الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
الميليشيات المسلحة

تشكل الجماعات المسلحة التي تتبع أحزاب أو شخصيات سياسية أو دينية ظاهرة لافتة للنظر وجديرة بالبحث في العراق ، بالنظر لتعددها وتنامي قوتها العسكرية والقتالية ، وحيازتها الأسلحة الخفيفة والثقيلة ، ولم تكن هذه الظاهرة موجودة قبل سقوط الدكتاتورية ، مع أن هناك ظاهرتي تشكيل الميلشيات المسلحة في التاريخ العراقي الحديث ، أولها تنظيم المقاومة الشعبية التابعة للحزب الشيوعي العراقي في العام 1959 والذي تشكل لحماية الثورة الفتية والدفاع عن الجمهورية ، وثانيا ظاهرة تشكيل الحرس القومي التابع لحزب البعث العربي الاشتراكي في العام 1963 للمساهمة في القضاء على جميع خصوم الحزب وحماية الانقلاب والسيطرة على الشارع العراقي ، وكلاهما تشكل من مواطنين يحملون الأسلحة ويتقيدون بأوامر عليا من قياداتهم الحزبية .

وتشكل الميلشيات تنظيما عسكريا مسلحا لقوات غير نظامية ،بعض منها تتقيد بالضبط والاوامر شبه العسكرية ، وقسم منها لا تتقيد بأي شكل من الأشكال سوى بأوامر قياداتها ، وتتشكل هذه الميلشيات من مواطنين أعضاء مقاتلين يتبعون في أوامرهم وتعليماتهم للحزب او للشخص القائد ولا علاقة لهم بالدولة او بالفوات المسلحة .

ونص الدستور العراقي ضمن الفقرة ( ب ) من المادة ( 9 ) على حظر تكوين الميلشيات العسكرية خارج إطار القوات المسلحة ، وهذا الحظر يضع كل تشكيل مسلح خارج إطار تشكيلات القوات المسلحة بكل أصنافها مخالفا للقانون ، وخرقا للنصوص الدستورية .

ويجد بعض تبرير تشكيل مثل تلك الجماعات المسلحة الى الأوضاع الخطيرة التي تهدد البلاد ، وتعرضها للغزو والعدوان ، ولزوم مواجهة التشكيلات العسكرية العدوة بأية صورة ، ومعاونة القوات المسلحة على التصدي لمثل هذا الهجوم ، بمعنى أن فكرة الدفاع عن الوطن تدفع مثل هذه التشكيلات المسلحة بالضرورة لتقوية جبهة القتال ضد الأعداء ، وهناك من يجد إن مثل هذه التشكيلات المسلحة تحمي المجتمع والبلاد من تعسف الحكومة أو محاولات الانحراف نحو الدكتاتورية ، ومن حق الناس ان تمتلك الأسلحة للدفاع عن نفسها في مثل هذه الظروف .

أن مثل هذه التشكيلات تتكون من عدد من المواطنين المتطوعين ليكونوا نواة لتشكيل شبه عسكري ضمن التشكيل السياسي أو الديني ، وان تشكيل مثل هذه المليشيات للضرورات التي تبيح المحظورات ، وعلى أساس أنها ستقدم على حل نفسها بعد انقضاء مرحلة الخطر الداهم أو تخطي مرحلة الاعتداء والغزو الذي يعصف بالبلاد ، وإنها ستحل نفسها ضمن أطار القوات المسلحة باعتبارها القوة العسكرية الوطنية التي تخضع للقيادة المدنية وتقوم بمهمة الدفاع عن العراق .

وحيث أن لكل فعل رد فعل فقد عمد إتباع المذهب الجعفري ( الشيعة ) على تشكيل ميلشيات مسلحة ردا على تشكيلات طائفية وإرهابية اتخذت من مذاهب السنة غطاءا وستارا لمقاصدها وأهدافها ، وبالتالي فقد تشكلت العديد من الميلشيات من مختلف الانتماءات المذهبية والطائفية خارج إطار القوات المسلحة ، بل وخارج سيطرة الدولة العراقية نتيجة للعنف الطائفي الذي اجتاح العراق .

عدد من هذه الميلشيات يتم دعمه من قبل الحكومة العراقية أو عدد من السياسيين الذين يتحملون مسؤولية إدارة البلاد ، وعدد أخر من هذه الميليشيات من يتخذ موقفا سلبيا من الحكومة ولا ينسجم مع خطها السياسي ، وتنامت القوة العسكرية لعدد من هذه الميلشيات حتى أنها متمكنة من مواجهة القوات المسلحة أو السيطرة على عدد من البلدات والقصبات ، كما إنها يمكن أن تسيطر على الشارع العراقي في المناطق التي تتواجد فيها وتشكل أطارا عسكريا لدولة داخل الدولة .

