الانتقال الى مكتبة الفيديو

 
التظاهر والتعبير عن الرأي في العراق

بمقتضى أحكام المادة السابعة من القانون الأساسي العراقي لعام 1925 فإن الحرية الشخصية مصونة لجميع سكان العراق من التعرض والتدخل، ولا يجوز القبض على أحدهم، أو توقيفه، أو معاقبته، أو إجباره على تبديل مسكنه، أو تعريضه لقيود، أو إجباره على الخدمة في القوات المسلحة إلا بمقتضى القانون، أما التعذيب، ونفي العراقيين إلى خارج المملكة العراقية، فممنوع بتاتاً.

أما الدستور المؤقت لعام 1958 فقد نصت المادة (11) منه على أن الحرية الشخصية وحرمة المنازل مصونتان ولا يجوز التجاوز عليهما إلا حسب ما تقتضيه السلامة العامة وينظم ذلك بقانون.

أما دستور عام 1963 فقد نصت المادة 32 على أن للعراقيين حق الاجتماع في هدوء غير حاملين سلاحاً ودون الحاجة إلى إخطار سابق. والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة في حدود القانون.

ونص دستور عام 1970 في المادة السادسة والعشرين منه على مايلي: يكفل الدستور حرية الرأي والنشر والاجتماع والتظاهر وتأسيس الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وفق أغراض الدستور وفي حدود القانون. وتعمل الدولة على توفير الأسباب اللازمة لممارسة هذه الحريات التي تنسجم مع خط الثورة القومي التقدمي.

وكان هذا الحظر يعبر عن القمع المفروض على العراقيين طيلة الحقب الزمنية الماضية، وبعد أن نص الدستور العراقي 2005 على أن حق التظاهر السلمي وحرية الاجتماع شكل من أشكال الحريات التي يضمنها، ولايمكن تقييد ممارسة أي حق من الحقوق الدستورية، كما لايمكن تقييدها أو تحديدها إلا بناءً على قانون، على أن لا يمس ذلك التحديد أو التقييد جوهر الحق أو الحرية .

أما قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الصادر عام 2004 فقد نصت الفقرة هـ من المادة الثالثة عشرة على مايلي: للعراقي الحق بالتظاهر والإضراب سلمياً وفقاً للقانون.

وحل الدستور العراقي لعام 2005 فقد نص في الفقرة ثالثاً من المادة 38 منه على كفالة الدولة وبما لايخل بالنظام العام والآداب وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون.

إذا كان حق التظاهر السلمي مكفولاً وفقاً للفقرة الثالثة من المادة (38) من الدستور، فإن مواد قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل الخاصة بمعاقبة المتظاهر والتجمهر في المحلات العامة تكون ملغية ولا قيمة قانونية لها في حال استحصال الموافقات الأصولية على التظاهر، ومع إن سلطة الائتلاف المؤقتة كانت قد ألغت العمل بالمواد (220 - 222) عقوبات بموجب الأمر المرقم 19 المؤرخ في 10 تموز 2004 الخاص بحرية التجمع انسجاماً مع حق الشعب العراقي في حرية التعبير وحقهم في التظاهر والتجمع السلمي، وعلى اعتبار أن الحظر المفروض على حرية التجمع والتظاهر لا ينسجم مع حقوق الإنسان، ولا ينسجم مع التزامات العراق مع هذه الحقوق، إلا أن هذا الحق يعد من بين الحقوق والحريات الأساسية التي أولاها الدستور أهمية في التعديل والإلغاء .

إن مثل هذا القانون الذي لم يأت فقط انسجاماً مع نصوص الدستور العراقي، بل مع المبادئ العامة للحريات وحقوق الإنسان والقانون الدولي، وأن ينظم ليس فقط الحقوق الأساسية في حرية التعبير والرأي وحق الاجتماع والتظاهر السلمي، إنما ينبغي أن ينص على معاقبة من يشرع أو يرتكب فعلاً من الأفعال التي تمس هذه الحرية أو تعرقل ممارستها أو تأمر بالمساس بها

واذا كان حق التظاهر يعتبر من حقوق الإنسان الأصيلة التي تتباهى بها الأمم التي توفر الأرضية والمناخ الملائم لحرية المواطن وحقه في التعبير، فإن اغلب الدساتير تضمن مثل هذا الحق وتنظم قوانينها طرق وسبل ممارسته، ومع كل الضمانات التي توفرها القوانين والدساتير، وخلافاً للقصد في حرية ممارسة هذا الحق من الممكن أن يتم الاعتداء على الممتلكات العامة أو أن يتم التجاوز على شروط ممارسة هذه الحقوق بأي شكل من الأشكال، ففي مثل هذه الحالات تتم مساءلة الجناة ومرتكبي مثل تلك الأفعال شخصياً، إلا أن هذا الحق لايمكن إلغاءه مهما كانت الأسباب إلا بالشروط القانونية التي لاتمس المبادئ العامة، يعني أن أي مسؤول حكومي مهما علت درجته ومنصبه لايمكن له أن يلغي هذا الحق ولا يحقّ له أن يأمر أفراد الحمايات أو الشرطة أو قوات الجيش بالتصدي لممارسيه أو القيام بأفعال أو تصرفات من شانها أن تلحق الأذى أو الضرر بالمواطنين .

إن مخالفة الدستور والاستخفاف بالقوانين وحدها تشكل جريمة ينبغي أن يتم تطبيقها على الموظف الحكومي الذي يرتكبها، وأن تتم معاقبته ونشر عقوبته وفعله في وسائل الإعلام حتى يمكن أن يسهم ذلك في ترسيخ واحترام حقوق الإنسان في العراق.

