القوش قلعة النضال، دفق الحياة، وفجر الحرية، لمن لا يعرف تاريخها الحديث، او لمن يتناسى وقفاتها المشهودة، نذكر بعضها لعل ذلك يصحي النائمين، من وهْمِ احلامهم:
# اثناء وبعد وضع الحرب العالمية الاولى( 1914- 1918) اوزارها، اضطر المئات من عوائل القرى الحدودية لترك ديارهم، فقبلتهم القوش لسنوات عديدة ومن تلك القرى: فيشخابور( الذي قتل رئيسها ياقو اغا ومئاتٌ من اهاليها في مجزرة نفذتها عشيرة الميران) قرى صبنة منها: ارادن، داؤودية، اينشكي، دهي ، بيناثان، تنا، قرى مركَا في اطراف زاخو وعددها( 14) قرية منها: ليفو، ناف كندالا، ملا عرب وغيرها، اضافة الى 72 عائلة ارمنية.
# عام 1933 تعرض الآثوريون الى فرمان ظالم، طوردوا وسلط السيف على رقابهم، سالت دمائهم القانية في بلدة سميل وغيرها، فلجأ المئات منهم اليها، خصوصا من الاطفال والنساء وكبار السن، دافعت عنهم البلدة برئاسة المرحوم يوسف بولا اسمرو، معرضة حياة ابنائها لأخطار ماثلة، نصبت المدافع حولها وانذروها باخراج اللاجئين منها، ولكنهم ربطوا مصيرهم بهم، وكان الفرج من نصيب الجميع.
# عام 1962 عندما تعرضت القرى الكردية خلف الجبل الى قصف الطائرات العراقية، لجأ العشرات من العوائل الى القوش فآوتهم وتقاسمت معهم الخبز حتى عودتهم، وقسم منهم آثر البقاء لسنين اضافية ومنهم عوائل بيت عبي ونبي وسليم اسمري من بيرموس، وبيت سعيد خوركي، وبيت جنكَير وسعيد، وغيرهم.
# عام 1963 وبعد وقوع انقلاب 8 شباط الدموي، اصبحت القوش ملاذاً للمناضلين من كل انحاء العراق، خلف جبل القوش وفي وهدة" بسقين" بلغ عدد المناضين وجلهم من شباب البلدة الى اكثر من خمسمائة مناضل، في منطقة صغيرة، محدودة المياه، بتموين من البلدة، وفي ظروف لا يمكن تصور صعوباتها، لا زالت كتاباتهم المنقورة على الصخور شاهدة الى يومنا هذا.
# عام 1969 تصدت القوش لهجوم مسلح كبير من مرتزقة السلطة، لغرض احتلالها والتنكيل بابنائها، فواجهتم لايام وحتى وصول رمزها الفقيد توما توماس، فوجه انذارا مكتوباً، لكل من دنّس تربتها بمغادرتها فورا، وتم له ذلك وسط فرح واستبشار الجماهير.
# عام 1973 تعرضت القوش الى هجوم مسلح كبير ولعدة ايام من الجبل، فواجهه اهاليها بوقفة صمود مسلحة لا مثيل لها، وحالوا دون سقوطها، بل لحقت هزيمة، لكل من سولته نفسه الاعتدار عليها.
# عام 1991 عندما قامت حرب الخليج الاولى، تأزم الوضع في العراق، وشعر الناس في اماكن كثيرة بخطورته، فلجأ الآلاف اليها، وامتلأت البيوت بهم، والاكثر من ذلك، زحف الكثير منهم، الى الاديرة المجاورة والى الكهوف، وحتى بات قسم في العراء، كانوا من مختلف مدن العراق مثل بغداد، الموصل، كركوك، دهوك، وغيرهما، ومن مختلف الاديان والقوميات.
# عام 2014 عندما دخل داعش الموصل وسهل نينوى بطريقة غريبة وبتواطئ مسبق ولغايات هدامة، حصد الاهالي من هذا العدوان الموت والدمار والنزوح، وسلب الممتلكات، وازالة الاثار والرموز، وهدم الكنائس والجوامع والمزارات الدينية. تصدت القوش وبامكانيات بسيطة، ولكن بعزيمة الرجال للتهديد الماثل، وكان مدير الناحية الاستاذ فائز جهوري ضمن هؤلاء، لحسن الحظ لم يتقدم داعش تجاه القوش. فعاد من هجرها مؤقتاً، وبعد حوالي اسبوع، عادت طرقات ناقوس كنيستها المهيب، تدعوا المؤمنين للصلاة، وتقديم الشكر للرب. فتح الاهالي البيوت والمدارس والقاعات واماكن الأيواء، امام المئات من النازحين، فعاشوا في السراء والضراء واطئنان، حتى تحررت مدنهم، وكانت محطمة مدمرة، فلم يعد اليها الا اعداد قليلة نسبياً، فيما هاجر الآلاف الى المناطق الآمنة ودول الجوار والمنافي البعيدة.
هكذا في كل منعطف، لألقوش وقفة، واليوم تمر بأزمة جديدة، ان شاء الله تخرج منها بالظفر، كما عودنا ابنائها، وهم يتوسدون صخورها الصلبة، ويستمدون العزم مما سطره الاجداد، من تاريخ مشرف، وموغل في القدم.
على مر عقود من السنين، واجهنا الاعداء على اشكالهم والوانهم، لم نكن وحدنا في الساحة، ففي كل واقعة كانت البلدة، تستمد العزم والمساندة، من قوى الخير والحرية. في هذا الوقت ما احوجنا الى التضامن والمؤازرة، مع مشكلتنا الجديدة، ما احوجنا الى دعم القرى والبلدات المجاورة، ما احوجنا الى تضامن اهالي الموصل، كما تضامنا معهم في كل نكباتهم، وهم يعرفون جيداً اي شعب عريق يقيم في القوش، وقد خبروا عزمه وبأسه على مر الايام. ما احوجنا الى تضامن قوى الخير والمدنية في بغداد ومدن العراق قاطبة، والشعب بكل قومياته واديانه وطوائفه، شعب العراق الأبي بين النهرين الخالدين دجلة والفرات، وما احوجنا لوأد الفتن، والعيش والتعايش بأمان وسلام، والثبات ثم الثبات، حتى عودة الاستقرار، الى عراق ديمقراطي موحد، من اقصى شماله وحتى جنوبه.
nabeeldamman@hotmail.com
في 21- تموز 2017