ولتنامي قوة هذه التشكيلات وسيطرتها الفعلية على عدد من المناطق فان الحكومة العراقية بالنظر للخلل في تركيبها والخواء والضعف الذي يعتريها نتيجة الفساد والتمسك بالمحاصصة الطائفية ، فقد بدا التعامل معها كأمر واقعي له مبرراته حسب زعمها ، ولم تتمكن من اتخاذ أي أجراء أو قرار يجسد معاني الحظر الذي نص عليه الدستور ، بل أن الحكومة العراقية أضفت صفات قانونية لقيادات هذه التشكيلات بالسماح لقياداتها بارتداء الرتب العسكرية الرسمية للقوات المسلحة دون أن تبرير منطقي أو قانوني مقبول .

وغالبا ما يلجا الناس لحل خصوماتهم وخلافاتهم إلى تلك المجموعات المسلحة التي تفرض حلولها بالقوة ورهبة السلاح ، مما جعلها قوة بديلة عن سلطة الدولة ، كما أخذت العديد من قيادات هذه الميلشيات أن تتخذ من مواقعها ومراكزها في هذه التنظيمات جسورا ومعابر لتحقيق مصالحها ورغباتها ، وبالتالي بناء شخصيات مفروضة على منظومة الحكومة باسم تلك التشكيلات .

أن لكل ميليشية مسلحة قوانينها وأعرافها وتقاليدها وسجونها وأماكن تدريباتها ومن ثم أماكن خزن ألأسلحة الخاصة بها ، وأنواع الرتب العسكرية التي يحملها أفرادها على أكتافهم ، وارتباطاتها المعلنة أو المخفية ، ما يجعلها كيان مسلح داخل الدولة ينافس قواتها المسلحة ولا يأتمر بأوامرها .

وما يثير المخاوف بعد هزيمة ما يسمى بالدولة الإسلامية ( داعش ) وتحرير الموصل وبقية مناطق العراق المغتصبة ، بروز ظاهرة الاحتراب الداخلي طائفيا بين تلك الميلشيات المسلحة نتيجة التنافس والاختلاف في المقاصد وبين القوات المسلحة ، ثم الخشية والخوف من ظاهرة التصادم العسكري المسلح بين الفصائل نفسها نتيجة الانقسامات والاختلافات في الرؤى ، بالنظر لوجود الأسلحة والإمكانيات العسكرية التي تسهل وتمهد لمثل هذا التصادم ، وبالنظر لوجود مصادر عسكرية وسياسية تغذي وتديم هذه القدرات وتدفع لتعميق الخلافات بين تلك الفصائل بدلا من انصهارها داخل تنظيم القوات المسلحة والتزامها بالدستور والقوانين النافذة .

إن انتشار تشكيل الميلشيات المسلحة والتي تمتلك جميع أنواع الأسلحة الحربية في كل أرجاء العراق يعمق المخاوف من عودة العراق إلى مرحلة القتل الطائفي وانعدام الأمن وسيطرة الجماعات المسلحة على الشارع ، ويجدد الخطر الذي يحيق بالعراق من وجود تشكيلات مسلحة يمكن أن تواجه القوات المسلحة وتتصدى لها ، مما يشكل ليس فقط خرقا للدستور ولمبادئ الحياة الآمنة وحق الإنسان في التمتع بالحياة والحرية والكرامة ، إنما يشكل تعسفا للحياة الاجتماعية وتعارضا مع الأهداف الوطنية ومباديء الحقوق المدنية والسياسية .

إن أكثر ما يزيد الأمر غرابة ارتباط العديد من هذه الميليشيات المسلحة بأحزاب وقيادات تساهم في رسم سياسة العراق ، وهي تتراجع به إلى الخلف مع سبق إصرارها على هذا التراجع المريع ، ويشكل ظاهرة من ظواهر اختطاف الدولة ، حيث لايمكن للقوات المسلحة وأجهزة الأمن والشرطة أن تؤدي دورها الفاعل مع وجود مثل هذه الميليشيات المدججة بالأسلحة والخارجة عن تنظيم الدولة .

  كتب بتأريخ :  السبت 24-09-2016     عدد القراء :  3747       عدد التعليقات : 0