الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
بعيداً عن ملكتي .. بعيداً عن الثورة
الأربعاء 20-11-2013
 
عبد السادة جبار

تغير الثورات الشعبية السياقات القديمة جوهرياً، وتصنع مفارقة تاريخية بين من رهن حياته وسلوكه ومستقبله ومشاعره على واقع اعتقده غير متحول وبين من انتفض على ذلك الواقع الذي كان يئن تحت وطأته ردحاً طويلاً من الزمن، ومن هنا تصبح الخلافات أكثر حدة بعد التغيير بين المدافعين عن الماضي والمدافعين عن التغيير، وهكذا تروى الحكايات عن الملوك والسلاطين والطغاة ورؤساء الأنظمة السابقة بطريقة تجعل منهم أبرياء وايجابيين، وتصنع منهم أحياناً أبطالاً مظلومين، وان من أطاح بهم كان ظالماً، والبعض يقدم العكس، وتصبح الموضوعية في السرد أمراً نادراً، هذا الفيلم يختار الموضوعية في رواية عن جانب من الثورة الفرنسية.

عن الأيام الأربعة

جاء اختيار الفيلم الفرنسي “وداعاً مليكتي” للمخرج بينويت جاكوت كعرض افتتاحي لمهرجان برلين العام 2012 ليتناغم مع ثورات الربيع العربي  ومع التغيرات التي نتجت عنها، بالرغم من أن الفيلم لم يكن عن الثورة الفرنسية، بل تناول فترة قصيرة جداً تقع في أثناء الأيام الحاسمة للثورة 1789 تجري أحداثه في فترة قصيرة جداً وهي الأيام من 14الى 18 تموز، وبالرغم من ذلك إن تأمل أحداث الفيلم يعطينا فكرة تفصيلية عن اضطراب شخوص الفيلم وما أصابهم من ذهول أمام تلك الصدمة المفاجئة لقدرة الجماهير عند زحفها على قوى التجبر والظلم والتهتك  المتجسد في حكم لويس السادس عشر وزوجته النمساوية ماري انطوانيت، ذلك الاضطراب الذي يصيب قصر فرساي والتخبط في اتخاذ القرارات، الصراع بين الخوف من الشعب والإخلاص للبلاط، والفوضى التي تجعل الجميع يهمس، وذعر الحاشية من الأخبار التي تصل إليهم عند تقدم الشعب وسقوط الباستيل، والتوعد بقطع رؤوس أكثر من مئتي شخص من البلاط، الفيلم صورة عن رعب البلاط  ومن يفكر في إنقاذ ما يمكن إنقاذه،  والتركيز هنا على ثلاث شخصيات الملكة ماري انطوانيت “ديان كروجر”وخادمتها قارئة الكتب سيدوني “ليا سيدوكس “ وصديقة الملكة أو كما يصورها الفيلم عشيقتها جابريللي “فيرجيني ليدون”والتي تحبها الملكة حباً جماً،  والفيلم عن رواية بالعنوان نفسه صدرت العام 2002 من تأليف شانتال توماس، وصارت من أكثر الروايات انتشاراً. غيرت الثورة الفرنسية مسار التاريخ الإنساني، فقد جاءت بلائحة حقوق الإنسان كما جاءت بطبقة جديدة وهي الطبقة الوسطى من سكان المدن فقبلها كانت الدنيا إقطاعيات يملكها الأباطرة والسلاطين والقياصرة والملوك، وكان كل الناس تابعين عبيداً سواء من الفلاحين والعمال أو العلماء، ما رأيناه في  الفيلم إن الأحداث عبارة عن خلفية درامية عن شخوص يعيشون حياتهم الخاصة والذاتية بمعزل تماماً عن فهم قوة هذه الثورة وكان أفراد تلك الطبقة السفلى من الحاشية وهم الخدام أو الخادمات في تلك الظروف إما سراقاً أو متعاطفين مع البلاط مسحورين بالطغاة.

