ويطالبون الأمانة بانقاذهم
متفجرات تحت جامع النوري الكبير في الموصل تعلق أعمال إعادة إعماره
أميركا تعرض "صياغة جديدة" لمقترح وقف إطلاق النار في غزة
الزميل العزيز موسى مشكور (أبو نضال).. وداعاً
تعزية من الاتحاد الديمقراطي العراقي
بحضور الجالية العراقية.. نصب تذكاري للجواهري يضيف بهجة لعاصمة التشيك
صالات القمار.. بعضها لغسيل الأموال وأخرى تتبع لجهات متنفذة
المالكي يبحث عن "نهاية سعيدة".. ولاية ثالثة قبل تقاعده
في كردستان العراق مقابر منسية لنساء ضحايا جرائم العنف الأسري
في يوم مكافحة المخدرات.. بيان عراقي عن "المتاجرين الدوليين والمحليين"
أردوغان: خطط نتانياهو ستتسبب بـ"كارثة كبرى" ونحن نقف إلى جانب لبنان
انخفاض ملحوظ.. رياح شمالية تكسر من حدة الموجة الحارة في العراق
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة