الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
جسر الديوانية والأول من أيار

لم تكسب الديوانية طيلة عمرها سوى معمل المطاط وجسر حديدي تعويضا عن جسرها الخشبي الذي تغمره مياه الشط في الشتاء، مع وجود جسر حديدي بائس وبسيط كان يتم فتحه من قبل عمال الجسر لعبور السفن التي كانت تعبر المدينة عبر النهر الفقير، وبقيت الديوانية كماهي بل تراجعت وذبل جمالها وتم تخريب متنزهاتها ونواديها وحدائقها وما عادت زهرة الفرات كما كانت، ولعل السلطات التي تعاقبت على حكم العراق كانت تدرك أن الديوانية تعج بالمعارضين السياسيين والحركات السياسية المناوئة لها ، فأشاحت بوجهها عن أعمارها والإيفاء بحقها أسوة ببقية المدن، ولذلك فأن أهم ما يميز الديوانية تلك القوافل من السجناء والمفصولين السياسيين طيلة العهد الملكي والجمهوريات المتعاقبة، يعني ذلك أن الحركات السياسية الوطنية كانت فاعلة ومؤثرة ضمن المدينة، وخصوصا الحركات اليسارية منها وبالتحديد تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي .

ولهذا لجأت السلطات المتعاقبة الى حرمان السياسي من عمله ومصدر رزق عائلته أمعانا في إذلاله ومعاقبته على اعتناقه فكرا سياسيا لا ينسجم مع فكر السلطة أو رغبة الأجهزة ألأمنية فيها، ولهذا فقد كثرت اسماء الشخصيات السياسية التي تم فصلها او سحب يدها من الوظيفة، وباتت بلا عمل، فلجأت إلى أعمال ربما لا تتناسب مع عقلها او قدرتها الجسمانية، ولما كنت من بين تلك الأعداد الكبيرة من المفصولين السياسيين في بداية السبعينات من القرن الماضي، فكنت ابحث عن عمل يعينني على متطلبات الحياة وأساعد به عائلتي، فأشار لي بعض الأصدقاء الى حاجة الجسر الجديد الذي يقوم المقاول فريد الأحمر بتشييده تحت أشراف وتنفيذ المهندس الشيوعي شاطي عودة.

جئت الى مكان العمل وسجلت اسمي وباشرت في اليوم التالي كعامل بأجور يومية لأجد فريقا كبيرا من المفصولين السياسيين جميعهم يعملون في أعمال مختلفة تساهم في تشييد وإنجاز الجسر، وكل منهم يعمل بإخلاص وتفان بقدر ما يتمكن، وجدت قبلي كل من الراحل كيطان ساجت ( ابو عمش )، وشاطر حلحول ومحمد علي حميد الجسام ومؤيد رؤوف وهادي ابو دية والحارس ناجي الشبيبي شقيق الشهيد حسين الشبيبي وربما أسماء أخرى لم تعد في ذاكرتي المتعبة.

لم تتمكن السلطات من كسر شوكة وكرامة المناضلين الذين طردتهم من وظائفهم وهي استحقاقاتهم العلمية والعملية، فكان جو المرح والألفة والتناخي يسود فترة العمل، بالإضافة الى تناقل الأخبار السياسية الخاصة بالبلد.

ولعل يوم الأول من آيار عام 1970 يوما لن ننساه جميعا ونحن نتوقف عن العمل لنحتفل به باعتبارنا عمالا، فيبادر الراحل الكبير شاطي عودة لاعتباره يوم عمل مدفوع الأجرة، ويشاركنا الاحتفال مع الإرباك والهستيريا التي اتسم بها جهاز الأمن وعناصره التي يعرفها ويكرهها كل أهل المدينة، التي دخلت الإنذار وانتشرت عناصرها وعيونها في أرجاء المدينة التي عمها الفرح والفعاليات المتعددة التي تقوم بها منظمة الحزب الشيوعي في الديوانية لما لهذا اليوم من إجلال وتقدير عالميين.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 30-04-2018     عدد القراء :  3138       عدد التعليقات : 0