أعطت إيران الضوء الأخضر لنوري المالكي بالتحرك السياسي الجديد لتبييض وجهه أمام الشعب العراقي عموماً والشعب الكردي خصوصاً، بهدف ترشيح نفسه مجدداً لدورة جديدة لرئاسة وزراء العراق بعد استراحة قصيرة، مارس فيها عضو قيادة حزبه، حزب الدعوة وعضو كتلة دولة القانون وعضو التحالف الوطني، حيدر العبادي، مهمة رئاسة الوزراء بهدف التهدئة والتخفيف من شدة الاحتكاك بين قوى الإسلام السياسي، وخاصة حزب الدعوة الإسلامية ودولة القانون، والمجتمع العراقي. فنوري المالكي رجل إيران الأول بالعراق، والغالبية العظمى من قيادة حزبه وكتلة دولة القانون والتحالف الوطني، هؤلاء جميعاً يشكلون اللوبي الإيراني، منذ إسقاط الدكتاتورية الغاشمة في العام 2003 على أيدي قوات الولايات المتحدة وبريطانيا والتحالف الدولي غير الشرعي. ويختلف عنهم بقدر واضح من التمايز التيار الصدري ومرجعية السيد السيستاني التي ترفض ولاية الفقيه وترفض منافستها على المرجعية بالعراق. ومع المالكي تقف المليشيات الطائفية المسلحة، التي تشكل القوام الأساسي للحشد الشعبي. وهذا الحشد يزداد عدداً وعدة وسلاحاً ونفوذاً وتأثيراً في السياسة العراقية وفي المجتمع، وسيفوق بقدراته الممتدة إلى إيران وحزب الله بلبنان على الجيش العراقي، كما صرح بذلك هادي العامري. وليس السيد عمار الحكيم، الذي أصبح الآن رئيساً للتحالف الوطني (البيت الشيعي)، بعيداً عن هذا النهج وعن القرارات التي تتخذها إيران ومواقفها السياسية وما تريده من العراق وفي العراق، إنه الرجل ذو الوجوه العديدة!
بدأ نوري المالكي جولته السياسية بعقد لقاءات مع قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني بالسليمانية، فما هو الهدف من هذه الزيارة المفاجئة؟
ليس هناك من لا يعرف توتر العلاقة بين الأحزاب السياسية بالسليمانية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني. وسبب التباين، إذا أهملنا المسائل التاريخية، يكمن في اختلاف وجهات النظر حول قضاء أساسية مهمة مثل رئاسة الإقليم، حيث تعتبر ولاية السيد مسعود البارزاني منتهية دستورياً منذ أب 2015، وموضوع البرلمان الكردستاني وإبعاد رئيس البرلمان ومنعه من دخول أربيل، وكذلك انسحاب وزراء التغيير للسببين أعلاه، والاختلاف بشأن توزيع الحصة المالية الكردستانية من الميزانية العراقية على المحافظات الكردستانية وسبل استخدامها، وكذلك موضوع موارد النفط المتأتية من استخراجها وتصديرها بكردستان وسبل توزيعها واستخدامها، إضافة إلى موضوع الخلاف في الموقف من تشكيل الوفود نحو الخارج والتمثيل في الداخل... الخ أو الوفود التي تشكل للتفاوض مع الحكومة الاتحادية. إنها خلافات ترتبط بقضية الديمقراطية الغائبة عن الحياة السياسية بالإقليم، كما هو حال العراق كله، وهي إشكالية كبيرة، إضافة إلى سيادة الفساد الذي يعترف به الجميع دون استثناء. وقد عبر عن هذا الغياب للديمقراطية أحد الإعلاميين الكرد بقوله: "أن الديمقراطية في أوروبا لا تصلح لبلداننا"!، وغالباً ما تذرع بهذا القول الكثير من ساسة العالم المستبدين مثل حسني مبارك والسيسي والقذافي، ومن ساندهم من الإعلاميين. وهذا القول خطأ يرتكبه بعض الإعلاميين ويؤذون به من يريدون دعمه تزلفاً!
كما إن العلاقة بين رئاسة وحكومة الإقليم وبين نوري المالكي سيئة للغاية ومعروفة للجميع، والتي يتحمل الأخير مسؤولية كبيرة فيها، ولكن رئاسة وحكومة الإقليم تتقاسم، بهذا القدر أو ذاك، مع نوري المالكي وحزبه مسؤولية العلاقة المتوترة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. وقد أشرت إلى هذا في أكثر من مقال سابق أو لقاء موضحاً مواطن الخلل.
ولا يخفى على أحد من العاملين في السياسة العراقية إن المالكي يعرف توتر العلاقة بين رئاسة وحكومة الإقليم وبين إيران، في حين يعرف أيضاً حسن وتطور العلاقة بين الاتحاد الوطني والتغيير من جهة، وإيران من جهة أخرى، والعكس صحيح مع تركيا.
