في بحث التخرج الذي أعددته أنا وزميلي في مرحلة البكالوريوس عن إحدى الانتفاضات في (محافظة البصرة) تطلب البحث الحصول على مصدر أو نص أو وثيقة توثق يوم انطلاق انتفاضة آذار عام 1991م المعروفة بانتفاضة 15 شعبان هــ، فكثير من أحداث تلك الانتفاضة شفاهية وغير موثقة. احتجنا على الأقل إلى مصدر يذكر لحظة الانتفاضة في (محافظة البصرة)، وقد صادف أن عرض لقاء مع المبعوث الروسي إلى الشرق الأوسط (بريماكوف) في إحدى القنوات وتكلمه عن بعض أحداث الانتفاضة، فعثرت على كتابة مذكرات بريماكوف عبر شبكة النت إذ يتكلم عن أحداث الحرب على الكويت. وأهم ما ميز الكتاب هو جهل الساسة العراقيين (البعثيين) بالسياسة الدولية وأهمية القرارات التي يتخذها مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى إحراج العراق للحليف الروسي أمام الدول العظمى بسبب مواقف العراق آنذاك المتعنتة والارتجالية التي لا تتسم بالنفس الطويل في التفاوض مع الدول الأخرى والتي كان يتحملها شخصان هما صدام وطارق عزيز فكان ما كان من تدمير وخراب للبلد.

وفي جولة البحث عن كتاب بريماكوف في المكتبات البصرية عثرت على كتاب (الآمال المجهضة) طبع دار الملاك عام 2008م للمهندس عصام غيدان وهو عراقي من (مندلي) كان أقام في كينيا بعد هجرته من العراق بسبب اعتقاله عام 1963م ثم انتقل إلى بيروت وفلسطين والبحرين ودول أخرى كونه مسؤولا عن المدارس والأبنية التراثية في منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة وكونه ممثلا عنها، وهو أحد الأشخاص الذين كلفتهم اليونسكو بالإشراف على الكشف عن مدى الأضرار التي لحقت بالآثار والأبنية التراثية في العراق بعد عام 1991م وجردها من الموصل إلى البصرة، وبقي في العراق حتى العام 2003م، وقد ذكر يوم انطلاق الانتفاضة من ساحة سعد وسط البصرة على يد جندي عائد من الكويت.

وأهم ما يميز ذكريات غيدان هو توليه الإشراف على تعمير العتبة العسكرية عام 2006 و2007 بعد التدمير الإرهابي وبعد فشل الشركة التركية في إعادة الإعمار، وقد اختارته الأمم المتحدة لعدة اعتبارات أهمها كونه مسلما وعلى المذهب الجعفري لحساسية المكان وقداسته، وما زال مستمرا في عمله لإعادة بناء العتبة العسكرية.

وفي كتابه يذكر علاقته بعطا عبد الوهاب السكرتير الخاص في الديوان الملكي، فأخذت بالبحث عن عبد الوهاب حتى عثرت على مذكراته في معرض الكتاب الذي أقيم في جامعة البصرة، وهو من إصدار المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2001م. ويتحدث السكرتير عن الملك فيصل الثاني واهم لحظات حياته عندما ردد الآية (يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء...) كيف اغرورقت عيناه بالدموع وقال لآمر الحرس الملكي عبر التلفون (لا لا ترموا لا أريد أن تسفك قطرة دم واحدة من اجلنا فإذا كانوا لا يريدوننا فنحن نخرج)، كما أن السيد عطا عبد الوهاب عين سفيرا للعراق في عمان بعد عام 2003م حتى عام 2006م ولا يزال يعيش هناك.

وفي جولة البحث تلك عثرت أيضا بطريق الصدفة على كتاب (مقاتل من الصحراء) وهو عبارة عن مذكرات الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود قائد القوات المشتركة في حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت) وهو كتاب من القطع الكبير عن دار الساقي الطبعة السادسة 1996م ويحوي (566) صفحة، يتحدث فيه عن كثير من ذكرياته ابتداء من طفولته وشبابه حتى دخوله كلية (ساندرهيست) العسكرية في بريطانيا، ورغم أن الذكريات شخصية وتدور بين شخص وأفراد عائلته فان أهميتها تبرز عند تولي الأمير قيادة القوت المشتركة وخلافاته مع الجنرال الأمريكي (شوارزكوف) وكيفية اتخاذه لقرارات خارج المشاورة العسكرية مع شركائه ما يعطي انطباع بان القوات العربية كانت قوات شكلية والأمور كانت بيد القوات الأمريكية وهو الأمر الذي حسمته خيمة صفوان التي بان فيها الخاسر (العراق) والرابح (أمريكا) وبقية الدول عبارة عن (كومبارس) عسكري حضر لملء الشاشة والتقاط الصور.

وقد انشأ لهذا الكتاب موقع الكتروني خاص ومنتدى باسم (مقاتل من الصحراء) وفيه عدد كبير من المشتركين والمعجبين واعتقد أن اغلبهم من السعودية يبدون عددا من التعليقات والإعجاب ببطولات الأمير التي لم نسمع بها ولم نقراها في الذكريات التي ملأت 566 صفحة.

لقد كانت رحلة ممتعة بين عدد من الكتب اكتشفت فيها أننا كعراقيين نعيش في حوض ثقافي وتاريخي وسياسي عميق ولدينا شخصيات على مستوى عالمي لكننا نبعثر منتجاتنا في أسواقنا المحلية بمهاترات سخيفة وساذجة ومراهقة، وان غيرنا ينفخ بأبطال من الورق ويسوق لهم إعلاميا وتجاريا ويحاول فرضهم على دول وشخصيات كانت اللبنة الأولى لبناء الحضارة وما زالت.

وإنا لله وإنا إليه راجعون

*كاتب عراقي