لم يختر الغربة لحماية انتماءٍ سياسي أو حزبي، بل كانت غربته مثل عشرات المبدعين إن لم يكن المئات، ممن آثروا اختيار الغربة القسرية، ليظل أفقهم الإبداعي مفتوحاً على مشارفها الإنسانية، مشدوداً الى همّ الأكثرية الصامتة التي لم تجد سبيلاً للحفاظ على كرامتها، وما يمكن من سويّتها الإنسانية، سوى الركون لصمتٍ حزينٍ مُدمّى في وطن مسلوب الإرادة، يقسر مواطنيه على الشعور بغربة أشد وأوقع وأعمق من الرحيل بعيداً عن نسيمه وإن كان ملوثاً باستباحات الطغيان ..!
فوزي كريم، مثل عشرات أقرانه من المبدعين، لم يكن حزبياً، لكنه كان متحزباً لهمّه الوطني، لكل أسىً، وغيابٍ، وتراجعٍ للأمل في استعادة فرص النجاة والإمساك بخيط المرتجى الذي يضيع مع كل إشراقة شمسٍ جديدة ..
لم يكن مدّعياً، رغم تعدد ميادين إبداعه، شعراً ونثراً وترجمة، وشغفاً بالموسيقى وانشداداً لمباهج الحياة ..
ورغم إنجازه الثقافي المتدفق بلا عسرٍ او افتعال، ظل بمنأى عن ضجيج حبِّ الظهور وافتعال المعارك لتأكيد حضوره. كان الصمت رفيقاً أليفاً له حيثما أمكن ذلك .
يغادر فوزي مشاقّ الحياة، وتجرّدها من الإنصاف، والوطن الذي لم يخنه، ولا اتهمه بالعقوق والإنكار، يدير له ظهره كما يفعل مع مجايليه من أبرار الثقافة والفكر والإبداع ..
هل كان يطوي بصمته الأخيرة وهو يتابع توالي فقدان رموز جيله؟ تساؤلات عرف بحساسيته أن الرد عليها يبقى مؤجلاً الى حين ..
يرحل فوزي كريم في موسم الفقدان في الغربة، إذ ووري التراب فائق بطي ثم غانم حمدون وعلي الشوك ، ومنذ هنيهةٍ عبد الرزاق الصافي ..
يا له من موسمٍ ناكر للجميل، بخيل الوفاء ...