ومن أجل كسب ود الكرد بالسليمانية، وحيثما يوجد نفوذ للاتحاد الوطني والتغيير بالإقليم من جهة، ولإغاظة الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئاسة وحكومة الإقليم من جهة ثانية، ومن أجل التبشير برغبته في الترشيح المخجل، إن قام بذلك فعلاً، لرئاسة الوزراء والعمل على كسبهم إلى جانبه من جهة ثالثة، قام نوري المالكي بزيارته إلى السليمانية ومحادثاته مع قادة الاتحاد الوطني الكردستاني. فهل سينجح في محاولته الجديدة؟ أؤكد بأنه سوف لن ينجح في ذلك، فالكرد أذكى من أن يقعوا في مثل هذا الفخ، وأكثر أخلاقية من أن ينساقوا وراء مستبد أفلس سياسياً واجتماعياً.
أدرك نوري المالكي تماماً بأنه قد أحرَقَ أوراقه السياسية والاجتماعية بالعراق بيديه، وأمام الغالبية العظمى من الشعب العراقي بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه وفقد كامل مصداقيته، وخاصة بعد فاجعة اجتياح الموصل، وقبل ذك الأنبار وصلاح الدين ...الخ. وأدرك الشعب الكردي، الذي عاش مرارة العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم وابتعاد المالكي عن معالجة مشكلات المناطق المتنازع عليها رغم وجوده لدورتين وزاريتين أو (8 سنوات) عجاف في السلطة، وشوفينية موقفه السياسي وطائفيته المقيتة لأتباع المذهب السني في الإسلام، سواء أكانوا عرباً أم كرداً، والذي روج له بكربلاء حين تحدث عن استمرار الصراع بين أنصار الحسين وأتباع يزيد، بأن وعود المالكي التي يقطعها للاتحاد الوطني الكردستاني عبر هذه الزيارة جوفاء لا قيمة لها وبن ينخدع بها، ولن يلدغ الشعب الكردي مرة أخرى بعد أن وافق مسؤولوه على تسلم نوري المالكي لرئاسة الحكومة دورة أخرى في اجتماع طهران في العام 2010 مقابل بعض الوعود والتي لم يتحقق أي جزء منها.
سوف لن يكون في مقدور هذا السياسي الانتهازي الفاشل، الذي قال عن نفسه وجماعته ما يلي :
"أنا أعتقد بأن هذه الطبقة السياسية، وأنا منهم، ينبغي ألا يكون لها دور في رسم الخارطة السياسية في العراق، لأنهم فشلوا فشلاً ذريعاً، وأنا منهم، ينبغي أن يبرز جيل آخر بخلفية الوعي لما حصل وخلفية الأخطاء التي ارتكبوها". (راجع: شبكة شاع. العراق، آفاق). إن مثل هذا الرجل ينبغي أن يستحي من العودة إلى السياسة اصلاً!
وبغض النظر عن هذه الزيارة ولقطع دابر محاولات الاستفادة من الثغرات الكبيرة في سياسة الإقليم، أرى ضرورة إعادة رئاسة وحكومة إقليم كردستان العراق النظر في سياساتها، وكذلك الحزب الديمقراطي الكردستاني وبقية الأحزاب الكردستانية بسياساتها بصورة جدية وعميقة إزاء أوضاع الإقليم ومصالح الشعب الكردستاني بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه، وبالتحالفات في ما بينها، وكذلك تحالفاتها مع الأحزاب الإسلامية السياسية، وعدم إقدامها حتى الآن على التحالف مع القوى الديمقراطية والمدنية العربية بالعراق، لتأمين التحالف الكردي - العربي ومع بقية القوميات، بدلاً من التعويل على الأحزاب الإسلامية السياسية التي لم يعد لها مستقبل بالعراق، رغم هيمنتها الراهنة على الحكم.
وبعد زيارة المالكي للسليمانية أطلق المالكي رئيس حزب الدعوة الإسلامية ورئيس كتلة دولة القانون حملة جديدة باتجاه تبييض وجهه ووجه حزبه مع الشعب الكردي ومع بعض الأحزاب الكردستانية واستثمار الخلافات المذكورة سابقاً، والتي يمكن أن نقرأها بوضوح في الزيارة الأخير لحنان الفتلاوي إلى السليمانية لتصب في نفس الهدف الذي سعى إليه المالكي وللتصريحات التي أعطتها لوكالة سارا بريس بالسليمانية، أي لتشديد الصراع بين القوى والأحزاب الكردستانية من جهة، ومع الحكومة الاتحادية من جهة أخرى.