الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
حقيقة الصراع بين سارتر وكامو مع صورة نادرة تجمعهما
الخميس 07-11-2013
 
وكالة انباء حمورابي

كان ألبير كامو وجان بول سارتر متواشجين طيلة حياتهما الفكرية، بوصفهما من أهم عقول القرن العشرين. كتب كامو في يومياته عام 1946 أن الشهير "شخص اسمه الأول غير مهم". وهو قول يصح بكل تأكيد على كامو نفسه، وكذلك على خصمه اللدود جان بول سارتر الذي كان يكبره 8 اعوام، لكنه عاش بعده 20 عامًا.

سارتر أو كامو؟

كان كامو وسارتر نجمي الفلسفة الوجودية والأدب الطليعي في سنوات ما بعد الحرب. واصبح المفكران الفذان قطبين في صراعات فكرية شهدتها سنوات النصف الثاني من القرن العشرين، وتحددت بصراعهما سجالات فكرية في فرنسا والعالم. وكان اختصام كامو وسارتر في العلن صيف 1952 حدًا سياسيًا فاصلًا، أسفر عن نشوء معسكرين في غمرة الحرب الباردة. وعلى امتداد عقود ظل الناس يسألون: "سارتر أو كامو؟".

في الواقع، اعترض كامو وسارتر طريق احدهما الآخر منذ البداية، إذ كان الاثنان مفكرين وكاتبين وقصاصين وناقدين أدبيين ومسرحيين وفيلسوفين ورئيسي تحرير. وكان لديهما ناشر واحد. وكلاهما نالا جائزة نوبل للآداب. وشعر كامو بامتنان عميق حين قبل الجائزة عام 1957 فيما رفضها سارتر بإباء عندما مُنحت له عام 1964، مؤكدًا أنه لن يقبل الاهانة المتمثلة في أن "كامو تلقاها قبلي"، كما اعترف ذات مرة.

البرجوازي وابن الشوارع

كان هناك قاسم مشترك آخر قد لا يبدو مهمًا، إذ كان الاثنان يفضلان صحبة النساء على الرجال. وتساءل كامو في يومياته عام 1951: "لماذا المرأة؟" وأجاب عن سؤاله كاتبًا: "لا أُطيق صحبة الرجال، فهم يتزلفون أو يصدرون الأحكام، وأنا لا أُطيق أيًا منهما".

وفي عام 1940، استخدم سارتر المفردات نفسها تقريبًا في يومياته، عندما أشار إلى أنه يشعر بملل فظيع في صحبة الرجال، "ومن النادر ألا استمتع بصحبة النساء".

وظل كامو وسارتر فترة طويلة صديقين وحليفين. لكن كامو لم يتمكن من أن يكتم احساسه المتزايد بالابتعاد عن شلة المثقفين الباريسيين المحيطين بسارتر وصديقته سيمون دو بوفوار. ومهما خاض من نقاشات وأمضى من ليالٍ في السكر والصخب والرقص ومعاشرة النساء، فقد بقي متفردًا ساهمًا.

وكان سارتر ينظر بشيء من الحسد إلى كامو، الجزائري الفرنسي الوسيم، الذي سماه لاحقًا "إبن الشوارع الآتي من الجزائر"، في حين كان يعتبر نفسه ابن البورجوازية الفرنسية، وسعى إلى استعراض انسلاخه عنها وفصم اواصره بها. اما كامو فكان فخورًا بأصوله المتواضعة ولم يتنكر قط لجذوره.

سجال العصر النظري

التقى الكاتبان الطموحان للمرة الاولى في باريس المحتلة خلال صيف 1943. وقدم كامو نفسه بمناسبة العرض الأول لمسرحية سارتر "الذباب". وحينذاك كانت مجموعة صغيرة من الفنانين والفلاسفة يلتقون بانتظام في بيوت خاصة، أو في مقاهي سان جرمان وسط باريس. لكن المماحكات سرعان ما بدأت تطفو على السطح بينهما قبل أن تُكشف للرأي العام. وكثيراً ما كانت النزاعات تدور حول النساء. وفي اوائل 1944، كتب سارتر رسالة إلى صديقته الحميمة دو بوفوار يتباهى فيها بانتصاره على حبيب النساء كامو.

ومهد مثل هذا العبث الطفولي لما يسميه الفيلسوف الفرنسي برنار ليفي "سجال العصر النظري"، الذي اندلع بعد سنوات. وما زاد الخصومة تعقيدًا أن دو بوفوار ابدت اهتمامًا جنسيًا بكامو، لكنه قابل غزلها بالصد.