سيناريو الفيلم

تبدأ أحداث الفيلم تحديداً يوم 14 تموز 1789 تستيقظ  سيدوني من فراشها و آثار لسعات البعوض واضحة عل ذراعها لتسرع إلى قصر فرساي لتقرأ للملكة ما ترغب به من الكتب من روايات أو مسرحيات، وعندما تقترح عليها أن تقرأ لها إحدى الروايات النمساوية مجاملة لها، ترفض الملكة وتطلب نصاً عابثاً، في أثناء القراءة تضطر سيدوني لحك آثار لسعات البعوض تكتشف الملكة ذلك وتطلب ماء الورد لتدعك لها يدها، تنبهر سيدوني بذلك وينتابها شعور غريب بحب الملكة، تتعرف على الحكيم العجوز مورو الذي ينصحها بعدم الاختلاط بأي كان، ولكن كل ما يهمها من ذلك هو الملكة، حياتها، سعادتها، ماتعشقه، مورو يحذرها من هذا الانجذاب وتناسي نزوات هذه الملكة العابثة تكتشف الاضطراب والخوف الذي يصيب الجميع وتتسرب الأخبار عن تقدم الجموع إلى سجن الباستيل وتهديمه وخروج ثلاثة أشخاص فقط كانوا محجوزين في داخله،  إلا أن مايثير سيدوني  هو عشق الملكة لجابريللي، كانت تستمع إليها من وراء الستار وهي تتغزل بها وتعانقها تشتد غيرة سيدوني منها ومن تعلق الملكة بها وتتحول لديها الحالة إلى هاجس يعذبها، يدفعها إلى أن تكون أفضل منها في خدمة الملكة لتحظى برضاها وتنفذ لها أي طلب بما فيه ترتيب الهرب، وعندما يصبح الخطر وشيكاً على حياة حاشية البلاط ويصبح رأس جابريللي مطلوباً كما هو رأس الملك والملكة، تنصحها بأن تهرب، وتجد جابريللي ذلك فرصة لتنجو بنفسها  بالرغم من تعلق الملكة بها  ثم تبلغ طاعة سيدوني العمياء حد المجازفة بنفسها، إذ توافق على أمر  الملكة بأن ترتدي سيدوني ثياب الأميرة جابيريللي وترتدي الثانية ملابس خادمة لتهرب خارج باريس وفي ذلك فخ واضح في حالة اكتشاف الأمر من الثوار ستكون سيدوني ضحية، وهكذا تركب العربة تحيي المزارعين بيدها ممن يشيرون إليها بأن تقطع رقبتها قريباً مما يزعج ويرعب جابرييلي ويسر سيدوني، إذ تنقلب المعادلة لتبدو الخادمة سيدة والسيدة خادمة ولو إلى حين، وعندما تستوقفهم إحدى الدوريات لا تأبه بالقول لهم إنها في رحلة ولديها حصانة وان من معها هم من الخدام لتمعن في إذلال الأميرة، لكن الأمر ينتهي بالنجاة، وترحل العربة حيث نسمع صوت سيدوني وهي تقول:اسمي سيدوني لابورد ..أمي  وأبي ميتان ..كنت قارئة للملكة ..أطعت الملكة ..قريباً سأكون بعيدة عن فرساي .. قريباً سأكون لا أحد . يلخص الفيلم في هذه النهاية معنى وجود سيدوني ..يتيمة ..موهوبة وجدت نفسها في القصر بجانب الملكة ..فرساي هو عالمها وحياتها ..بعيداً عن فرساي ..ستكون لاشيء ..الثورة لن تفعل لها شيئاً ..ولن تجعلها شيئاً ..

المعالجة الفنية

تمكن المخرج  بينويت جاكوت من تصوير الأمكنة بدقة وصدق، ومن خلال انتقالاته الذكية بين أمكنة الخدم ومخدع الملكة استطاع أن يعبر من خلال الإضاءة وحركة الشخوص ذلك القلق والاضطراب والفوضى التي حولت القصر إلى سجن كبير تهيم به تلك الشخصيات التي كانت قبل هذا التاريخ تعيش حياة عابثة غير أبالية، تحول قصر فرساي إلى سفينة في بحر متلاطم تشرف على الغرق، حتى سير الحرس النظامي بدأ مرتبكاً ..إلا أن المخرج كان حريصاً على أن يجعل الملكة تمعن بطلباتها ونزواتها القديمة كمحاولة للثبات إلا انه صور ذلك لتبدو في حالة من الهستريا في بعض الأحيان، وعلى الرغم من تصوير الخادمة سيدوني بكونها مأخوذة بحب الملكة إلا أنها بدت في أحيان كثيرة شخصية واثقة، وقد كان لأداء الممثلتين الرئيستين  الشخصيتين ماري انطوانيت “ديان كروجر” وخادمتها قارئة الكتب سيدوني “ليا سيدوكس “رائعاً، إذ تمكنت الأولى من استيعاب مشاعر المحنة والاندفاعات الذاتية وتجسيد تلك الطفولية العابثة لشخصية الملكة، كما تمكنت الثانية من تجسيد ذلك الاندفاع وراء حب غير واعٍ والتعبير عن تلك المشاعر التي تدل على إنسانة مأخوذة بهيمنة طاغية، ومع ذلك فان المخرج لم يستفد من الغوص في مشاعر وجذور فكرة الثورة، بل لم يصور لقطة واحدة عن حركة الثورة أو أحد قادتها، برغم عدم اطلاعي على الرواية إلا أنني أعتقد جازماً بان المخرج قد تجاوز أشياء مهمة من تلك الرواية التي حظيت بنجاح كبير.

فيلم “ LES ADIEUXA LA REINE”، تمثيل: ليا سيدوكس، ديان كروجر، فيرجيني ليدون

إخراج: بينويت جاكوت

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
اللجنة المركزية لتظاهرات تشرين تكشف لشفق نيوز تفاصيل "إحياء الذكرى"
الفصائل العراقية تعود لقصف إسرائيل بعد توقف 48 ساعة.. وبغداد ملتزمة بالخط الدبلوماسي
جوتيريش: غزة كابوس.. ولبنان على حافة الهاوية
آلاف المواقع الأثرية في العراق تعاني الإهمال وغياب الفرص
رسالة وأهداف عدة.. ماذا وراء هجمات الميليشيات العراقية على إسرائيل؟
غارات إسرائيلية تدمر قرى جنوبية لبنانية وتخلف 182 قتيلاً
العراق يدعو لمنحه الأولوية في التمويل المناخي
رئيس الوزراء سيعقد اجتماعات مع قادة العالم ويعرض إنجازات حكومته
التحرش الجنسي في العراق.. ظاهرة تتفاقم ومخاوف تجبر ضحايا على "الصمت"
بعد نجاتهن من داعش.. محنة الإيزيديات مستمرة في مخيمات النزوح
"صفحة واحدة" تشرعن زواج طفلة بـ9 سنوات في العراق
"موت تدريجي".. الأزمة المائية في الجنوب تدخل مرحلة خطيرة!
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة