الانتقال الى مكتبة الفيديو
 
عن الغناء "الملتزم" اليساري.. والأصولي الإسلامي!
السبت 27-12-2014
 
علي عبد الأمير عجام

دائما ما كان الغناء "الملتزم"، عدا حالات نادرة، يضرب عرض الحائط بجنسه الفني: الموسيقى، لذا كان مصابا على الأغلب بفقر دم واضح، ناهيك عن طابعه الظرفي و"المناسباتي"، واعتماده التهييج العاطفي للحماسة "الوطنية"، وهو ما يتعارض مع جوهر العمل الفني القائم على إحداث تغيير عميق في المتلقي. وعند العراقي الخارج من مطاحن حروب متصلة، ثمة الحاجة الى الأمل، وتوفر أغنيات فيروز، "الوطنية- الانسانية" زادا روحيا لا توفرها الحماسة التي تثيرها "الأغنيات السياسية"، ومنها التي سادت في الأعوام الثلاثة الماضية التي تختصر الوطن بقوات منتصرة دائما (هي غير ذلك في الواقع). فالقياس الفني يرى الى الأغنيات "الوطنية" التي أبدعها عاصي ومنصورالرحباني لصوت فيروز بوصفها ارتقاء بالأغنية السياسية من مستوى اللحظة السياسية العابرة الى آفاق وجدانية واسعة، بل ان كثيرا من ذلك الإرث نستعيده بصفاء نادر اليوم، مثلما نستعيد أغنية عاطفية خالدة، كما ان لبنان وفلسطين والشام ودولا عربية كثيرة حين تحاول التثبت من حضورها "الوطني" وجدانيا، فهي تجد في ما غنته فيروز لها ذخيرة حاضرة(هل ننسى حصتنا منها عبر أغنيتها بغداد). كل هذا التأثير العميق لحضور يليق بفكرة الوطن، لم يقل عنه الرحابنة ولا فيروز انه "غناء وطني"، ولم نسمع منهم انه "غناء ملتزم"، انه غناء وحسب، ولكنه يحترم شروطه الفنية، ويعنى بفكرة التعبير الراقي عن المشاعر أولا وأخيرا.

ثم أي معنى هذا الذي تعنيه مفردة "التزام"؟ فاذا كان اليساريون والثوريون يرون في الغناء "الملتزم"، "التزاما بنهجهم الفكري وخدمة لقضيتهم"، فان ذلك أوقعهم وأوقعنا في مأزق تأتّى من وصف مماثل وإن جاء من نقيضهم الفكري: الإسلام السياسي المتشدد، فالحركات الأصولية تنتج أعمالا "غنائية" هي في حقيقتها أناشيد "ملتزمة"، صحيح انهما تياران مختلفان لجهة الالتزام، ولكنهما تحت ذريعة واحدة ينتجان عملا واحدا: غناء ملتزم!

مديح الأبطال والأفكار .."مقتل" الغناء الوطني والثوري

في استثناءات نادرة، كانت تتوافر لموجات "الغناء الوطني، الثوري، والملتزم" مواهب موسيقية حقيقية، مما كان يقرّب الأعمال الغنائية" السياسية" من جوهر فني مؤثر، ومراجعة لموروث عبد الوهاب اللحني، وعبد الحليم حافظ الغنائي وبعض مما غنته أم كلثوم، ونجاة الصغيرة، وشادية عربيا توفر مادة مناسبة لغناء يبلغ مديات الجمال والتأثير عن فترة صعود الأحلام "الثورية" خلال المرحلة الناصرية، ولكن اندراج أعمال كثيرة أيضا من نتاج المرحلة ذاتها في مديح عبد الناصر بطلا قوميا، وإعلاء "الجماهير" فكرة ثورية، شكل "مقتل" تلك الأعمال حتى مع عناصر جودتها الفنية.إنها الحال ذاتها في العراق، أثناء الحرب مع إيران، فقد تصدى ملحنون كبار كطالب القرغولي وجعفر الخفاف لانتاج غنائي كان يصب في جوهر العمل الموسيقي، لكن تمجيده فكرة الحرب، واعلاءها صدام حسين بطلا لايجارى، مع وجود استثناءات نادرة، أحال تلك الإعمال التي صاغتها حناجر معظم المطربين العراقيين فضلا عن عرب: وردة، نجاح سلام، سميرة سعيد ووديع الصافي، الى "مقتل" الغناء "السياسي والثوري"، أي مديح الأفكار والزعماء "الإبطال"، وهو ليس "مقتل" الغناء الوطني في مصر الناصرية وعراق صدام حسين فحسب، بل هو "مقتل" الغناء "الثوري" في عراق "الجبهة الوطنية" في سبعينات القرن الماضي والانفتاح السياسي على الشيوعيين، فهو غناء يمجد فكرة محددة: التفسير الشيوعي واليساري للوضع الإنساني، ويمجد قادة وزعماء، أي انه كما في غناء وطني كثير، يمجد نمطا فكريا يحتكر الحقيقة أو يسعى الى ذلك، وهو جوهر يعارض أية قيمة حقيقية للفن، بوصفه بحثا عن حرية لعقل الإنسان وعواطفه.إن تصوير المشتغلين في مجال العمل الفني "الملتزم" و"الأغنية السياسية" وكأنهم كانوا لوحدهم خارج مدارات العمل الفكري الحر، لهو خطأ فادح، فما انفكت الثقافة العربية تعميقا لأزمة حرية، فالشاعر الغنائي والملحن والمطرب ليسوا أحرارا، مثلما هو الجمهور ليس حرا، وافتقاد الحرية هذا يورث التكرار والعودة الى النمطية لأشكال من نتاج إنساني، هو الفن الذي بدا قرينا بأعقد المهمات الإنسانية: تجديد الوجدان والذاكرة والعقل.

وللأمانة فان بعض نتاج الغناء "الثوري" العراقي واللبناني والفلسطيني والسوري، وصل الى إعلاء قيم الحرية بعيدا عن ثنائية: احتلال- استقلال بل في دعوته الى حرية الإنسان واحترام وجوده، وفي ذلك صون للأوطان وحفظ لكرامتها.

 
   
 



اقـــرأ ايضـــاً
انخفاض ملحوظ.. رياح شمالية تكسر من حدة الموجة الحارة في العراق
لماذا يهاجرون؟".. كردستان تبكي ضحايا كارثة جديدة لـ "قوارب الأمل"
كم رهينة اسرائيلية على قيد الحياة؟ الإجابة صادمة!
الحر الشديد في بغداد..مقاومة بمياه النهر والمسابح وحلبة جليد
4 ملايين لاجئ عراقي في العالم
دليل البقاء على قيد الحياة في صيف بغداد.. توجيهات لمواجهة الحرارة المرتفعة
"الموت البطيء": سكان غزة يعيشون بجوار القمامة المُتعفنة والقوارض
على ماذا اتفق بوتين وكيم؟
صنفتها واشنطن إرهابية.. ما هي حركة "أنصار الله الأوفياء" العراقية؟
العراق يخسر 15% من الأراضي الزراعية
حرارة خمسينية وغبار في أجواء العراق غداً
تضامنا مع غزة.. مئات الطلاب يغادرون حفل تخرج بجامعة ستانفورد العريقة
 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





للمزيد من اﻵراء الحرة