وبقيت النبرة ودية لبعض الوقت، وعندما زار سارتر الولايات المتحدة عام 1945 وتحدث عن ظهور أدب جديد في فرنسا، قال إن هذا الأدب ثمرة المقاومة والحرب، "وخير من يمثله ألبير كامو، ابن الثلاثين عامًا".

وفي ربيع 1944، اصبح كامو رئيس تحرير صحيفة كومبا السرية. وحتى بعد تحرير فرنسا وصدورها علنًا بقي رئيس تحريرها سنوات عديدة. وكانت افتتاحيته حديث المدينة وأسهمت سمعته صحفيًا في أن يعمل مع المقاومة الفرنسية في نيله الشهرة والاعتراف.

عمالة للرأسمالية

سعى سارتر، الذي أصدر مجلته المعروفة "الأزمنة الحديثة" في عام 1945 إلى إقناع كامو بموقفه من الأدب الملتزم. ولاحظ سارتر أن المقاومة تعلمت خلال العمل السري ضرورة الدفاع عن حرية الكلمة، وآن الأوان لالتزام الكتّاب التزامًا تامًا بقضايا سياسية في اعمالهم. وعلق كامو في البداية قائلًا: "انا أُفضل الأشخاص المسؤولين اجتماعيًا على الأدب المسؤول اجتماعيًا"، ورفض اتهام من يكتب قصيدة عن جمال الربيع بـ"العمالة للرأسمالية".

واستشاط كامو غضباً في عام 1946 عندما انتقد سارتر تحفظاته الأخلاقية بشأن الاتحاد السوفياتي، قائلًا إن تهجير الملايين في الاتحاد السوفياتي أخطر من شنق أسود واحد بلا محاكمة في الولايات المتحدة، لكن شنق الأسود نتيجة وضع تاريخي دام أطول بكثير من عمر الاتحاد السوفياتي، بحسب سارتر.

كان كامو ينفر من محاولات تبرير التضحية ببشر من أجل مثل أعلى. وفي احد الاجتماعات، صفق الباب وراءه عندما انسحب من النقاش. استخدم كامو الأدب وسيلة للدفاع عن موقفه. وفي روايته "الطاعون"، كتب: "قيل لي إن قتل هؤلاء القلة حتمي لبناء عالم جديد لن يكون فيه قتل، وكان هذا صحيحًا إلى حد ما، وقد لا اكون قادرًا على الوقوف بثبات حيث يتعلق الأمر بهذا النظام من الحقائق". وهذه مفارقة مريرة تكشف احساسًا متزايدًا بالخصومة بين كامو وسارتر.

وكان كامو بلغ ذروة شهرته وقتذاك. إذ بيع من "الطاعون" مئات الآلاف، واصابت الرواية نجاحًا عالميًا ساحقًا. والأكثر من ذلك أن مقاله "اسطورة سيزيف" الذي نُشر عام 1942 ظل عملًا مقروءًا على نطاق واسع، وموضع نقاش عالمي خلال سنوات ما بعد الحرب.

تدنٍ فكري

تفوق كامو، الفتى القادم من الجزائر العاصمة حيث درس الفلسفة في جامعتها، على منافسه سارتر الطالب النخبوي من ايكول نورمال سوبيريور. وقدم كامو نفسه مفكرًا من جديد بقطعته الفلسفية "المتمرد" التي نُشرت في خريف 1951. لكنه لم يتوقع المعارضة التي اصطدم بها من الوسط الفكري الباريسي المحيط بسارتر.

بقي ما يكفي من الاحترام بين كامو وسارتر لنشر فصل "نيتشة والعدمية" في مجلة الأزمنة الحديثة، لكن ما أعقب ذلك كان صمتًا مطبقًا، إذ توقع كامو نشر متابعة وكانت هيئة التحرير على علم بتوقعه ذلك. وبعد فترة، نشر سارتر نقدًا متأخرًا للعمل كُلف بكتابته شاب من اعضاء أسرة التحرير، فلم تكن هذه بادرة ودية من سارتر، لأن الناقد كان يريد تسجيل نقاط، ومزق كامو اربًا بنقده.

وتأثر كامو الحساس رغم تمرسه بالسجالات، واخطأ بارساله ردًا طويلًا اعقبه انهيار صداقته مع سارتر. ورفض كامو، الذي كان ذات يوم عضواً في الحزب الشيوعي، التلميح إلى أنه اصبح يمينيًا بسبب ثناء اليمين عليه، ولأنه يرفض أن يسمي نفسه ماركسيًا. وكتب سارتر رسالة إلى كامو قال فيها: "لم تكن صداقتنا سهلة، لكني سأفتقدها". ثم نسف سارتر ما قاله عن هذه الصداقة لاحقًا باتهامات بلغت ذروتها بالتشكيك في كون كامو مفكرًا، وأعلن أن كتاب كامو يكشف عن تدني مستواه الفلسفي، وأن تعليله "غير دقيق" وافكاره "مبهمة ومبتذلة".

