لم أكن أعتقد بأن السيد ترامپ كانت لديه أية حظوظ للفوز بمنصب رئيس جمهورية الولايات المتحدة نظرا لسجله المثير للجدل، وتصريحاته المناهضة للأقليات العرقية التي تعيش في البلاد، وحقوق المرأة، والبيئة، والنقابات العمالية وخدمات الصحة والتقاعد.. وجاء فوزه كصدمة مدوية للشعب الأمريكي المنقسم بين مؤيد ومناهض.. وكما أصبح معروفا بأن أخطاء الحزب الديمقراطي، وتلطخ سمعة منافسته هيلاري كلنتون بفضائح سياسية، وعدم مشاركة أعداد كبيرة من أنصار منافس كلينتون الديمقراطي السيناتور ساندرز الغاضبين من انحياز قادة الحزب إلى كلينتون، كلها مجتمعة أدت إلى ما يسميها الأن الشارع الأمريكي بالكارثة..
وحينما بدأ السيد ترامب باختيار طاقم إدارته، تجددت الاتهامات له بالتعصب، حيث تم اختيار أكثر العناصر المعروفة بمواقفها اليمينية. وهكذا بقيت وسائل الإعلام الأمريكية التي اتهمها السيد ترامب بالانحياز تسلط الضوء على سياسته المقبلة نظرا لاختياراته لمعاونيه وطاقمه الإداري والوزاري..
ومنذ اليوم الأول لتنصيب السيد ترامپ لرئاسة الجمهورية، بدأت الاحتجاجات المناهضة له تجتاح مدن الولايات المتحدة، حيث شاركت أعداد كبيرة من فناني هوليود وعلى راسهم الممثل المعروف روبرت دي نيرو في واشنطن العاصمة حيث تخلل ذلك اعمال شغب قام بها محتجون غاضبون. وفي يوم السبت الماضي تظاهر أكثر من نصف مليون امرأة في مدينة واشنطن وحدها حيث شارك فيها عدد أكبر ممن حضروا مراسيم تنصيب السيد ترامب. كما شملت التظاهرات مدن أخرى كبيرة مثل نيويورك وشيكاغو ولوس انجلس وسان دياكو وسان فرانسيسكو. وخطط لهذه التظاهرات تحالف واسع من أحزاب ونقابات عمالية وجمعيات نسوية وجمعيات مناهضة للعنصرية وطلبة وشباب. ورغم ان خطاب السيد ترامپ الذي القاه في يوم تنصيبه كان موحدا لا مفرقا، ووعد الأمريكيين بأنه سيعيد بناء الاقتصاد الأمريكي تحت شعار (أميركا اولا)، وإنه سيحارب دون هوادة إرهاب الإسلام المتطرف، ويعيد بناء المنظومة العسكرية بما يحقق للولايات المتحدة التفوق العسكري، وسيعيد النظر بالقوانين والتشريعات والاتفاقيات التي طبقت في عهد اوباما، وسيتبنى سياسة خارجية مبنية على مصالح الولايات المتحدة، ورغم ذلك، فإنه لم يستطع أن يبيع هذه البضاعة إلى الجماهير الغفيرة التي خرجت في مظاهرات صاخبة ضده.
أما كيف تفاعل السياسيون العراقيون من تبادل السلطة في الولايات المتحدة، فإن السيد المالكي تسارع واتهم السيد أوباما بأنه كان السبب في توسع داعش في العراق، بعد الاتهام الذي وجهه له السيد كيري وزير خارجية اوباما مؤخرا وأعتبره المسؤول عن احتلال داعش للموصل. بينما صرح آخرون (منال الآلوسي) اليوم بأن السيد اوباما هو من جاء بالإسلام السياسي، وإنه، اي السيد الآلوسي هو من المناصرين لسياسة ترامب وخاصة في مجال محاربة إرهاب الإسلام المتطرف. ولم تكن تصريحات السيد مسعود البارزاني تختلف عما قاله السيد الآلوسي وأضاف بأن العلاقات بين إقليم كردستان وإدارة ترامب ستشهد تطورا، وإنه لا مانع لديه من بقاء القوات الأمريكية في الإقليم.. هذا وكانت تصريحات السيد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي متفائلة من استمرار الدعم الأمريكي للعراق في المجالات كافة، كما صرح بعض السادة النواب بأنهم يأملون بأن رئيس جمهورية الولايات المتحدة الجديد، سيدعم جهود العراق في مكافحة الإرهاب والقضاء عليه.
وكما هو معروف، فإن سياسة وتوجهات إدارة الرئيس الأمريكي ترامب ستتوضح أكثر بعد مرور المائة يوم من تسلمه السلطة، خاصة وإن الجمهوريين لهم الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ. ومما يثير القلق فإن أول ما بدأ به الرئيس المنتخب هو إلغائه لقانون صحة اوباما الذي كان مثار جدل بين الجمهوريين والديمقراطيين، حيث سيحرم أعداد كبيرة من الأمريكيين من الحصول على ضمان صحي مناسب.
صحيح إن ما يجري في العالم من تطورات تنعكس سلبا ام ايجابا على اوضاعنا الداخلية، إلا ان المراهنة على مواقف الدول الأجنبية، والتي كما صرح به الرئيس ترامب من ان سياسة بلاده ستدافع عن مصالحها أولا، يبقى قاصرا عن فهم شكل العلاقة التي سيفرضها الواقع الجديد، وقد تتبدد الآمال المعقودة على وعود تلك الدول.. وقد علمتنا التجارب أن انتهاج سياسة وطنية مستقلة تعتمد بالأساس على مصالح وطننا وشعبنا، وتحارب الإرهاب والفساد وتنزع السلاح عن الميليشيات وتعيد بناء الوطن على أسس العلم والتكنولوجيا الحديثة وتضع الشخص المناسب في المكان المناسب، كل ذلك وغيره الكثير سيمنح العراق فرصة بناء علاقات متكافئة مع جميع الدول صغيرها وكبيرها، وستحظى هذه السياسة باحترام جميع الدول.
٢٢ ك٢ /٢٠١٧