تمهيد :
لا أدعي بأني ساهمت في انتفاضة آذار الخالدة عام 1991م، وليس سهلا أن تسترجع ذاكرتك التي بدأت تصدأ وتسترجع أحداث 28 سنة انصرمت بخيرها وبشرها، ومن المؤكد ستكون التواريخ التي أذكرها معتمدا على تلك الذاكرة، ولا أراجع ما نشره غيري وأجعله حجة لي وعلي ، ولا أحد يقدر أن يقنعني بأن الانتفاضة مهدت لها وفجرتها وقادتها أحزاب كانت تمارس نشاطها السياسي خارج الحدود العراقية، مع استثناء الشمال العراقي لوجود قادته السياسيين معهم سواء بالمدينة أو بأعالي الجبال، ولا أعترف بأن المنتفضين لهم أجندات وعلاقات بسياسيين عراقيين أو أجانب، ولا أركن لحديث من هنا وهناك بأن الانتفاضة كانت لها قيادات سياسية أو اجتماعية أو دينية، وقناعتي الشخصية أن المسميات التي ذكرتها من أحزاب وأسماء ورجال دين هم الذين كانوا السبب الرئيسي بتشتت قوى المنتفضين وإعطاء المسببات لأمريكا والسعودية والنظام الفاشستي، الممثل بالطاغية المقبور صدام حسين لقمع تلك الانتفاضة بشكل وحشي سادي،، لم يشهده العالم أجمعه، وأطلقت لصدام حسين يده بوأد الانتفاضة مستعينا بحرسه الجمهوري وقواته الخاصة، ومخابراته واستخباراته، وبمساعدة مستميتة من مقاتلي منظمة مجاهدي خلق بزعامة مسعود رجوى، وطائرات الهليكوبتر العراقية والأمريكية ، وهكذا فقد أخمدت الانتفاضة التي بدأت يوم 1 آذار، واستمرار القمع الوحشي الحيواني للربع الأول من شهر نيسان 1991.
أسباب الانتفاضة :
لا يخفى على الجميع ما كانت عليه حياة العراقيون فترة الحصار الذي فرضته أمريكا من خلال الأمم المتحدة من جوع ونقص الخدمات، وصعوبة الحصول على الدواء والغذاء، وتسلط زبانية القائد الضرورة، وتحجيم دور البعثيين، وفرض سلطة المخابرات والأمن وحكم العائلة الفردي، والسبب الذي أجده قد زاد الطين بله هو دخول بل غزو الجيش العراقي دولة الكويت بأمر من صدام حسين، واعتبارها المحافظة 19 وتسميتها محافظة النداء، ومن ثم إصدار القوانين الدولية بوجوب خروج العراق من الكويت، التي لم يعرها صدام حسين أهمية، وثم تشكيل قوة دولية شاركت فيها أغلب الدول العربية، وفعلا أخرجت القوات العراقية من الكويت بصورة مذلة ، وتدمير الآلة العسكرية العراقية، وانسحاب الجيش العراقي وقوات الحرس الجمهوري والجيش الشعبي الذي شكل من فقراء الناس، وبدأ قوات التحالف قصف كل التجمعات المنسحبة جماعات أو فرادى من الكويت صوب الحدود العراقية، وتوقيع العراق المخزي مع قائد القوات البرية الأمريكية ( شوارسكوف) ووزير الدفاع العراقي الفريق سلطان هاشم بخيمة صفوان، وتدخل وزير الدفاع السعودي مشيرا على شوارسكوف بوجوب نزع رتبة الفريق سلطان هاشم، ونزع نطاق ( بنطاله ) بصفته قائد الجيش المهزوم، إمعانا وتشفيا بإذلال العراق من خلال وزير دفاعه، ويقال أن شوارسكوف رفض مقترح وزير الدفاع السعودي، وبعد سماع العراقيين ما حل بجيشهم وأبنائهم، وحينها تواجد في البصرة مئات الآلاف من العراقيين مستفسرين عن مصير أبنائهم الجنود أو الضباط أو منتسب ما سمي وقتها بالجيش الشعبي، كل هذه المسببات مجتمعة أدت إلى إطلاق شرارة انتفاضة آذار الخالدة، انطلاقا من ساحة سعد في البصرة ظهيرة يوم 1 آذار عام 1991م.
يتبع ج2