كامو ونوبل

قرر كامو أنه لا يريد الاستمرار في اللعب. وكان مشلولًا بسبب هذا الانفجار المفاجئ للكراهية المكبوتة، كما تنقل مجلة شبيغل اونلاين عن رسالة كتبها كامو إلى زوجته. فانسحب من المعركة كاتبًا في يومياته: "هناك خداع وتنكر وتنديد من جانب الأخ لأخيه".

عندما فاز كامو بجائزة نوبل بعد سنوات، بدا مسترخيًا في رده على سؤال عن علاقته بسارتر خلال مؤتمر صحفي في ستوكهولم، قائلًا: "العلاقة بيننا متميزة، لأن أفضل العلاقات هي التي لا يرى فيها احدنا الآخر".

وفي مقابلات وكلمات لاحقة، أكد مجددًا أنه يعتقد أن الكاتب لا يستطيع الافلات من مآسي عصره، واعلن في السويد: "نحن كتّاب القرن العشرين لن نكون وحيدين ابدًا، بل على العكس يجب أن نعرف اننا لا نستطيع الهرب من البؤس المشترك، وأن مبررنا الوحيد، إن وُجد مبرر، هو اننا نتكلم باسم من لا يستطيعون الكلام، في حدود قدرتنا على الكلام".

وقد يبدو كامو مصيبًا في ذلك من منظور اليوم، لكنه حتى يوم مماته ظل يشعر بأنه انسان مقهور، تحتقره التيارات اليسارية الرئيسية في اوروبا. وخرج سارتر من المعركة بطلًا، وبعد سنوات على رحيل كامو اصبح ايقونة الاحتجاجات الطلابية في 1968.

رثاء مؤثر

تألق سارتر في مشاركته بالتظاهرات، يخطب في العمال المضربين ويتعرض للاعتقال، مدافعًا عن الثورة الثقافية في الصين. وابدى تعاطفه مع فيدل كاسترو ومع اعمال ارتكبها جناح الجيش الحمر الالماني. وفي مقابلة اجرتها معه مجلة شبيغل عام 1973، قال سارتر إن هناك قوى ثورية يجدها مثيرة للاهتمام مثل جماعة بادر ـ ماينهوف، لكنه اضاف أنها ربما ظهرت قبل اوانها. وفي عام 1974 زار اندريس بادر في السجن.

حين توفي كامو في سن السادسة والأربعين نتيجة حادث سير في مطلع عام 1960، كتب سارتر نعيًا مؤثرًا في رثائه، وقال: "هناك عبثية لا تطاق في هذا الموت".

وفجأة اصبح كامو كاتبًا لا غنى عنه، حين كتب سارتر: "إن كامو بصرف النظر عما فعله أو قرره لاحقًا، لن يكف ابدًا عن كونه من القوى الرئيسية لنشاطنا الثقافي أو ممثل تاريخ فرنسا وهذا القرن بطريقته الخاصة".

وبعد 15 عاماً، وقبل خمس سنوات على موته هو، سُئل سارتر (70 عامًا) مرة اخرى في مقابلة مع مجلة "الأزمنة الحديثة" عن علاقته بكامو. وكان جوابه: "كان كامو على الأرجح آخر اصدقائي الحميمين".

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
اللجنة المركزية لتظاهرات تشرين تكشف لشفق نيوز تفاصيل "إحياء الذكرى"
الفصائل العراقية تعود لقصف إسرائيل بعد توقف 48 ساعة.. وبغداد ملتزمة بالخط الدبلوماسي
جوتيريش: غزة كابوس.. ولبنان على حافة الهاوية
آلاف المواقع الأثرية في العراق تعاني الإهمال وغياب الفرص
رسالة وأهداف عدة.. ماذا وراء هجمات الميليشيات العراقية على إسرائيل؟
غارات إسرائيلية تدمر قرى جنوبية لبنانية وتخلف 182 قتيلاً
العراق يدعو لمنحه الأولوية في التمويل المناخي
رئيس الوزراء سيعقد اجتماعات مع قادة العالم ويعرض إنجازات حكومته
التحرش الجنسي في العراق.. ظاهرة تتفاقم ومخاوف تجبر ضحايا على "الصمت"
بعد نجاتهن من داعش.. محنة الإيزيديات مستمرة في مخيمات النزوح
"صفحة واحدة" تشرعن زواج طفلة بـ9 سنوات في العراق
"موت تدريجي".. الأزمة المائية في الجنوب تدخل مرحلة خطيرة!
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة