الشعب العراقي يعيش حالة فريدة، ليس الآن، بل بدأت منذ سنوات. حالة لا تبشر بالخير للشعب العراقي ولا تضمن حياته وحرياته العامة وحقوقه، إن استمر هذه الحالة المأساوية. بدأت منذ أن فُرض على العراق النظام السياسي الطائفي ومحاصصاته الطائفية المذلة، والمشوهة لإرادة الشعب، بدعم مباشر من قوى الاحتلال وإيران والمرجعية الدينية بالنجف، وتلك الأحزاب التي تبنت الطائفية السياسية نهجاً وتمارس التمييز المقيت عملياً إزاء المواطنين حسب دينهم ومذهبهم وقوميتهم. إنه الغطاء المهلهل الذي مورس باسمه كل الموبقات بالعراق خلال الأعوام المنصرمة بعد إسقاط الدكتاتورية البعثية–الصدامية الغاشمة، ذلك النظام الفاشي الذي أسس ووفر بعد إسقاطه، وعبر ما يقرب من 35 عاماً من حكمه، ما أقيم من حكم غارق في بؤس فكري وسياسي واجتماعي، غارق في الجهل والرثاثة.
الحكومة تدعي الإصلاح ورفض المحاصة الطائفية، وهي وليدته، تراوغ فيه، وتزوغ عنه، وتتلاعب بإرادة ومشاعر الشعب ورغبته في التغيير والخلاص من الموت اليومي والبؤس الفعلي والفقر المذل لمزيد من البشر. قوى التحالف الوطني الطائفية تريد الاستفادة من الوقت لتعيد تنظيم أوضاعها وإعادة الثقة بالمستبد بأمره السابق نوري المالكي، بعد أن يتم إعلان فشل وعجز العبادي بإجراء ما يطالب به الشعب وما وعده به. إنها للعبة مكشوفة وتدميرية تلك التي تمارسها الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية في المرحلة الراهنة، والتي تجد التأييد من أحزاب وقوى سنية فاسدة تساهم في حكم البلاد منذ سنوات وتخدع الشعب بمعارضتها الشكلية.
وإذا كانت الدولة العراقية غير مكشوفة لكل الشعب في هشاشتها منذ تأسيسها على أساس طائفي مقيت، تتستر به الأحزاب السياسية الإسلامية على مصالحها الجشعة المناهضة لمصالح الشعب وعلى نهبها لموارد الشعب المالية وسرقة لقمة عيش الكادحين والمعوزين من بنات وأبناء الشعب، فأنها، وبعد كل الذي حصل يوم الجمعة المصادف 18/3/2016، قد كشفت عن عورتها للجميع. فلا قرار وزبر الداخلية، ولا قرار رئيس الوزراء بمنع الاعتصام قرب بوابات الخضراء، ولا الأعداد الغفيرة من العسكر الذي انتشروا في كل مكان وقطعوا أوصال بغداد، كان في مقدوره منع عبور المتظاهرين الصدريين الحواجز ووصولهم إلى البوابات التي شاءوا الوصول إليها ونصب خيام الاعتصام فيها.
المشكلة لا تكمن في سماح قوات عمليات بغداد بمرور المتظاهرين وعدم الصدام بهم، بل في عجز الحكومة على تنفيذ قرارها، بسبب وجود دولة موازية للدولة العراقية، وقوات مسلحة موازية للقوات المسلحة العراقية، بل يمكن الادعاء الموثق على وجود أكثر من قوات مسلحة واحدة موازية للقوات المسلحة الحكومية.
المشكلة لا تكمن في وجود متظاهرين من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية تطالب بالإصلاح والتغيير، بل المشكلة في وجود قائد عسكري آخر يقود ميليشيات "سرايا السلام" الصدرية، واسمه كاظم العيساوي. إنه المعاون الجهادي العسكري لزعيم التيار الصدري، الذي أصدر قراراً بعبور الحواجز مهما كان الثمن.
وفي الوقت ذاته أصدرت قيادة الحشد الشعبي بياناً يعبر عن رأي قوات عسكرية موازية أخرى لقوات الدولة العراقية ولميليشيات سرايا السلام، يدعو إلى سحب المظاهر المسلحة كافة داخل المدن, وكأن المليشيات الطائفية المسلحة المشاركة في الحشد الشعبي لا تملك ميليشياتها المنتشرة في المدن والمسلحة أيضاً وإنها تشكل القوات المسلحة الموازية فعلياً للقوات المسلحة العراقية، والتي يحاول رئيس الوزراء أن يحتمي بها، كجزء منه ومنها، حالياً دون أن يدرك، أو لا يريد أن يرى مخاطر تلك المليشيات، وليس المتطوعين المستقلين من أبناء الشعب، على الدولة العراقية الهشة وعلى المجتمع وعلى التغيير الجذري المنشود بالعراق. لم يصدر مثل هذا البيان عن الحكومة العراقية بل عن قيادة الحشد الشعبي!
إن تبني المطالب الشعبية التي طرحت عبر المظاهرات الشعبية والحراك المدني الشعبي من جانب الجماهير المرتبطة بهذا الشكل أو ذاك أو المؤيدة للصدر أو لغيره أمر لا غبار عليه، ولكن المشكلة تكمن في الدور الذي يريد أن يلعبه مقتدى الصدر كقائد لا للتيار الصدري بل للعراق كله، ويعتمد في ذلك على ميليشياته المسلحة المخالفة لنص الدستور العراقي. فهو في الوقت الذي يدعو إلى احترام الدستور يتجاوز عليه بفظاظة في امتلاكه لمليشيات مسلحة أحسن تسليح وتمتلك موارد مالية كبيرة وتمارس القوة والعنف والتهديد في الوصول إلى ما تريد وتقف بموازاة القوات المسلحة العراقية، ويمكن أن تصطدم بها في كل لحظة، كما حصل في العام 2008، لو أن قوات عمليات بغداد قد منعت تلك الجماهير المحتشدة من عيور الحواجز واصطدمت بها. وعلينا أن نلاحظ وجود منافسة بين المليشيات الطائفية الشيعية المسلحة بالعراق للهيمنة على الدولة والشارع، بين فيلق بدر وسرايا السلام، وبين عصائب أهل الحق وسرايا السلام وبين فيلق بدر وعصائب أهل الحق، رغم تحالفهما الراهن في مواجهة سرايا السلام، وكذلك جماعة حزب الله وهلمجرا. إن العراق سيغرق من جديد في نزاعات عسكرية مسلحة تمارسها القوات الموازية للقوات العراقية، والتي تشكل خطراً على الدولة والمجتمع وعل الوجهة التي يسعى الشعب إليها، إلى التغيير الجذري والخروج من الطائفية السياسية والمحاصصة الطائفية القاتلة. إنها المهمة المركزية التي تواجه الشعب والتي تسعى كل القوى الحاكمة إلى تزييف وتشويه إرادة الشعب. إن مهمة الشعب تتلخص فع مستوى يقظته لما يراد له والذي يفترض أن يحبط في كل الأحوال