أما وقوع الأضرار وأفعال الإيذاء التي يتم ارتكابها بأمر الموظف الحكومي فإنها أيضاً تشكّل جريمة تتم محاسبته عنها وفقاً للقانون، كما تتم محاسبة مرتكب مثل هذه الأفعال من قبل أفراد الحماية أو الشرطة أو الجيش، بكونها أفعالاً غير قانونية وتجاوزاً على حريات الناس وحقوقهم، وتعسفاً في استعمال السلطة والإساءة لها .

حق التظاهر تعبير عن حالة رفض واحتجاج على موقف أو قرار، أو المطالبة بحق يراه المتظاهر إصلاحاً للحال، ومهما كان الغرض من التظاهر سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً، فقد عرفها مشروع القانون بأنها تجمّع عدد غير محدود من المواطنين للتعبير عن آرائهم أو المطالبة بحقوقهم التي كفلها القانون والتي تنظم وتسير في الطرقات والساحات العامة، وفي سبيل تجسيد حق المواطن ألزم القانون أجهزة الدولة كافة بتوفير الحماية للمتظاهرين بشرط أن تكون التظاهرة وفقاً للقانون، ولا يجوز لهذه السلطات استعمال القوة لتفريق المتظاهرين، إلا إذا أدى ذلك إلى زعزعة الأمن أو إلحاق الضرر بالممتلكات العامة أو الخاصة أو بالأشخاص .

وبين فترة وأخرى يتم ارتكاب أعمال مخالفة للدستور من قبل أجهزة الأمن والقوات المسلحة، وعلينا أن نتذكر بأن الدستور نص في الفقرة ( أ ) من المادة ( 9 ) على أن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية تدافع عن العراق ولاتكون أداة لقمع الشعب، ومن خلال هذا النص ينبغي تثقيف وترشيد تلك ألأجهزة، بأن تكون راعية لتلك الحقوق وحريصة على التطبيقات القانونية السليمة، وأن لا ترتكب الأخطاء بناءً على أوامر موظفين مهما علت درجاتهم .

قبل فترات متعاقبة تعرض المتظاهرون في مناطق عراقية متعددة أثناء تظاهرات سلمية يطالبون بمحاربة الفساد والمطالبة بتوفير أبسط الخدمات إلى التعامل بقسوة، من خلال قيام قوات مكافحة الشغب في تلك المناطق بقمع المتظاهرين واستخدام الرصاص الحيّ واستعمال الغازات المسيلة للدموع، ومطاردة المواطنين داخل أزقة المدينة لإلقاء القبض عليهم، وبالنتيجة سقط العديد منهم جرحى جراء إطلاق النار والاعتداء بالضرب المبرح والشديد، والقبض على العديد منهم واعتقالهم بشكل غير قانوني، كما نتج ذلك العنف الى مقتل العديد من الشباب العراقيين المتظاهرين وجرح آخرين والاعتداء على أعداد أخرى خلافاً للقانون .

إن مثل هذا الأفعال تولّد شروخاً كبيرة بين تلك الأجهزة وبين الشعب، فتخسر المؤسسة العسكرية والأمنية مكانتها، لتعيد بناء ما رسخ في أذهان العراقيين من تسخير تلك الأجهزة لخدمة السلطة، وعدم فهمها للحقوق والحريات التي وفرها الدستور، وأخيراً بالنتيجة ستخسر قيمتها واحترامها ومكانتها، في الوقت الذي يسهم الجميع في بناء العراق على أسس مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة وضمان حرية التعبير والرأي، ولذا فإن على المؤسسة العسكرية أن تنأى بنفسها عن التدخل بالسياسة أو الانقياد لصالح شخصية أو حزب سياسي .

إن هذه التظاهرات السلمية تعبّر عن بروز حالة من الوعي لممارسة الحقوق السياسية لدى المواطن العراقي، وهي أيضاً تعكس حالة الخلل وانتشار الفساد في مفاصل الدولة مما يستوجب العمل بشكل مشترك من خلال الاستجابة إلى طلبات المواطنين المشروعة والمعقولة لمكافحة الفساد وإصلاح حال البلاد، وهي أيضاً تعبّر عن الممارسات العملية للحقوق التي ضمنها الدستور، وبالتالي فإن أي انتهاك لهذه الحقوق والحريات يجعل مرتكبيها تحت طائلة القانون والمحاسبة .

والتظاهر تنفيس لصوت المواطن يطلقه في فضاء رحب، لذا فهو يحمي حق المواطن في التعبير والاحتجاج، ويمنحه حرية الكلام والموقف ووجهة النظر، ويمكن النظر إلى تجارب دول حديثة لم تمنح المواطن حرية التظاهر والتجمع فحسب، بل وفّرت لهم المكان الذي يمكن للمواطن أن يمارس حريته في الكلام وإبداء وطرح أفكاره ومعتقداته بحرية تامة، بشرط أن لا يتعدى ولا يمسّ حقوق الآخرين، ومادامت التظاهرات سلمية وترفع شعارات مطلبية مشروعة، فإن أي تدخل أو منع أو عرقلة لها من قبل أي جهة تجعلها مخالفة للقانون يستوجب الأمر إحالتها على المحاكم القضائية ومحاسبتها حتى تكون عبرة لغيرها ممن لم يؤمن أو يعتقد بإلزامية نصوص الدستور والقوانين حتى اليوم.

  كتب بتأريخ :  الخميس 19-07-2018     عدد القراء :  4062       عدد التعليقات : 0