الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
حَذارِ من الوَهم والاستقواء بالضدّ، فدون الإصلاح انحدارٌ إلى المجهول..

فجأةً تعالت الأصوات المضادة للتصعيد في التظاهرات المطلبيّة بعد اقتحام البرلمان، وما يُوحي بالانزلاق الى متاهات الفوضى والانفلات الأمنيّ. وتغيّرت الخطابات والكلام المُبطّن، قبل الاقتحام، الى لغة المسمّيات المباشرة.

وتزامن هذا التغيُّر مع نزولٍ علنيٍّ غير مسبوق لفصائل من "الحشد الشعبي" المسلّحة، تقاسمت مناطق بغداد الحيوية لبسط حمايتها عليها. وجاء هذا النزول والانتشار الكثيف ليعيد التساؤل المرير العبثي حول غياب الدولة وقواتها المسلحة وأجهزتها الأمنية والمخابراتية، وهشاشتها ولا فعّاليتها وطبيعتها المتخاذلة. واذا كان الحشد الشعبي قد تشكل استجابة لدعوة المرجع الأعلى السيستاني "الكفائية" لمقاتلة داعش وإلحاق الهزيمة به، فإن سحب قطعاتٍ حشدية من جبهات مواجهته يترك فراغاً يُغري قِطْعانه بالتمدد والتحرر من الضغط الذي يواجهه، ولو مؤقتاً. لكنه من جهة أخرى يثير قلقاً مضاعفاً بين مختلف الشرائح الاجتماعية والأوساط السياسية التي تتضاعف معاناتها وتزداد مخاوفها من معالجة ضعف "الدولة" وذراعها العسكري والأمني، ببسط نفوذ وهيمنة الميليشيات المسلحة الموالية لأحزاب وكتل التحالف الوطني.

إنّ التعذّر بالمخاطر التي تهددت بغداد بعد اقتحام أنصار التيار الصدري المنطقة الخضراء، واقتحام مجلس النواب والاعتداء على نواب وموظفين في المجلس، لا يقدم قرينة على وجاهة العذر، ولا يغيّر من حقيقة أدوار اللاعبين المتخاصمين ومسؤوليتهم في دفع الأوضاع إلى ما آلت إليه من تدهورٍ ومن انحدارٍ كاد أن يعرِّض البلاد الى انهيار نحو المجهول، وهو يؤشر أيضاً الى الصمت المريب إزاء ما كان يؤكد على أن الأمور آيلة الى المزيد من التعقيد والتوتر السياسي وما يتلازم معهما من تداعياتٍ أمنية، بمجرد بروز طرفٍ يستقوي بالقوة ويلوّح بتحريكها تحت أي داعٍ كان لفرض إرادةٍ قد ينطوي على قدرٍ من الصدقية والمظهر الإيجابي للصالح العام.

وليس خافياً، بل صار جليّاً وبالغ الوضوح الآن، أن كل الأطراف المتصارعة، وبالاخص من داخل التحالف الوطني، ورئيس مجلس الوزراء أيضاً، كانت تراهن من خلال ترقُبِ كلٍ منها لسير الحراك الاحتجاجي، على أن متغيراتها يمكن أن تحسّن من موقعه في الصراع، وتجعل منه اللاعب الأساسي، في لحظة فاصلة، ويتحول من طرفٍ في الازمة الى عاملٍ حاسم في الحل وتقرير وجهة الصراع!

وقد يغيب عن بال الأطراف المعنية، وهي الآن الأحزاب والكتل التي وجدت في اعتماد التيار الصدري وزعيمه منطق التلويح المباشر بقوة الشارع والضمني بذراعه العسكري، أن استخدام ذات المنطق ليس سوى استدراجٍ للبلاد والعباد الى متاهة أخرى قد تكون أسوأ، لأنها تكرس آليات تصفيةٍ لما تبقّى، إن بقيَ، من هيبةٍ وفعاليةٍ للدولة والحكومة والدستور والسيرورة الديمقراطية، وإن خلَتْ كلها من الهيبة والحضور.

وهذه القوى والأطراف والسيد العبادي ومَن هم حوله، سيتوهمون ويسدرون في الغيّ ويرتكبون الخطأ القاتل، إذا لم يبادروا فوراً وبأقل قدْرٍ من الجدل العقيم الذي لا يخرج عن دائرة المصالح وتقاسم مغانم ومواقع السلطة، الى إعلان خارطةٍ قابلةٍ للتطبيق الآني تستجيب لتطلعات المواطنين المُغَيَّبين عن مشهد الصراع في اتخاذ تدابير مقنعة بملاحقة المفسدين ورؤوسهم، والشروع بخطوات واضحة تُؤمّن الخدمات الضرورية، والكهرباء في مقدمتها، والعمل على تطهير جهاز الدولة والقوات المسلحة والأمنية والقضاء وطواقم الرئاسات الثلاث من الأبناء والبنات والأقارب، وتجريدهم من الامتيازات والعبث، والمباشرة بإعلان بدائل مهيئة مهنيّة وكفوءة عن الموظفين من الدرجات الخاصة ورؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة، وغير ذلك مما صار معلوماً لدى القاصي والداني، وبَحّت أصوات المتظاهرين بها منذ شباط ٢٠١١، على أن تتحقق كلها خارج سياقات المحاصصة.

إنّ هذه هي جوهر عملية الإصلاح، وليس ما جرى إلهاء الناس وتخديرهم به من خلال التراشق بقوائم مُغَفَّلة مقفلة تضم أسماء وزراء في حكومة تكنوقراط مستقلة " مزعومة " نصفهم أو أزيد استُخرِجوا من حاوية البعث ومافيات الفساد وأُعيد تدوير بعضهم من الجعبة المخفِيّة للمحاصصة الطائفيّة.

وإذا كان السيد العبادي يريد حقاً، في ما بقي له من وقت، تشكيل كابينة جديدة، تشكل جزءاً من حِزمه الإصلاحية، فعليه أن يقدم تقريراً تقييمياً علنياً أمام مجلس النواب عن كل وزير يُراد استبداله، والتاريخ السياسي والمهني لكل وزير بديل، وإلّا فإن الحديث عن مرحلة ما بعد العبادي بات استحقاقاً قائماً ينتظرُ البديلَ لا غير...

  كتب بتأريخ :  السبت 07-05-2016     عدد القراء :  3984       عدد التعليقات : 0